السحر والأعمال.. من بدء الخليقة إلى الصيني
الأربعاء، 03 يناير 2018 09:00 م
انتشرت في الآونة الأخيرة المنتجات الصينية في الأسواق المصرية بشكل كبير وعلى الرغم من أنهم لم يتركوا شيئًا إلا وصنعوه وقاموا بتصديره إلى مختلف أسواق العالم بأرخص الأسعار إلا أن العمل الصيني -السحر- كانت مفاجأة بعد ظهور صوره على مواقع التواصل الاجتماعي وتداوله جاهزا دون الحاجة إلى الدجالين والمشعوذين.
يعود بنا السحر الصينى إلى أشهر أنواع السحر، من الفودو إلى الفرعوني والسليماني وسحر الأوفاق والعزائم، وكذلك السحر الشعبي والمعروف بـ"الشبشبة"، للسحر تاريخ قديم قد يعود إلى ظهور البشر على الأرض، وتنوعت مدارسه وأساطيره وممارسته، فلا يخلو مجتمع مهمًا كانت ثقافته وتقدمه من المشعوذين والسحرة، ومن يؤمنون بهم وبقدرتهم، لذلك نصطحب القارئ في هذا جولة داخل عالم السحر وأشهر مدارسة وحقبه التاريخية.
السحر في عصر الفراعنة
وعلى الرغم من أن الأعمال والسحر معروفة من قديم الأذل ففى مصر عرفت أعمال السحر منذ عصر الفراعنة والتى لا يعرف أسرارها أحد حتى الآن نظرا لبداية استخدامها قبل تعليم الكتابة لذلك لم يدون الفراعنة طرق السحر لديهم، فلم يكن السحر لديهم مجرد طقوس وهمية للتأثير على الحاضرين فقد وصل السحرة الفراعنة إلى معرفة علوم ما بعد الطبيعة وتمكنوا من السيطرة على قوى غير ملموسة وفى الأشياء سواء الجماد أو الحى وكان علما سريا لا ينقله السحرة إلا بشروط وعهود ومواثيق.
وتظهر التعاويذ على هيئة نصوص هيروغليفية تسمى نصوص اللعنة المنقوشة على جدران ومداخل المقابر وخاصة في الأهرامات وقد كتبت بناء على رغبة المتوفى في إبعاد اللصوص عن سرقة المقبرة، فكان السحر وسيلة الدفاع الفعالة عن الجثة المحنطة والذين كانوا يظنون أنها تبعث من جديد في العالم الآخر.
قد ظهرت نقوش على جدران مقبرة بسقارة ترجمها العلماء لتكون الجملة " كل من يمس مقبرتى بسوء سوف أنتزع رقبته مثل الإوزة"، وهناك قصص كثيرة عن السحر في هذا العصر، ومن أشهر قصص السحر والسحرة بردية "خوفو والسحرة"، عندما جاء ابن الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر، بالساحر "جدى" الذي كان يعيش في مدينة "جد سنفرو" ويبلغ من العمر مائة عام، وسأله خوفو عن حقيقة ما سمعه عنه من تمكنه من السحر، وأنهيمكن أن يقطع رأس إنسان ويعيده مرة أخرى، وأجاب الساحر بنعم، وطلب منه الملك أن يفعل ذلك أمامه فرفض الساحر، وقال: "أنا لا أفعل ذلك في إنسان"، وقال الملك: "سوف أحضر لك سجيناً؟!" فقال الساحر: "إن السجين إنسان"، ولذلك أحضر له إوزة وقام جدى بقطع رقبتها، وألقى الإوزة في جهة ورقبتها في جهة أخرى، ثم أشار إليها، فعادت تطير، وسط دهشة الحاضرين.
سحر قوم سليمان في جلب عرش ملكة سبأ
"قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ" لك أن تتخيل مجلس ملك من أعظم ملوك الأرض، يجتمع فيه العفاريت والجن لمناقشة عملية خاصة لجلب عرش ملكة سبأ -بلقيس- قبل أن تأتي الملك سليمان، ليدلو بدلوه أحد العفاريت، ويقدم عرض الإتيان بعرشها قبل أن ينتهي المجلس الملكي، لكن يفاجئ الملك رجل عنده علم من الكتاب "قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ"، ليحطم أسطورة الجن، ويحطم القم القياسي، ويزايد معلنًا أنه يملك قدرة جلب العرش قبل أن يغلق الملك عينه ويفتحها مرة أخرى -يبربرش- فيجد عرش بلقيس أمامه.
السحر والقدرات الخارقة تجلت فى قصص الملك سليمان فى الكتب السماوية جميعها، القدرة على تسخير المخلوقات والطبيعة، حتى أن أغلب العزائم والتعيذات ذات التأثير الروحاني على الأجسام والكائنات، نسبت إلى الملك سليمان، ومن أشهرها العهد أو الخاتم السليماني، صاحب القدرة الشافية -كما يشاع- والحامية من القرين والجن والشياطين، بخلاف المجلدات التي تتحدث عن علوم الطلاسم واللغات السيريانية والطاهنشاه والنوراينة، وطرق تسخير الجن وملوكه والأعوان وعمار المنازل، في خدمة الساحر وتلبية كل أوامره.
سحر الأوفاق والأرق
وهو المعتمد على دراسة طبائع الحروف وأسرارها وما يقابلها من أعداد ولكل حرف تبعا لهذا العلم وزن ورقم يقابله، ويؤمن المشتغلون في هذا العلم بقوته وتأثيره ويستند هذا العلم على إعطاء قيمة عددية معينة لكل حرف من حروف الأبجدية وهى قيمة تمثل قوة الحرف أو روحه ويمكن أن يكون للحوف قيم أخرى ولكنها تعتمد على الترقيم الأول لاستنباطها والعمل بها وعند دمج هذه الحروف لصنع الكلمة تكون قوتها مساوية لمجموع قوة الحروف المكونة منها ويكون لهذه الكلمة تأثير كبير وعند تجميع كلمات يصبح تأثيرها أقوى.
وأشتهر بهذا السحر المغاربة ويرجع تاريخ علم الأوفاق للقرن السابع الميلادى عندما احتك العرب مع الحضارات الأخرى أثناء نشرهم للإسلام خصوصا مع الهنود والفرس أو ثقافات جنوب آسيا فتعلموا علوم الرياضيات والفلك من الهنود وتشير مصادر أخرى أن تلك الأفكار أتت من الصين وبدأت الأوفاق تظهر في موسوعة في بغداد في 883 بعد الميلاد.
وكان يستخدم هذا النوع من السحر في أغراض متعددة إلا أنه اشتهر بما يخص الأجنة وهو ما يؤكده ساحر تائب من أن "سحرة الأوفاق" يعتمد على إحاطة الرحم المقصود به الضرر بما يعرف بـ "تعويذة الربط" وهي تشتمل على أرقام تبدأ من واحد إلى تسعة إشارة إلى اشهر الحمل تكتب ومعها أسماء الأم والزوج ( الأب ) حتى ولو كانت أسماء شهرة كل ذلك داخل مربعات الوفق وبأحبار نجسة من البول والمني والدم، ثم يقوم الساحر بربط هذا العمل السحري برسومات جنينية أي تشبه الجنين في بطن الأم محاطة بدائرة كبيرة في مركزها دائرة صغيرة يخرج منها ثلاثة أسهم مسنونة على رأس كل سهم حرف من حروف كلمة تساوي الضرر المقصود من السحر, فإذا كان الضرر هو الإجهاض كتبت حروف "س ق ط" بمعنى إسقاط، وإذا كان الضرر هو طمس معالم الجنين كتبت حروف " م س خ " بمعنى المسخ والتشويه وهكذا.
ويعتقد العاملين بهذا السحر أن يكون هناك شروط معينة ليكون للأوفاق تأثير سحرى ولعل أبرزها هي أن يتم إحاطتها بكتابات مقدسة أو أسماء لها قدسية أو قوة خارقة حسب اعتقاد الساحر سواء أسماء شياطين أو ملائكة، كما وجبوا أن تترافق مع طقوس معينة كاستخدام بخور معين كما يتم استخدام حبر معين في كتابتها كماء الورد، وتكتب أو ترسم على ورق طاهر أو جلد حيوان.
سحر العزائم أو الكبريت الأحمر
العزائم هي جمع عزيمة وهي أقسام تقرأ من قبل المعزم على الجان والأرواح لغرض تسخيرها أو زجرها او دفع أذاها عمن تتلبس به.. ويتكون القسم من مجموعة من الأسماء المستخرجة بكيفية خاصة تدعى (البسط والتكسير) مع مزجها بآيات قرآنية او مقتطفات من التوراة والانجيل وغيرها من الكتب. فللعزيمة إذن أغراض متعددة بحسب نوع العمل المزمع فعله.
وتأتي في مقدمة هذه العزائم وأشهرها "الدعوة الجلجوتية الكبري، التي خص لها كبار الروحانيين مجلدات في شرح أسمائها وطلاسمها وشعابيذها، وما تنطوي عليه من أسرار وقدرات وتصريفات، لما تحويه -حسب معتقدهم- من أقسام قادرة على تسخير ملوك الجن العلويين والسفليين، وزجرهم على تنفيذ المطالب بقوة هذه العزيمة ونفاذ سلطانها عليهم.
ويرى الرازى أنه بفضل الرياضة وإقامة شعائر دينية مرفوقة بإطلاق البخور وتلاوة العزائم يتوصل الساحر إلى اللقاء بهم والتحكم فيهم وتسخيرهم.
ويقوم الساحر باختيار مادة السحر المناسبة -البخور والاعشاب والاحجار- ثم يتلو العزائم السحرية عليها أو يكتب الطلسمات بطريقة شيطانية على ورق أو جلد أو معدن ثم يختار إحدى الطريقتين لإحداث التأثير في المراد سحره.
الطريقة الأولى: تكون مادة السحر خارج جسد الشخص المراد سحره كأن يدفن السحر في الأرض أو المقابر أو في قاع البحر أو يعلق على الأشجار أو يرش على الأبواب أو يربط بأجنحة الطيور وغيرها من الطرق.
الطريقة الثانية: أن يقوم الساحر بإعطاء بعض الأشياء للشخص المراد سحره أو سقيها أو رشها على ثيابه أو فراشه وهذه الأشياء غالبا ما تكون بمواد نجسة مثل دم الحيض أو البول أو لعاب كلب أو دم خنزير.
سحر العامية "الشبشبة"
الشبشبة هو أسرع وأخطر أنواع السحر وأسهلهم فنساء مصر في العصور القديمة ونساء المغرب والسودان يستخدمونه بسهولة وسمى بالشبشبة لأن البعض منهم يستخدم الشباشب بتخبيط منتظم يشبه الموسيقى الايقاعية أثناء تلاوة السجع وتكون المرأة متجردة من ملابسها أحيانا وتكون بلا غطاء للرأس ولعل من أبرزها هي شبشبة الجلب أو شبشبة العتبة، ثلاث ضربات بيدك وتقول أنا خبط على الارض ثلاث خبطات طلعولى ثلاث بنات، واحدة مسكة خصرتها، وواحدة ماسكة قلتها، وواحدة مسكة شقفة نار ورميتها، في قلب فلان ابن فلانه، بالحب والافتكار في فلانه بنت فلانه في الليل والنهار، يا ست رتبه يا سكنه الارض والعتبه ما تطلعى سريرك، ولا ترضعى صغيرك، الا لما تجيبى فلان ابن فلانة، لى فلانة بنت فلانة، بطبلك ونفيرك يا بيتنا يا عالى، يا أخضر يا عنابى، خرج فلان ابن فلانه زعلان يخش عليه وهو فرحان.
سحر الفودو
نشأة الفودو أو السحر الأسود في مجاهل أفريقيا، ومع الإعتقاد القوي بقوته وتأثيره، تجول ساحر الفودو إلى كان أو وسيط بين البشر وبين مصدر القوة الخارقة التي تعطيه القدرة على ممارسة طقوسه، ومع الوقت تحول إلى معتنق ديني وضعي، وبدأ فى الخروج من أفريقيا مع فترات الإحتلال والاسترقاق في أفريقيا، لينتقل المعتقد إلى أوروبا والأمريكتين، حتى أن بعض المؤرخين عززوا أن ممارسته كان السر وراء إقامة الكنائس محاكمات للسحرة في العصور الوسطى.
الفودو أنواع ومدارس وأساليب عدة، ولا تستغرب أن علمت بأننا -المصريين- نمارسه حتى الأن من خلال "العروسة الورق" التي نغرز فيها الدبوس لوقاية الأطفال من الحسد، حيث أن معتنقي الفودو يغرسوا دبابيس في دمى تمثل أعداءهم ويحرقوهم على أمل أن تصيبهم اللعنة، و"الفودو" نوع من أنواع السحر الأسود الذي يقوم أهله باستخدام الأشباح والجن لخدمتهم.
يقول بعض المُؤرخون أنه يعود إلى أكثر من عشرة آلاف سنة ولكن هناك نظريات أخرى خرجت ومنها أنه من أسباب خروج هذه الديانة هو الاحتلال الأوربي لأفريقيا وبدء تجارة العبيد ففي الوقت الذي كان فيه الأوروبيون بتمزيق المعتقدات الدينية للأفارقة لتحويلهم من جماعات إلى أفراد يسهل السيطرة عليهم كان خوف الأفارقة كبيرا حيث أنهم اجتمعوا مرارا ليعدلوا من ويطوروا شعائرهم الدينية ومزج هذه الشعائر بالرغم من اختلاف الطوائف حتى خرجت هذه الديانة في مجملها النهائي.
والإله في معتقداتهم يتمثل في أرواح الأجداد والآباء الذين ماتوا وهذه الأرواح قادرة على مساعدتهم أو حتى معاقبتهم حسب ما يتصرفون. وبالتالي فإن في معتقداتهم دائرة مقدسة تربط بين الأحياء وكل طقوسهم التي يمارسونها ترتبط في الأساس على إرضاء أرواح الموتى لنيل رضاهم.