عن مذكرات النخبة
الأحد، 31 ديسمبر 2017 02:58 م
في البداية كانت مدينتي..
ثم شارعي.. ثم بيتي..
ثم غرفتي.. ثم مقعدي الوثير..
وحتي هناك.. أنا دائماً في إتزان هش فوق رقعة صغيرة تضيق عليً شبراً كل يوم..
أنظر كل صباح من النافذة وأجد كل شئ كالبارحة.. هي مساحة النور تتقلص..
وانقطع الوحي عني وقاطعني.. وترك مكانة هوَة سحيقة بلا آخر..
وتأسس الندم بعناية ولم يترك من القلب سوي ضفتين..
ضفة تزهد الحب كله وضفة أخري تبحث عنه بيأس..
ففي كل مرة شارفت علي رؤية لوحة وليدة علي الكمال.. يأخذني غضب عارم من نفسي ومما أظن حتي ألطخها بحبر أسود ثائر..
كانت ليالٍ واحدة لي وألف أخريات عليا..
ليالٍ أربح فيها حيناً وأخسر ألف حين..
ليالٍ لم احمي يوماً فيها نجمة خلف السياج من الغيم.. ولم أعرف يوماً ما هو الحب كالمتعالي أو كالزاهد سئ الحظ أحياناً ..
والآن اكتب رسائل مني إليً.. ألقيها كحجراً داخل قلباً من ماء..
فما أستطيع قوله يَمكُث الآن في قلمي..
فصلٌ أول (هائماً كالدرويش) :
أرفع كفين في الصباح وكفين في المساء فينهمر بينهما حبك كالمطر.. واصغي إلي جسدي فاسمع جسد يئن حنيناً إلي جسد حائراً بين السماء والأرض...
أنتي لي آلهة وربات بلا عدد..
أنتي مهدي المنتظر طريقه كشجر لبلاب ملفوف علي جسدي ..
مركون أنا علي ما تبقي من سحابة حنين..
ومركون علي سبحة (عليً) أعد من العمر عقود الانتظار..
هنا لا أقوي علي عطر يبوح بالفؤاد..
هنا يصاحبني الموت في تفاصيلك كنبيذ الجنة..
ولا يكفي التقاء أرواحنا بعد الموت كي نبقي متصلين في بوصلة العشق..
لا يكفي..
فصلٌ ثاني (رباط يسوعي المقدس) :
خارج من مسامير هذا الصليب.. ولوعاتبت الله كل ليل لصدقتِك أنتي..
تُشرقِين من كتاب المرائي.. وبنار العهد كانت ثقوب النور في وجهك..
كان يكفي مرورك بحروف لغتي لأجد صورتي فيها ..
وكان يكفي مرورك بالروح لتجد في جسدك روحاً لها..
فإن كان لابد للروح من جسد لتُظهر ما أخفت للأبد ..فلا مفر للجسد من روح كي يحترق..
ياتكويني..
يا إسماً محفور علي العيون كألماظ شكله الصدي..
لا أتذكر بعد أن أحببتك يوماً من أي مهد يسوعي بُعِثتي..
فقط أحببتك كي أولد من كل شئ بحب مسيحي المجاز مفحم ببكورة وعذرية الغد..
أنا لا أنسي ولا أتذكر سواكي..
ولا أملك إلا أن أحفظ فلك الجوار دوماً.. فأنتي عِلتي وراء المصائر..
فقد تستضيف الخسارة يوماً خيطاً من ضوء يلمع في قلبي..
وقد يولد الفرح لحظة من رحم الألم..
ولالوكي ما كنت أنتظر ..
لولاكي ما كنت أؤمن..
فصلٌ ثالث (غريب من بلاد الأندلس) :
غريب ينهش علي الشباك.. فإقتربي
كالخيمة أنتي في عزلة الملِك.. فإقتربي
إقتربي..
وإلمسي الأرض تحتي لتهوي كل غربة تحت قدمك العاري..
واسحبي السراب من حولي ليعرف الجميع كيف من حجر أبني سقف السماء..
وخذي حصتك من أنفاسي فالهواء يمر بيني وبينك كغريب...
هنا وقعت الفرس عن الريح وتناثرت أشلائي..
هنا أضاء لكي ملح دمي..وكنتي آخر منفي..
ولا أخشي الحرب التي لم تنتهي..كل ما أريد هو البقاء معكِ كي لا أصير غريباً أكثر..
فإن كان عليً أن أري نفسي دوماً خارج نفسي فأنتي المرآة بينهما..
وإن كان علي المسافر أن يبقي علي سفر.. فليس بوسعي إلا أن ابقي كما تركتيني أمس..
منقسماً بين أرض وسماء ..
فأنتي من أدركت معها حدود قلبي علي أنامل أصابعي وإن نسيت يوماً حدود أوطاني..
وأنتي أوطاني ..
أنتي أوطاني..
فصلٌ رابع (شاعر دمشقي) :
إلي زهراء كلما ضوا صباحها تدفق في شعب الروح بحراً من الهوي..
وكلما سكن الليل تغلغل في جوارحها السجًية نهراً من الرضا..
أطير وأطير كل ليل فوق هوية أجدادي فبكِ أصير أبعد من زماني.. كحلم كل ليل يدربني علي أسراره ويرحل..
ويصدح السحر داخلي كموسيقي لتكرار وجع في أغنية لم تكتمل..
وكم أحبك؟..
كم أحبك أنتي التي قطعتني وتراً وتراً في الطريق إلي ليلي الحار..
كم أحبك وفي عينيكي اللجوء والمنفي بعد أن خلي السقف من شبح كل ليلة يطاردني..
يا سيدة نجمتي في الليل..
أنا أقل من واحد.. فهويتي مازالت قيد التأليف..
أمر بك كالشاعر يمشي بحروفه في هواجسه..
أمر بك كيوم مررت علي دمشق وكأنني آخر الحرس ولا بلاد لي..
كبصمة أنتي علي دمي.. تجلسي علي عرش أغنيتي وشباكي مفتوح علي الأيام..
وليس لدي سوي أن أطلب من أصدقائي نشر قصيدتي إليكي يوم تأبيني ..
بعد ان قرأتها كل ليل لعيناكي ورداً مقدساً في الليل..
فحتي البرق لن يفرق غريب عن قصيدته..
فأعيدي عقرب الوقت لشرعية العاشق المقدس..
الفصل الأخير (المرآة) :
تسبح علي ريح خاوية لأعلي..كألف ذات تجمعت أشلائها في أمرأة..
تلمع دوماً فقدها بقطرات الندي..
هي أقل منهم قليلاً..
بعيدة عن كلامها.. كالصادق في وعده عجرفة..
والأمين في وداعه الذبح..
هي أقل منهم قليلاً..
ليست سوي بين مفترس وفريسة..
لم تجتهد في اكتشاف أشد مواقع الجسد سرية..
فلم تنتبه يوماً إلي انها ولدت ولو ساعة واحدة..
فقط كل ما في الأمر أنه يعجبها إندفاع النهر في النار.. وجماع البرق والأصوات..
فقد كان صراع كل مساء يصب خارج غرفتها دوماً..
هي أقل منهم قليلا..
تمر في قلوبهم كالسهم يشق غبار الوقت والموت .. ثم يتمرد قلبها عليها..
فقد تورطت بمرآة لا يحيي فيها إلا دوامة المفتون. ولولاها ما صارت يوماً
أسطورة في خيال الجميع..
كل منهم كان حرفاً في قصيدة لا تنتهي..وكل منهم أحب ولم يصل..
فهي أقل منهم قليلاً..
الجمال .. هذا الرماد الابيض اللذي يكسو الحق في الحقيقة دوماً..
ذلك الشعاع الابيض الذي يعكس نظرات لا تري منها شئ.. هو فقط يمنع رحمة الظل..
فرحماك وعطفك بالذي اقترب من ذاته..
نعم .. أنا اقل منكم قليلاً..
أمر عليكم كالظل علي الحجر ثم اسحب نفسي من جسد لا أراه..
وأخاف الرجوع الي ليل عرفته..
وأخاف الرجوع الي عيون إخترقت ضفافي لتبصر كم كان القلب حافياً..
وأخاف الاعتراف بأنني أخاف الرجوع فألقي بنفسي كل مرة في بئرالغرور..
ثم اخرج بالمالوف دوماً بانني حبيب الله المختار وأنه " كان بي حفياً".. كالسعيد بالحزن.. المنتشي بالوهم ..كالحالم الحائر بلا إجابات..
فطوبي للذين كانت تُسَد بهم الثغور..
وطوبي لكل الذين نظرت إليهم ولم أراهم..
فأنا..
أنا القاتل والقتيل والسكين..
أنا السجان والسجن والسجين..
الوردة واليد التي تقطفها..
واذا ظن القاتل انه قاتل وظن القتيل أنه قتيل فانهم لا يعلمون ما خفي .. انا الزراع لمن يقتل والصدر لمن يموت..
ولكنني سأعترف هذه المرة بجهلي..
فأنا من هذه الدنيا لا أدري شيئاً..
من هذه الدنيا لا أدري شيئاً..