"ياكلها التمساح ولا يتجوزهاش الفلاح.. البنت ما تتطلعش برة العيلة".. موروثات اجتماعية تضاعف جريمة الزواج المبكر
الأحد، 31 ديسمبر 2017 04:00 ص
اعتاد الاستيقاظ مبكرا وهومتضرر، للذهاب إلي المدرسة، ولكن في هذه المرة أيقظوه مبكرا لمهمة أكبركثيرا، وقدموا له الكثير من التمهيدات عن الموضوع قبل عدة أيام، فلم يعد صاحب الإثني عشرعاما طفلا، في نظرهم ، ولا يمكن قبول لعبه الكره في الحارة ، مع أصدقائه بعد الآن، غمرته فرحة عندما ارتدى بدلته الجديدة، وصفف شعره عند أفضل الحلاقين بالمنطقة، ووضع له العطورالتي كان يحلم بها كوالده، فمازال الزواج بالنسبة إليه هو بيت والديه، وأخوته.
وعلي بُعد خطوات منه، كانت هي ذات الـ16 عاما، تستعد للمناسبة نفسها، التي مازالا ، لا يعلمان آخرلها، بخليط من الألوان غيرالمتناسقة، والمبالغ فيها، وملابس جعلت منها نموذجا بشريا من عروسة المولد، فلم تكن تعلم عن الزواج إلا أفراح أبناء خالاتها، وارتدائها لفستان أبيض صغير للوقوف بجانبهم والتقاط الصورمعهم، والرقص وشراء الحلوي.
دقت الثامنة، وبدأ الحفل ليجلسان سويا، ويصفهما الجميع بالعروسين، وتبادل الجميع القبلات والتهنئات، ومع إطلاق بضع طلقات النيران فى الهواء، أعلن الجميع أن الطفلين أصبحا زوجين، فتبادلا النظرات لبعضهما ومعها مئات الأسئلة، ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟ فلم يجدا أي إجابة، فقد قررذويهما مصيرهما للأبد.
سطحية التفكير، وعشوائية التعليم ومحدوديته، وانتشارمواقع التواصل الاجتماعي، والموروثات الثقافية والاجتماعية، جميعها أسباب تقود الأسرفي المناطق العشوائية والمتطرفة، إلي زواج أطفالهم، حسب ما قاله الدكتورإبراهيم مجدى حسين استشارى الطب النفسى، والذي أكد أن أغلب الأهالي يبررون أفعالهم بأنها من باب إدخال الفرحة على أبنائهم، وليس أمرا جديا، واصفا ذلك بالتفكير السطحى، والذي جعل صاحبه يجد أن الأفضل والأسهل له أن ينظم حفل خطبة أو زفاف لابنه، بدلا من عمل عيد ميلاد.
وأوضح حسين، لـ"صوت الأمة"، أن تلك الأمورتنتشر فى المناطق محدودة التعليم، والعشوائيات أو ين التجار، وهوما جسده فيلم بخيت وعديلة ، عندما نظم أحد كبارالتجارحفلة كبري للاحتفال بنجاح نجله، بدلا من شراء هدية تناسبه، لافتا إلي أن كل تلك الأمور تتعلق بالثقافة والتغيرات الاقتصادية، مما يؤثر على سلوكيات الفرد، فإذا كان الشخص لديه أموالا وعشوائيا، فسيتم صرف تلك الأموال أيضا بشكل عشوائى، وهو ما ينعكس علي مكياج العروسة الصغيرة، فدائما ما يكون فيه مبالغة، إلي حد القبح، والأفراح نفسها تكون ذات طابع شعبي، وبها مطربين شعبيين، ومصحوبة بشرب المخدرات والمسكرات كنوع من الواجب مع الحضور، وراقصات بشكل مبتذل، مع إطلاق النيران.
وأضاف:"أصبحت تلك الأساليب للفت الانتباه، ومع اهتمام الإعلام بها يحقق لهم رغبتهم فى الظهور، وتعد انعاكسا لسلوك عشوائي بسبب الضغوط الاقتصادية وانتشارالتواصل الاجتماعي والعشوائية فى كل شئ، وقلة التعليم والثقافة، والأطفال يظلون أسيرين لتكوين أهلهم لهم، أو الأمورالتي يتم تصديرها لهم لحين بلوغهم السن القانوني للزواج".
أشارإلي أن هناك أقوال موروثة منها "يأكلها التمساح، ولا يخدهاش الفلاح"، ويمثل هذا المثل الشعبي إنعكاسا لموروثات كثيرمن العائلات فى المناطق الريفية، والمغلقة وغيرالمتفاعلة مع المجتمع، حسبما أكد الدكتورعبدالحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم، ووكيل نقابة الاجتماعيين،حيث قال لـ"صوت الأمة":" إن بعض العائلات مازالوا يتمسكون بألا يتزوج البنت إلا أحد أفراد العائلة، لعدة اعتبارات، أولها اعتبارهم أن زواجها من خارج العائلة عار، بينما قريبها سيحافظ عليها".
وكيل نقابة الإجتماعيين قال إن هناك موروثات ثقافية وعائلية تدفع بعض العائلات للتمسك بتزويج أبنائهم رغم أنهم صغارا، فالمسألة بالنسبة لهم ، أنه لا مبررللانتظار حتى سن البلوغ، فعقد القران لن يعطي شرعية للزواج من عدمه، ويضيف زايد،:"عقد القران فى دولتنا الحديثة هو فقط لضمان حقوق المرأة أو الزوجة من حيث المؤخر وغيره، وهم غالبا لا يحتاجون إلي تلك الضمانات، فالعائلة يضمنون لأبنائها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خاصة أن العائلات لا يمكن أن تدخل في خلافات أو انقسامات داخلية، وبالتالي فإن التشريع المصري الذي يرفع سن الزواج، لا يطبقونه لأنهم لديهم تشريعاتهم الخاصة وضمناتهم، وبالتالي التشريعات الحديثة لا تدخل فى حساباتهم".
أضاف أن ما تحتاجه تلك العائلات، هو أن يكون المجتمع كله داخل إطارالقانون، فذلك يعني أن مؤسسات الدولة عاجزة فى أن تشمل كل أطراف المجتمع أوتحتويه، ويعنى أن هناك جزءا من أرض مصريعيش أهله عليها ولا يشملهم القانون، ولابد من مراجعة النواقص ومشاكل الدولة مع تلك الفئات، فإذا كان هؤلاء الأطفال ساقطين من القيد فلن يدخلوا فى حسابات الدولة التنموية، والتعليم والصحة، ونتيجة لأن أبناء هؤلاء الفئة ليسوا فى حاجه للدولة لأنها لا تقدم لهم ميزة، فلا يفكرون فى تلك الخدمات، بينما إذا وجدوا أن مؤسسات الدولة قادرة على أن تشبع احتياجاتهم، سيتعاملون باعتبارهم مواطنين أسوياء في هذا الوطن.