"إبليس" المنصوف في "الأدب".. شهيد وزعيم معارضة وصاحب حق

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017 07:30 م
"إبليس" المنصوف في "الأدب".. شهيد وزعيم معارضة وصاحب حق
رامى سعيد

هل فكرت يوميًا فى شكل النظام الكوني بدون أبليس؟ أى أنك جردت العالم من الشر المطلق المتجسد فى شخصه منذ لحظة الوجود الإنسانى على الأرض .. هل فكرت على سبيل التخيل ما الذى يمكن أن يحدث لو أن الشيطان مع قليل من مراجعة النفس ومحاسبة الذات، أو حتى تحت وطأة التعب والملل من الرويتن الأزلى للعب نفس الدور، قرر فى لحظة صدق طلب العفو والغفران من الله ، ومن ثمَّ توقف نهائيًا عن أعمال الوسوسة والاغواء ؟!
 

 
الشهيد
 
هذا بالضبط ما حاول عميد المسرح توفيق الحكيم فى مجموعة القصصية الفلسفية " أرني الله " أن يذهب نحوه ويُجيب عليه فى قصته الثانية بالمجموعة التى حملت عنوان " الشهيد" والتى يفتتحها  لحكيم " بمشهد احتفالات عيد الميلاد، وهبوط شخص غريب يمشى نحو الفاتيكان.. وهو يرهف السمع إلى تراتيل الاناجيل، ثم يصل إلى قصر البابا طالبًا المثول بين يده، وعلى الفور يسأله البابا وهو يسدد بصره إليه قائلا:
 
- أنت ؟
 
- نعم أنا
 
- وماذا تريد مني ؟!
 
- الدخول فى حظيرة الإيمان
 
- ماذا تقول أيها اللعين
 
لفظها هامسًا، وهو كالغارق فى ذهول لكن الزائر الغريب بادر بصوت ممتلئ بالصدق، ملتهب الاخلاص اجاب: ما عدت أستحق هذا الوصف.. أنى جئت إليك لأتوب.. والويل لى أن كنت تهزأ بي أو تشك في قولي، لكل شىء نهاية.. وكان لابد لى أن أبصر الحق ذات يوم، وأن أعود إلى الصواب.. كان من المحتوم أن أحن إلى صدر الله يومًا، وأن أزهد فى تلك الحرب الطويلة التى لا نفع فيها، وأن أهجر الاصرار
 
أهتز البابا فى عرشة لهذه العبارات الحارة الصادقة.. ولكنه لم يكف عن الهمس والدهش ..
 
- أنت..؟ انت ابليس .. تدخل الآن فى الدين؟
 
- ولِمَ لا ؟ ألم يجىء فى كلام المسيح: " أقول إنه هكذا يكون فرح فى السماء بحاطئ واحد يتوب، أمثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتجون إلى توبة" .. هل فرق المسيح بين شخص وشخص؟ إليس الجميع أمام المغفرة سواء ؟ لم تغلقون فى وجهى سبل التوبة؟ أنى أتوب ادخونى فى الدين واستمعوا إلى ما انبثق فى قلبى من ايمان
 
وقع البابا فى حيرة .. واضطرب وارتعد من الفكرة وصاح كالمخاطب لنفسه لا .. لا أستطيع اذ آمن ابليس، ففيم إذن بعد اليوم مجد الكنيسة كل شىء يفقد معناه وتذهب روعته ومقاصده، إن ابليس محور الكتاب المقدس بعهده " القديم والجديد" كيف يمحى من الوجود دون أن تمحي كل الأساطير والمعاني والمغازي التى تعمر قلوب المؤمنين وتفجر خيالهم.. ما معنى يوم الحساب إذا محي الشر من الأرض وهل يحاسب اتباع الشيطان الذين تبعوه قبل إيمانه
 
الكنيسة ترفض طلبك.
 
ويتكرر المشهد مع الديانة اليهودية والمسيحية، حتى ييأس ابليس فى القصة وعاد للممارسة دوره قائلا " انى شهيد".
 
 
 
3
 
 
صاحب حق
 
فى روايته الرمزية "أولاد حارتنا" التى أثارت جدلا واسعًا فى الوطن العربى لتميزها الذات الالهية بشخصية اعتبارية انسانية حملت أسم الجبلاوى، وادم ابو الانبياء باسم أدهم، وابليس باسم أدريس، قدم محفوظ الشيطان كشخص معترض على تقسيم ميراث وقف الجبلاوى لأصغر ابنه ادهم دون أبنه الكبير الذى رفض تلك التقسيمة ما دفع الجبلاوى فى نهاية المطاف إلى طرده من البيت، ليحقه بعد ذلك أدهم بعد محاولته الاطلاع على حجة الملكية، وحين يخرج ادهم من البيت الكبير يرى أدريس واقفًا يبتسم ابتسامة ساخرة وعلى رأسه لاسه بيضاء ويقترب أدريس، ليقول له أدهم
 
- دعني وشأني
 
فامعن ادريس السخرية متسائلا:
 
- الم تجد خيرًا من هذه اللهجة تخاطب بها اخاك الأكبر؟
 
- يادريس اما كفاك ما فعلت بى ؟ لا أريد أن تعرفني أو أعرفك
 
- كيف يتأتي هذا ونحن فى حكم الجيران ؟!
 
- ما أردت هذا ولكني قصدت أن أبقي قريبًا من البيت ..
 
قاطعة هزئًا: الذى طردت منه
 
فسكت ادهم وقد تجلي الضيق فى شحوب وجهه، فاستطرد الآخر قائلا: النفس تتعلق بالمكان الذى تطرد منه ، اليس كذلك ؟
 
فلم يخرج أدهم عن صمته، فقال الآخر:
 
أنك تطمع فى العودة إلى البيت يا ماكر، أنك ضعيف حقًا لكن ملىء بالمكر، الا فاعلم بأني لم أسمح لك بالعودة وحد ولو أنطبقت السماء على الارض.
 
فتسأل أدهم ومنخراه يتحركان من الحنق:
 
- الم يكفيك ما فعلت بى ؟
 
- الم يكفيك انت ما فعلت بى ؟ ومن أجلك طردت من البيت وكنت كوكب البيت المنير
 
- بل طردت بسبب نفسك المتعجرفة
 
- فقهقة ادريس قائلا: طردتَ أنت بسبب نفسك الضعيفة، فلا مكان فى البيت الكبير للقوة ولا الضعف! فانظر استبداد ابيك. أنه لا يسمح باجتماع القوة والضعف الا فى نفسه، أنه القوى لحد الفتك بفلذات كبده، الضيف إلى حد التزوج أم كأمك.
 
 
 
2


زعيم المعارضة

 

فى قصيده الشهير كلمات سبارتكوس الأخيرة لشاعر الرفض أمل دنقل، قدم ابليس كشخص استثنائى صاحب أول كلمة لا .. ويقول دنقل فى مطلع قصيدته:
 
المجد للشيطان .. معبود الرياح
 
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
 
من علّم الإنسان تمزيق العدم
 
من قال " لا " .. فلم يمت
 
وظلّ روحا أبديّة الألم !
 
ونوس
 

ونوس
 
وفى سياق الحديث عن الاعمال الادبية التى جسدت دور الشيطان استطاع عبد الرحيم كمال أيضًا تقديمه فى صورة تقريبة للانسان الذى جسده الفنان القدير يحيي الفخراني، وهو يخوض حروبه ضد عائلة بدأب واصرار ملعنًا فى أحدى المشاهد أنه لم يكفر قط بالله.
 
 
 
ويسأل ونوس ياقوت : أبنك هيدخل المناظرة ؟
 
- طبعًا هيدخل وهيكسب فوزى علام كمان.. أمال اية فاروق ده جامد
 
- ده جاهل ولا بيعرف أى حاجة فى أى حاجة
 
- انت اللى نفخته
 
- وأنا مالى .. بجد بقى أنا مالى أبنك اللى غاوى منظره هو كل مصيبة تحشروا ونوس فيها
 
- ظالمينك احنا معليش
 
- طول عمرك ظالمني .. كل واحد عايز يلبس مصايبه لى ونوس .. مالى أنا ومال بلاويكم السودة، قولى يا ياقوت أنا بعمل أية، أنا كل اللى بعملة أني      بقرفص الخوازيق وأضبطها على مقاس كل واحد وأحليها فى عنيهم لكن هما بيدخلوها برجيلهم مالى أنا بقى؟!
 
- صحيح مالك مفترين احنا
 
- طبعًا مفترين .. أنت عارف يا ياقوت أنا بحسدكم
 
- بتحسدنا على أية
 
- حياتكم رغم قصرها لكن ممتعة اوى، متلونة فيها تفاصيل كتير، صحيح بتفرحوا وبتحزنوا على حاجات تافهة لكن بسطاكم، انما انا حياتي طويلة لكن    مملة اللى بعمله هو هو حياة مقرفة، عيشه تكفر
 
- تكفر هأهأهأ.. ده على أساس يعنى أنك ؟
 
- أوعى تكملها عيب يا ياقوت ديه شغلتى يا ياقوت

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة