سيناء على رقعة الشطرنج
الخميس، 21 ديسمبر 2017 03:56 م
استشراف الوضع في سيناء يحتاج إلى نظرة رأسية لرقعة الشطرنج، ووضع كل الاحتمالات على طاولة الدراسة، من خلال جمع المعلومات المتناثرة في نسق واحد، يُمكننا من الحصول على رؤية واضحة المعالم، خاصة وأن ساحة العمليات في شمال سيناء، تشهد وجود لاعبين جدد، وعودة تفعيل لاعبين آخرين كانوا على دكة الاحتياط طوال السنوات الماضية، أو بحسب أدبيات العمل التنظيمي المسلح، كانوا قاعدين عن الجهاد حتى تتحين لهم فرصة النشاط وتكون الأرض مؤهلة لتحركاتهم.
أول هؤلاء اللاعبين «القادمون من الشام»، الأمر الذي أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أحد تصريحاته، بأن قيادات تنظيم داعش في عاصمتهم المزعومة «الرقة» توجهوا إلى سيناء، والتي تشير إلى تطور مستقبلي في التحرك العملياتي والاستراتيجية المستقبلية للتنظيم، وأيضًا الأهداف التي سوف يسعى إلى تحقيقها في شمال سيناء.
ربط تصريحات أردوغان مع عملية استهداف مطار العريش، يؤكد على أن التطور الخططي بدأ الدخول في حيز التنفيذ، ما يشير إلى أن تواجد قيادات الرقة في سيناء مر عليه في أقل تقدير 5 شهور، كي يستطيعوا الاستقرار والتخطيط والتنفيذ، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي في عدة خطابات وتصريحات خلال الفترة القليلة الماضية.
استهداف المقار العسكرية في توقيتات حساسة، واستهداف القيادات رفيعة المستوى، أسلوب واضح منذ سنوات في عمليات داعش في سوريا، وانتقال قياداته إلى سيناء حسبما تشير التصريحات السابقة، يُدخل معادلة العمليات المسلحة في سيناء منحنى جديد، سيحاول خلاله التنظيم استنساخ النموذج السوري.
اللاعب الثاني على الرقعة هم بقايا تنظيم التوحيد والجهاد التابع للقاعدة، الذين رفضوا بيعة داعش، واختفوا فترة عن المشهد، ثم عادوا للظهور في بيان جند الإسلام، الذي انتقد بشدة ممارسات ولاية سيناء، وأعلن الحرب المفتوحة مع عناصره.
وخلَّف ظهور القاعدة في سيناء ثلاث نتائج زادت المشهد دراماتيكية، النتيجة الأولى، سعيهم إلى تكوين ظهير شعبوي وخلق بيئة حاضنة، خاصة وأن خطابهم يحمل الكثير من التودد إلى أبناء سيناء، ويخرج بهم من دائرة التكفير المطلق التي وقعوا فيها من فتاوى وتصنيفات داعش، حيث أقر بإيمان العوام وصحيح إسلامهم، وهو أسلوب توريه معروف سرعان ما يتبدد مع مرحلة سيطرة لتنظيم على الأرض.
النتيجة الثانية، أن إعلان الحرب المفتوحة مع داعش، يساعد التنظيم الإرهابي على استنساخ النموذج السوري، الذي تقاتل فيه فرق ومشارب ومذاهب وأعراق مختلفة، تحولت معه سوريا إلى كرة من اللهب، وهو الهدف الرئيسي الذي يسعى داعش إلى تحقيقه، بتحويل سيناء إلى أرض اقتتال متعدد الأطراف.
أما النتيجة الثالثة، فمن المتحمل تحالف التنظيمين على إخراج مؤسسات الدولة المصرية من معادلة سيناء، ومن ثم النظر إلى من سوف يسيطر منهما على الأرض، استنادًا إلى نماذج من التحالف الداعشي القاعدي في كثير من المشاهد في سوريا والعراق وليبيا، قبل تحول الصراع بينهما إلى من يملك ويحكم ويسيطر.
يتزامن نشاط هذين اللاعبين مع توتر العلاقات المصرية الأمريكية على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
ولا يخفى على أحد دور اللاعب الأمريكي المُحرك لداعش في المنطقة، وكذلك اللاعب الإسرائيلي المستفيد الأول من توتر الأوضاع الأمنية في سيناء، لنجد أن أهداف كل اللاعبين على الرقعة تتشابك في مصلحة واحدة، تتبلور في مقاومة كل محاولات القضاء على الإرهاب في سيناء، وتعزز من وجودة وتقديم كل الدعم اللوجستي والاستراتيجي للتنظيمات المتواجدة في سيناء، واستخدامها كأوراق ضغط لتمرير مصالحها الخاصة، لنكتشف السبب وراء القرار الرئاسي بالقضاء على الإرهاب في ثلاثة أشهر، قبل أن يتنامي النفوذ إلى حد يصعب فيه السيطرة على مجريات الأمور في سيناء، وغلق الباب أمام كل الحركات المستقبلية على رقعة الشطرنج.