معادلات الحزن
الخميس، 21 ديسمبر 2017 10:12 ص
(1)
كعادة حياتنا جميعاً,مرت بي أوقات غاية في الصعوبة ..كانت تحمل الكثير من الألم ..ولكني وقتها لملمت وجعي وقفلت علي جرحي راسمة علي وجهي بسمة باهتة شاحبة بلا أي معني يمس قلبي ..
(2)
الجروح التي نغلق عليها ولا نفتحها, تتقيح
:وتصبح عفنة ..ذلك كان الدرس الذي تعلمته
" أن لا أقفل علي جرحي أبدا وأن أحزن "
فالحزن هو وجه البهجة الآخر ..كلاهما مشاعر طبيعية يمر بها كل إنسان طالما ظلت أنفاسه علي قيد الحياة ..أعلم أن ثقافتنا الإنسانية عموما تعتاد رفض الإحساس بالحزن .. ولكن هل يمكن أن نرفض شعور طبيعي خلفه الله لنا كأحد وسائلنا التعبيرية ؟؟..لا يمكن بالطبع .. ولكن في نفس الوقت الحزن يفرق كل الفرق عن الإكتئاب ..
:فالإكتئاب
هو تبلد وتيبس للمشاعر بلا أدني إنفعال ..نتج عن عدم القدرة علي التكيف مع أحداث مؤلمة ..مبتلعاً مع ضراوته كل مشاعر الشخص المضحكة منها والمبكية .. ولو أستمر دون علاج يجذب الإنسان في دوامة لا منتهية تنتهي به بلا ذاكرة ولا كيان ولا حياة ..
قاومت في تجربتي مشاعر الحزن بشدة .. ورفضتها مع رفض الأحداث المؤلمة, فلم يبارحني ألمها..ولفترة من عمري صارت جزءا من شخصيتي .. ولكني وحمدا لله وقبل أن يتحول لإكتئاب, أستطعت ان أخرج من الدوامة المهلكة .. ومن ألم المعاناة فكيف كان ذلك؟..
دعوني أقص عليكم فهذا أمر يحتاج لكثير من التفصيل ..
(3)
كنت أذهب لحلقتي في القرآن إستمراراً في حفظ كتاب الله, فصادفني إعلان عن ملجأ لرعاية الأيتام المعاقين .. فقررت أن أذهب إليهم .. لا أعلم ما الذي دفعني بقوة لهذا الطريق .. ولكنها أراها دوما إرادة الله وحفظه الذي يحفظنا به ..
كانت زيارتي لهم تؤلم قلبي كثيرا .. مازلت أتذكر تلك السيدة التي جاوزت الخامسة والأربعين, تضحك كالملائكة ويشع وجهها نورا .. وتلك الطفلة البريئة الجميلة التي كانت شعرها الأسود الناعم ينسدل علي كتفيها .. كنت أحضنهم كما لو كانوا أولادي واذهب لزيارتهم علي الأقل شهريا .. معطية للمسئولين عنهم مبلغا بسيطا للغاية من المال ..سائلة إياهم أن يجعلوني أجلس فقط مع الملائكة الذين ارسلهم الله ليشفوا جروحي من وجعها .. مازلت أتذكر كيف كنت أرجع لمنزلي وكأني واجهت وجعي لما رأيت وجعهم فرأيت ألمي لا يوازي ذرة من ألمهم فقررت مواجهة ضعفي أمام محنتي فظنوا بي اني قوتهم .. وهم كانوا قوتي التي قدرني الله بها علي مواجهة أحزاني وآلامي ..
(4)
ولما واجههتها, بت أخشي منها .. ولكني تعلمت شيئا فشيئا ان أعيد برمجة عقلي علي السكينة من جديد حتي أرجع لسابق عهدي من التفاؤل الذي طالما عهدته في نفسي .
كتبت جملة ممتلئة بالسعادة والإيجابية والحيوية وكنت أتحدث فيها بصيغة الوقت الحاضر و أقرأها يوميا بعدما أفرغ من صلاتي ودعائي لله ان يرفع عنّي ما انا فيه ..
أتذكر أني وأنا أقرأها, كنت لا أشعر تماما بها بكل ما تعنيه الكلمة من معني .بل كنت أشعر وقتها بعكس كل كلمة كتبتها.. ولكن بتكرار قراءتها والإلحاح في الدعاء ومداومة زيارة ملائكة رحمة الله بي, ذهبت أوجاعي عنّي وأكتمل الأمر بطلب معلمتي للقرآن أن أشارك في العمل التطوعي داخل أروقة المسجد ..
والعمل التطوعي لخدمة غيرك في قمة وجعك, هو الترياق الشافي والبلسم الذي يطيب لك جرحك ..
(5)
في خمس خطوات كيف تحزن بصورة صحية ؟
1-تعرف علي إحساسك جيداً ..
إحترمه.. إحساس الحزن صحي ..تقبل ذاتك الحزينة ..حدثها قائلا:
-إيه يعني لما أحس بالحزن ..
كسر أصوات القوالب المحيطة بك .. والتي تبث الخوف بداخلك محدثة إياك :
-إوعي تحزن لتدخل في إكتئاب ..
كما قلت لك سابقا الفرق بينهما كبير ..الحزن شعور نبيل .
2-إعترف لنفسك بأنك حزين ..
لا تنكره ولا ترفضه ..عيشه لدقائق.. لأيام..ولكن لا تجعله لشهور ..إحذر من الإستمرار ..
تذكر هذه المعادلة ..
(حزن + إنكار ) = لا مبالاة وتبلد ..
(إستمرار الحزن ) =إكتئاب وإنعزال ..
بين الإنكار والإستمرار, هناك مشاعرك الحزينة النبيلة ..
3-عبر عن احاسيسك ..
إكتب ..إعزف موسيقي ..تحدث مع صديق عمرك, هو قادر أن يتفهمك وأن يستمع لك ..تعبيرك في حد ذاته شجاعة وقوة ..إصرارك علي مواجهة حزنك, قوة .
4-عود نفسك علي التركيز الإيجابي .
تذكر هذه المعادلة ( حزن + تفاؤل ) = حالة صحية ..
(حزن + تشاؤم ) =إكتئاب وحالة مرضية ..
تركيز إيجابي بمعني إبحث داخل أعماق ذاتك الحزينة عن أشيائك ولحظاتك الجميلة ..
الحقيقة أنه في وقت عمق حزنك, قد لا تجد .. ولكنك لا تستسلم .. تذكر مواجهتك لمشاعرك الحزينة هو تركيزإيجابي في حد ذاته .. إدعي ربك في هذا الوقت دعائك في حد ذاته أمل ..إفعل عملا تطوعيا ..ستشعر بالسعادة للحظات, والعقل لا يستطيع ان يركز إلا علي شيء واحد في وقت واحد ..
من تلك اللحظات إبدأ :
إعطي لنفسك 5 دقائق يوميا أو أكثر تكتب فيها عن اللحظات المبهجة التي كانت في حياتك .. وقت كتابتك للحظاتك الحلوة, عقلك سيستريح ولو قليلا من الأفكار المثيرة لمشاعره الحزينة ..ستلتقط نفسك أنفاسها من البهجة ..وهكذا شيئا فشيئا ..
5-عافر ..لا تندم .
إذا رأيت عقلك يدفعك للندم .. إسأله ما الذي تعلمته من تلك التجربة الحزينة ..إياك والندم .. الندم لن يرجع لك ما فاتك ولا ما فقدته مهما ندمت ..الندم لن يمحو أبدا الألم ..
تذكر تلك المعادلة :
(حزن + ندم ) = معاناة شديدة ..قد تفضي لإكتئاب ..
(حزن +تعلم من التجربة ) = بهجة وأمل متجدد في الحياة ..
6-إبكي ..
كسر القوالب النمطية في ثقافتنا المريضة والتي تدعي أن البكاء للنساء .. في الدموع راحة لكل الإنسان .. في الدموع تنفيس عن الألم يروح عن الروح وجعها ..ويكفكف ألمها .. لا تهتم للناس ..
أرجوك, إحزن ..
ولكن ..
بمعادلات الحزن الصحية ..