لعبة التاريخ الدورية: خروج أمريكا.. دخول روسيا.. خروج العرب!
الأربعاء، 20 ديسمبر 2017 12:43 م
صفحة الرؤساء الأمريكيين ملطخة بالسواد والعار والغدر والنصب والخداع والابتزاز ولم يتعلم قائد عربى واحد مما فعلوه بمن سبقهم فى الحكم.
القاهرة استعادت عافيتها السياسية وتأخذ بزمام المبادرة فى دفع الأحداث وتتفاعل وتؤثر فيها وتجمع الفرقاء فى فتح وحماس والفرقاء المائة فى المعارضة السورية
كل من القوتين قدم أوراق اعتماده ومستنداته، الأمريكيون قدموا سوابقهم فى الغدر وفى نقض العهود وفى تأسيس الجماعات الإرهابية، «القاعدة» وفروعها مثل «النصرة» سابقا و«فتح الشام» لاحقًا، ثم أم الإرهاب فى العالم المعروفة بـ«داعش»، ومن سوابق الأمريكيين أيضًا الإسراع فى بيع الرؤساء والأباطرة والملوك، ونذكر أحدثهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقبله فرديناند ماركوس رئيس الفلبين فى الثمانينيات، وقبله امبراطور إيران الشاه محمد رضا بهلوى، الذى ضحى به كارتر، ليأتى الخومينى زعيم الإرهاب ومؤسسه وأبوه الشرعى فى المنطقة، والذى أنجب من بعده سلسلة شياطين الملالى والتى تؤجج الخليج وتنشر القلاقل!
ولا نظن أن حكام الخليج يحتفظون للأمريكيين بأى قدر من الثقة فى تعاملهم مستقبلا، وبخاصة مع رئيس يتاجر بكل ما هو قانونى وأخلاقى، ويقايضه مالًا أو انحيازًا لإسرائيل. «المتغطى بالأمريكان عريان»، تعبير لصيق بالسياسة الأمريكية النفعية، ردده مبارك فى عز محنته، وأحسب أن الاتكال على هذه القوة العسكرية منزوعة الضمير المعادية للقانون الدولى، لن يوفر الطمأنينة الكافية لعروش وكراسى الحكم.
فى آخر زيارة لترامب، وأمام ٥٠ دولة إسلامية، فيما عرف بقمة الرياض الإسلامية العربية الأمريكية، كان همه قبض ثمن الحماية من إيران، وصدها عن التغول على الخليج، وبالفعل عاد بنصف تريليون دولار، لتشغيل مصانع السلاح، والحد من البطالة، وإعادة السلاح لأيدى العرب ليقتتل به العرب!
تلك صفحة الرؤساء الأمريكيين، ملطخة بالسواد والعار والغدر والنصب والخداع والابتزاز، ولم يتعلم قائد عربى واحد مما فعلوه بمن سبقهم فى الحكم وفى التودد وفى الاتفاقات!
على الجانب الآخر، توجد صفحة الاتحاد الروسى، القوة الصلبة المتبقية من الاتحاد السوفيتى الراحل، وهذه الصفحة تثبت أن الروس لا يتخلون عن أصدقائهم، ولا حلفائهم، لا يبيعونهم ولا يغدرون، فهم وقفوا مالًا وسلاحًا وجنودًا وقيادات وقتالًا إلى جانب الجيش العربى السورى، حفاظًا على وحدة الأراضى السورية، وهم من قبل كانوا فى العهد السوفيتى القوة العظمى التى دربت وزودت الجيش المصرى بالأسلحة التى خضنا بها حرب السادس من أكتوبر، وانتصرنا بأسلحتهم، وبشجاعة الجندى المصرى، وبراعة الخطة المصرية.
وفى تاريخ علاقتهم بمصر عبدالناصر وحتى السادات إلى ما قبل قراره بطرد الخبراء السوفيت، فإنهم ساهموا فى إقامة قاعدة صناعية كبرى، لا تزال شاهدة على صداقتهم، ناهيك عن ملحمة بناء السد العالى التى تمثل أفضل تجسيد لعلاقات ناصر وخروشوف، ومن ورائهما الشعبان المصرى والسوفيتى وقتها.
هذه صفحة الروس، وهذه صفحة الأمريكان، فأين صفحتنا نحن العرب؟ نحن، للأسف خارج الصفحتين، إنما نستدعى أو نهرول أو نحبو لإحديهما بالضرورة، والاحتياج، وأحيانًا بالفزع من إحديهما طلبًا لدفء وحنان وحماية الآخر.
فى سياق السوابق الماضية والقريبة، يمكن إذن فهم مدلولات زيارة الرئيس الروسى بوتين إلى القاهرة قادمًا من سوريا راحلًا إلى تركيا قبل أن يعود إلى بلاده، بالتأكيد فإن موعد الزيارة مقرر سلفا للتوقيع على عقود الضبعة النووية، وهذا حدث احتفالى كبير، لكن ما قال به بوتين عن توثيق العلاقات الاستراتيجية وتقديم المساعدات العسكرية لمصر فى مجال مكافحة الإرهاب، ثم عن إعلانه أن القدس لا يجوز تقرير وضعها بخطوات تستبق التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى، كان يعنى استثمارًا جيدًا لمكان وجوده ومناسبة وجوده وزمن وجوده!
فالمكان هو القاهرة التى استعادت عافيتها السياسية وتأخذ بزمام المبادرة فى دفع الأحداث وتتفاعل وتؤثر فيها وتجمع الفرقاء فى فتح وحماس، والفرقاء المائة فى المعارضة السورية، وتحافظ على مكانة طيبة لدى الدولة السورية، ثم هى موضع الثقة المطلقة لدى المفاوض الفلسطينى، وأما المناسبة فهى توقيع اتفاقيات مع أكبر وأقوى دولة وجيش فى المنطقة، ونظن أن هذه الاتفاقيات ستحرم الأمريكيين من متعة الشعور بالسيطرة على قطع الغيار لمعداتهم التى لدى جيشنا! وأما الزمن، فهو فى أعقاب الجنون الرسمى الأمريكى بانتهاك القانون الدولى بل انتهاك التوقيع الأمريكى ذاته فى خطابات الضمانات التى وقعها رؤساء سابقون لبث الطمأنينة لدى الفلسطينيين لمواصلة التفاوض على أساس أن القدس أرض محتلة لا يجوز التصرف فيها!
هذا إذن أسبوع الغضب على أمريكا وأسبوع الرضا على روسيا، وهذا أسبوع خروج الدور الأمريكى، ودخول الدور الروسى، عبر بوابة مصر التى وصفها بوتين من داخل قصر الاتحادية بأنها صديق قديم موثوق به، وعبر هذه البوابة ستمضى روسيا إلى قلب العرب وإلى قلب إفريقيا كما مضت الصين وتغلغلت باستثمارات هائلة، النقطة الإيجابية الساطعة فى جريمة ترامب حين اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لمن يحتلها، أنه هوى بعصا غليظة فوق رءوس زعماء المنطقة ففتحوا عيونهم ليروا لصًا بدرجة رئيس، فتوحدوا مع شعوبهم، وانتبهوا.
إلى متى ؟! هنا مكمن الخوف!