رسالة إلى وزير التربية والتعليم
الإثنين، 18 ديسمبر 2017 02:20 م
بالفعل لقد تم تدمير العملية التعليمية في مصر بشكل مرعب ومخيف، وذلك التدمير بدأ منذ سنوات طويلة، ووصل الحال بنا أن تلك العملية التعليمية أصبحت مفرغة لكل مشاكل مصر، ومن ظواهر تلك المشكلة أنه من النادر أن تجد مسئولا أو مثقفا أو حتى متخصص يستطيع تشخيص جوانب المشكلة ودراستها ووضع التصور العلاجي لها.
والغريب في الأمر أن كل المسئولين الذين تولوا شئون تلك العملية كوزراء جنحوا إلى علاج شكلي كإثبات حالة مسئولية فقط، فمنهم من حذف الصف السادس ومنهم من إضافة مرة أخرى ومنهم من اعتمد الصف الثاني والثالث الثانوي كنتيجة كلية ومنهم من اعتمد الصف الثالث فقط، وأخيرا جاء الوزير الحالي ليقرر إن إصلاح التعليم هو جعل المنهج إلكترونيا وليس كتابيا كما، مع جعل الصف السادس الابتدائي سنة دراسية عادية «نقل» إلى الصف الأول الإعدادي.
وهكذا هو تخطيط المسئول للنهوض بالعملية التعليمية عبر العقود الأخيرة، وما أود أن أطرحه من أسئلة هل بالفعل وصل بنا انحدار الرؤية والتخطيط إلى هذا المستوى أم أن هناك أسباب أخرى خفية خاصة بالإرادة السياسية لنظم الحكم المتعاقبة، فما معنى السلوك في نهج محدد عبر العقود الأخيرة بالعملية التعليمية بمسخ وتجنيس هويته الشخصية المصرية المتجذرة عبر التاريخ.
أيها السادة سيحاسبكم ويحاكمكم ضمير التاريخ فلا تنمية شاملة حقيقة إلا من خلال التعليم، فكل ما يحدث من مشروعات عملاقة اقتصادية سيبتلعها منهج التعليم الممسوخ بشخصية التخلف والرجعية والسطحية، أيها السادة المسئولين أنتم تعلمون كيفية الإصلاح والتغيير للوصول إلى الأفضل، ولكن يلزم أن يكون لديكم إرادة حقيقية للتغير، فهذا المنهج المتهالك الذي يستمد هويته من صحراء جرداء ليس بها إلا الثعابين والعقارب ووحوش البرية وتركتم هوية النيل الذي بها التطوير والبناء والتنوير والحضارة والتاريخ.
نعم أيها السادة أنتم تتعمدون أن يصبح النيل صحراء جرداء في الفكر والشخصية، الإصلاح يبدأ من تغير المنهج وجعل عمقه هو تاريخ الهوية المصرية، وتغليف ذلك المنهج بالابتكار والإبداع والبحث والخيال، تلك هي البداية أيها السادة الذي لا يحتاج موارد مالية أو شيء مكلف، كل ما يحتاجه هو ضمير وطني خالص وأشخاص يؤمنون بهوية مصر وتاريخها الضارب في عمق التاريخ، عندها يكون الإصلاح سهل ومرن لباقي المنظومة فإعداد المعلم وحصانته قانونيا هو المدخل الرئيس لإعادة الانضباط والقضاء على همجية الطالب النابعة من بيئية ضربها الانحلال الأخلاقي.
وبعد ذلك يأتي دور كثافة الفصل، ذلك يحتاج إلى مشروع قومي مصحوب بإرادة سياسية لنظام الحكم الحالي وتكاتف كل منظمات المجتمع وإشراك القطاع الخاص في إدارة البناء والتغير، مع اتخاذ قرار صارم بتطهير المؤسسة التعليمية من المتطرفين والإرهابين الذين هم نتاج تلك العملية منذ سنوات طويلة، وأخيرا أقول التنمية المستدامة والشاملة لا يمكن أن تنجح إلا من خلال تنمية العنصر البشري اجتماعيا وعلميا من خلال التربية والتعليم.