دعوة للمثقفين والعلماء لإخراج الأمة من مأزقها
الأربعاء، 13 ديسمبر 2017 08:26 م
إنهُ أمرٌ من اللهِ جلَّ وعلا لرسولهِ، بأن يُبلّغ الناسَ جميعا أن يَتدبّروا آياتِ اللهِ وما فيها من عِبرٍ وتعاليمَ، وقيمٍ وتشريعاتٍ تُنظّم العلاقاتِ الاجتماعيةَ بينَ الناسِ على أساسِ التعاونِ والمحبةِ والعدلِ لبناء مجتمعاتِ الأمنِ والسَلامِ، تعيشُ فى وئامٍ وتسعى للخيرِ، تتحدُ لدفع الضّرر، وتتبعُ الله فيَما أمر، تنفيذا لأمرهِ تَعَالى فى سورةِ المائدة (الآية الثانيةِ) حيثُ جاءَ فى سياقِها ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
إنَّ رسالةَ الإسلامِ، التى بعثَ بها اللهُ سُبحانَهُ وتَعَالى رسولهَ محمدا صلى الله عليه وسلم يحمِلُها فى كتابٍ كريمٍ، لِيَهْدِيَ الناسَ كافةً، سَبيلَ الخيرِ والصَلاحِ، وليُخرجَهم من الظُلماتِ إلى النورِ، فيُحرِرَهُم من استعبادِ البشرِ للبشرِ، واستعْبادِ الأصنامِ لعقولِ الناسِ.
وهكَذا جَاءَ الخِطابُ الإلهيُّ ليُحرِرَ الفِكرَ من الاستِسلامِ للأُمَمِ السابِقةِ، بإطلاقِ حُريةِ العَقيدةِ، وحريةِ التفكيرِ، لتَوظيفهِ فى البَحثِ والاستنتاجِ، والإبداعِ واستنباطِ العلومِ فى شتى مناحى الحياة.
ولتحقيق تلك الغاية النبيلة وضع الله سبحانه فى خطابه الإلهى: القرآن الكريم، القواعد التى تحدّد خارطة الطريق للإنسان فى حياته الدنيا، وتعينه فى أداء واجبات العبادة دون تناقض بين متطلبات الحياة الدنيا والتكليف الإلهى، بعبادة الواحد الأحد وأداء التكاليف الدينية من صلاة وصيام وزكاة وحج.
إنَّ المولى عز وجل جَعلَ الناسَ شعوباً مختلفةً وقبائلَ متعددةً، لا ميزةَ لإحداها على الأخرى، حيث يتطلبُ هذا التعدّدُ والاختلافُ فى الأَعرافِ البشريةِ، التعارفَ بينهم وتعلّمَ لغةِ كلٍّ منهم، ليتعاونوا فيما يُحقّق لهم الخيرَ والأمانَ والتقاربَ، من خلالِ التبادلِ التجارى والتعاونِ الاقتصادى والصناعى والزياراتِ السِياحِية والاستطلاعِية، للتعرّف على ثقافاتِ الشعوبِ وتبادلِ العلومِ والمعرفةِ الإنسانيةِ لجميع خلقهِ، وهو وحدَه سُبحانَهُ من يحكمُ على أعمَالِهمِ.
فلا حَصانةَ لأحدٍ عند اللهِ، إلا مَن آمنَ باللهِ والّتزمَ بتكاليفِ العباداتِ والمعاملاتِ، والعملِ الصالحِ وما كانت رسالات السماء على طول الزمان إلا نداءً لبنى البشر، بغية تصريف العقل، ليقوم بنو الإنسان على عمــارة الأرض علــى أساس من العدل، والسلام، والرحمة، والتعارف، والتودُد فيما بين الناس وبعضهم البعض، وتأكيدا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)
إنَّها أيضا دعوتنا تلك، دعوةُ لمثقفى وعلماء الأمة المنوط بهم الآن إخراج الأمة من مأزقها فى المفاهيم المغلوطة، وتقديس لقيم تراث الأولين واجتهادات لا تلزم المسلمين اتباعها ولا تتفق مع ما أنزله الله على رسوله الأمين على حساب القرآن.
فهى وقفة إذًا، ومسئولية، من دون تمييزٍ لطائفةٍ، أو مذهبٍ، أو فرقة، أو حزب، يُرتجى منها التعاونِ والبحث الجاد المتجرد وصولاً لمفهومٍ موحدٍ تلتئِمُ عليه الأمة، حين الوقوف على أصل ما عنتْه وقصدتْه وبينّته آيات القرآن الصريحة فيما هو خيرٌ للإنسانية، وتركُ ورفضُ لحشد الروايات المبعثرة والمزعومة.
على أن ننطلق وفى قناعتنا وعيٌ تام، ويقينٌ ثابت، بأن لا مرجعية للدين الإسلامى سوى مرجعية واحدة، ألا وهى كتاب الله الذى أنزله على رسوله محمد، والَّذِى أمرهُ سبحانه بإبلاغه للناس كافة.
لكن نبينا صلى الله عليه وسلم امتثل للتكليف الإلهى وبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة.. فلتتضافر جهودُنا جميعًا، وَلْيَعْلُ صوت النداء الآن جليًا، ألا نتخذ من دون القرآن مرجعية، أو أن تزاحمه روايات أو اجتهادات بشرية فتنتقص من عليائه الذى علا كل الأشياء حكمةً وبيانا ونورًا.
لقد كانت قوى الشرِّ متربصةً ومستنفرةً للهجومِ على دينِ الإسلامِ، وحاوَلت بشتى الوسائلِ اغتيالَ رِسالَتهِ، رسالةَ الحريةِ والعدلِ والمحبةِ والسلام.
وهكذا استدعتْ تلكَ القوى شَياطينَها ومُفكّريها، ليبتَدعوا أخبارا مُلفَقةً وشائعات مُزيفةً وأحداثاً مزورةً، واختلقوا الدّعايات المضللةَ ونَسبوا الكثيرَ من ذلك إلى رواياتٍ عن الصحابةِ واجتهادِ العُلماءِ والَّذِين اعتمدَ كلٌّ منهم على مَصادرهِ الخاصة، فتكونت زعاماتٌ دينيةٌ متعددة اتخذتْ من الرواياتِ مصادرَ لمساعدةِ الخلفاءِ فى تمكينِ سلطتهم وحمايةِ مُلكهم وأن اتّباعَهم سوف يُرضى اللهَ عليهم ويُدخلهم الجَنّة.
فكما أمر الله المسلمين بالتدبر فى كتابه الكريم فإنَّ جميع المسلمين اليوم مدعوّون لدراسة الأسباب التى أدت للخلاف والاختلاف والفرقة بين المسلمين، منذ عهد وفاة الرسول صلوات ربى وسلامه عليه، وحتى يومنا هذا.. ولنسأل أنفسنا هذا السؤال المُلح، حتى نعثر على إجابته:
لماذا ابتعد المسلمون قرونًا طويلة عن تطبيق وإنفاذ شريعة الله تعالى، حيث فيها من القيم والأخلاق الرفيعة الداعية للخير والمحبة والعدل والسلام والرحمة.
لا مناص إلا بالعودة إلى المرجعية الأم والأوحد والأعلى، مرجعية القرآن الكريم، كى لا تأخذنا مرجعيات دينية من بنى البشر، وقد أضفوا عليهم من حُلل القداسة ما صرف الناس عن الأصل «القرآن الكريم»، وقد أراد الله لنا أن نعتصم بكتابه العزيز، وخلف الرسول الخاتم الذى بلَّغ عن ربه كما أمره.. منهج واحد أراد الله لنا التوحّد خلفه، كى لا تحدث الفرقة والتشرذم، لكنه حَدَثَ..
وقد ضربت الفرقة صفوفنا، فإذا ما اتحدنا خلف المرجعية الأصل القرآن الكريم أمكننا بذلك إزالة الفرقة ووقف التدهور الحاصل جراء التشرذم، ولأمكننا تفويت الفرصة على المتربصين بنا والأعداء، أولئك الذين يتمنون بقاء الفرقة ليستمرَ ويدومَ هذا الوضع الحالى فى هيئته المزرية تلك كما نراها.. من مذاهب شتى، وفرق متعددة.
نعم لن يكون لنا مخرج إلا بالعودة والتوحّد خلف المرجعية الأمُ القرآن الكريم وترك كل ما سواه من مرجعيات أسلمتنا رغما عنا للفرقة والضياع، فكان ما كان من الحروب والقتل والتدمير والفتن المتلاحقة.. لا خلاص سوى بالرجوع لكتاب الله تعالى وقرآنه الكريم، الذى يضيء لنا الطريق ليخرجنا من الظلمات إلى النور.
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تفرّق المسلمون، واستحدثت عشرات الآلاف من الروايات على لسان النبى، وظهر الخطاب الدينى معتمدا على مرجعيات بشرية ومفاهيم قصّرت عن إدراك مراد الله من آياته لصالح خلقه، وتمّ عزل القرآن، الخطاب الإلهى للناس الذى كلفه الله سبحانه لرسوله أن يبلغه للخلق.