العبثيّة الترامبيّة : الفصل قبل الأخير، المشهد الأول (7)
الأربعاء، 13 ديسمبر 2017 11:17 ص
اندلعت إذن شرارة الانتفاضة الفلسطينية كأثر طبيعي ونتيجة منطقية لقرار الأخرق ترامب. على ما يبدو أن ترامب اعتقد أن الشعوب العربية والإسلامية تغط في ثبات عميق كقادتها، وأن قرار كهذا سوف يمر مرور الكرام، أو على أسوأ تقدير سوف يوكل مهمة معالجة آثاره إلى "أصدقائه" و"حلفائه" العرب. فات عليه، وعلى من أشار عليه بالخطوة الأولى في الفصل الأخير في فترة حكمه، أن القدس تسكن نفوس العرب جميعًا، مسلمون ومسيحيون ويهود، يقدسونها، ولهم فيها شعائر، تهفو إليها نفوسهم، فيها أسري بخاتم المرسلين وفيها أقدس الكنائس، دونها رقابهم.
لسنا العرب، مسلمون ومسيحيون، في خلاف مع اليهود، ولسنا في احتراب مع إخواننا اليهود، ولكن حريّ بِنَا الفصل وأن نفْرق بين اليهودية والصهيونية ؛ فالأولى نؤمن بها ونحترمها كديانة سماوية ؛ فهي من تمام الدين، أما الثانية، فهي حركة سياسية عنصرية قائمة على مبدأ التعالي والتسيّد وأنهم اليهود إنما خلقوا من طينة أخرى.
في معرض محاولتهم لفهم أسباب ودوافع قرار العبثيّة الترامبية، أعمل كثير من الكتّاب جهدهم لفهمه، نذكر منهم ما تناوله كل من محمد عصمت في مقال تحت عنوان "الصهيونية المسيحية.. الوجه القبيح لترامب" وعلاء الحديدي في مقاله المعنون بـ "ترامب والقدس وصفقة القرن" أعزى محمد عصمت القرار الترامبي اللقيط بالبحث فيما يسمى بالصهيونية المسيحية، بينما أعزاه علاء الحديدي، إلى المسيحية الإنجليكية والتي ينتمي إليها نائب ترامب، بمقاليهما بجريدة الشروق الإثنين الماضي. ورغم وجاهة رأيهما إلا أننا لا نعزي العبثيّة الترامبيّة لما قد يقال له "الصهيونية المسيحية أو "المسيحية الإنجليكية" إنما نعزيها إلى الرعونة السياسية والطيش العُمري، مقرونًا بتأثير اللوبي اليهودي ومدعوما بما نسميه نحن الصهيونية الرأسمالية، والتي في أساسها هي صهيونية يهودية.
أراد ترامب أن يلفت نظر الناخب الأمريكي عن الإخفاقات المتتالية، والفضائح المتزايدة، والتخبّط المنظور في صفوف إدارته، بنصر مزعوم وفوز صوري، وأيضًا مغازلة اللوبي اليهودي.
إذا كان ترامب يعمل بالوكالة لدى اللوبي اليهودي وجماعات الضغط الأمريكي ؛ فإننا نحن المسلمون والمسيحيون لا ندافع عن أحد بالوكالة ولا نخوض حربًا بالإنابة ؛ فلسنا مرتزقة مثله، نحن العرب من أضاء ظلام الغرب، نزود عن ديننا ومقدساتنا بأرواحنا.
هذا الأخرق خلق لنفسه مليارات العداوات، وأقر بحمقه وغبائه الجميع، أغلب الظن أن غطرسته والفواتير الولائية للولبي اليهودي ستمنعه من التراجع عن قراره.
نلحظ تغيّرا وتراجعا في الموقف الأمريكي ؛ فباستشعار الرفض العارم حتى من الحلفاء الأوربيين، صرح وزير الخارجية الأمريكي أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قد يستغرق من عام ونصف إلى عامين.
بمكنتنا القول بأنّ الوضع قد خرج عن السيطرة الأمريكية، إذ إن كافة الفصائل الفلسطينية تنتظر لحظة الرد والتي ستكون باهظة الكلفة للأمريكان قبل الإسرائيليين.
أعتقد أن رد الفصائل الفلسطينية مؤجل، لإفساح المجال أمام إتمام المصالحة الوطنية، وكذلك للقوى الدولية للعب دورها- ولربما لتراجع ترامب عن قراره من وجهة نظر من يعتقد بإمكانة ذلك- بيد أنها لن تصمت طويلًا لا سيما في ظل تمادي الاحتلال في غطرسته وتكبره بعدما استقوى بالقرار العبثي، وأغلب الظن أنها سترد هذا الأسبوع، حينها فقط سيعلم ترامب أنه خسر كل شئ... كل شئ.
أتوقع أن يكون المقال القادم على آثار الرد المسلح للكتائب الفلسطينية على العبثية الترامبية. إذ إنها لم ترد بعد.
وبحسابات المكسب والخسارة، أعتقد أن التراجع عن هذا القرار أقل كلفة من الاستمرارية النظرية فيه، إذ لن يصادف تطبيقًا عمليًّا، كما أن التراجع فيه وإذا ما أفلت ترامب من فضائح الانتخابات وجوّد من أدائه، ما ربما يكمل فترة ولايته، أما الإبقاء النظري على القرار الأرعن سيؤدي به لا محالة إلى الإقالة أو الاستقالة.
فالعبث بمقدسات المسلمين والمسيحيين ليس من دون ثمن يدفع !!
الوصاية الكونجرسية على البيت الأبيض، تجلّت في قانون تمديد العقوبات على روسيا، وحلّت محله في اتخاذ القرار بعدما استشعرت تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة، لم يحل دونها لا اللوبي اليهودي ولا الصهيونية الرأسمالية ؛ فما بالنا وقد تعرضت جميع مصالح الولايات المتحدة ومواطنيها للخطر ؟! برأينا أن تلك الوصاية سوف تتدخل في الأيام القليلة المقبلة.
ونختتم هذا المقال لا نقول بالثناء ولا بالشكر، بل بالغبطة والفرح والسرور، بالفخر والفخار للموقف التاريخي لكل من الأزهر والكنيسة، هذا الموقف الذي سجله التاريخ بأحرف من ذهب، يضاف إلى رصيد المؤسستين الوطنيتين، الأمر الذي يدعونا لأن نفخر ونتفاخر بهما ونقول بعلو الصوت : عزّتنا في أزهرنا وكنيستنا، وأن نوصل الرسالة الآتية إلى العالم أجمع : من أزهرنا وكاتدرائيتنا إلى أقصانا وقيامتنا، أنتم منَّا ونحن منكم، جرحكم جرحنا، كرامتكم من كرامتنا...