العلاقات المصرية الروسية.. من عبد الناصر إلى السيسي
الإثنين، 11 ديسمبر 2017 01:29 م
مرت العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي "السابق" بعد ثورة 52 بمراحل عدة، ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس جمال عبدالناصر صداقته مع روسيا في ظل عدائه للغرب، لكن توترت العلاقات بين الدولتين في عهد الرئيس محمد انور السادات الذي قاطع السوفييت وانتهي الامر بطرد خبراء روس من مصر عام 1972.
وظلت القطيعة مستمرة إلى أن تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم واتبع سياسة " المواربة " في العلاقات مع موسكو واضعا في اعتباره وجود الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تنظر لمبارك على أنه الحليف القوي لها، واستمرت العلاقات يلازمها جانب من الحساسية إلى أن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي جعل موسكو الحليف الأقوي لمصر .
جمال عبد الناصر والاتحاد السوفيتي
اتسمت علاقات جمال عبدالناصر بالاتحاد السوفيتي بالتوتر في بداية الأمر، حتي عام 1954 حين مارس الاتحاد السوفييتي وللمرة الأولى (الفيتو) لصالح العرب حين دعا مجلس الأمن مصر إلى رفع القيود المفروضة على مرور بعض السفن التجارية عبر قناة السويس.
واستمر هذا الشكل من العلاقات إلى أن قامت اسرائيل بالغارة الشهيرة على غزّة في 28 فبراير 1955، وكانت هذه الغارة هي الدافع المباشر الذي جعل جمال عبد الناصر يستدعي السفير الامريكي ويهدده " اذا لم تقدم الولايات المتحدة لمصر ما تحتاجه من السلاح للدفاع عن الامن القومي لمصر فسوف أطلب السلاح من الاتحاد السوفييتي .
وبالفعل تمت أول صفقة للأسلحة بين مصر والاتحاد السوفييتي في عام 1955 بعد توسط من رئيس وزراء الصين آنذاك “شواين لاي”, وتوالت الاحداث وسحبت الولايات المتحدة عرضها بالمساهمة في بناء السد العالي، لتدخل موسكو بدلا منها، وتستمر حالة الشد والجذب وصولا إلى عام 1956 حيث أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، وهو ما ساهم في التقارب المصري السوفيتي .
كما لعب انتهاء فكرة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا دورا في التقارب بين القاهرة وموسكو عام 1962، حيث تشكل حزب سياسي وحيد جديد هو “الاتحاد الاشتراكي العربي”، لم تكن المعارضة الشيوعية موجودة عمليا، وفي عام 1964, قام خروتشوف بزيارة مصر بمناسبة اكتمال المرحلة الثانية من السد العالي وهو المشروع الذي كان الاتحاد السوفييتي قد موّله جزئيا، اعترف خروتشوف ب “السمة “الاشتراكية” للنظام المصري .
وفي عام 1966 وقعّت مصر اتفاقا ينظّم الوجود السوفيتي في المرافئ المصرية, وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية لأول مرة منذ قطيعة عام 1961 دفع الاتحاد السوفييتي في اتجاه التقارب بين مصر وسوريا, حيث كان وراء توقيع ميثاق الدفاع السوري – المصري في نوفمبر 1966، وفي 5 يونيو قامت اسرائيل بهجومها المباغت وهو ما ادي الى تحوّل كامل في السياسة الشرق أوسطية، حيث استمر التقارب المصري الروسي حني وفاة عبدا لناصر لتنتهي المرحلة الاولي من هذه العلاقات
اتسم موقف السوفييت بالحرص على حفظ علاقاتهم بالقيادة الجديدة ولهذا جاء كوسيجين رئيس الوزراء لتشييع جنازة عبد الناصر مع وفد سوفيتى كبير، وبقى عدة أيام أمضاها فى اجتماعات مع أنور السادات الذى كان قائما بأعمال رئيس الجمهورية انذاك ، وجاء فى البيان الذى صدر عقب هذه الزيارة التعهد باستمرار التعاون المصرى – السوفيتى .
وفى مايو 1971 عندما أطاح الرئيس السادات بما سمى بمراكز القوى، وكان معروفا عنهم ميلهم تجاه الاتحاد السوفيتى، قام بودجورنى بزيارة لمصر للوقوف على حقيقة الأحداث ولكن السادات أكد له أنها مسألة داخلية بحتة ولا شأن لها بالعلاقات المصرية السوفيتية وأثناء الزيارة وقع بودجورنى معاهدة للصداقة والتعاون مدتها خمسة أعوام .
أخذت العلاقة بين الدولتين منحنى الهبوط حني وصل الامر الي اصدار السادات قرارا بطرد الخبراء الروس فى يوليو 1972 بعد أن اعلن السادات أن عام 1971 هو عام الحسم اعتمادا منه على السلاح الذى كان ينتظره حسب وعود السوفييت له أثناء زيارته لموسكو فى مارس 1971، إلا ان الاسلحة لم تصل إلى مصر بالرغم من سفر السادات مرة اخري إلى موسكو فى شهر أكتوبر لطلب الأسلحة وإنقاذ موقفه وجاء قرار طرد الخبراء السوفييت ليمثل نقطة حاسمة فى تدهور العلاقات المصرية – السوفيتية .
ولكن الرئيس السادات وصف قرار الطرد بأنه وقفة موضوعية مع الصديق حفاظا على العلاقة مع الاتحاد السوفيتى ، وبعد قرار الطرد بعدة شهور أمكن عقد صفقة أسلحة ضرورية مع الاتحاد السوفيتى عندما سافر الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية إلى موسكو فى فبراير 1973، ووردت بالفعل شحنات من هذه الأسلحة ثم تراخى الإرسال انتظارا للقاء بريجنيف ونيكسون فى واشنطن فى مايو 1973 تنفيذا لسياسة الوفاق مما كان سببا لاعتذار السادات عن الموافقة على الزيارة التى كان الرئيس السوفييتى بودجورنى يعتزم القيام بها للقاهرة فى نفس الشهر أثناء حرب أكتوبر.
حسني مبارك والاتحاد السوفيتي
ومع وصول الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى السلطة خلفا للرئيس الرحل أنور السادات، اتبع مبارك مع موسكو سياسة " الباب الموارب " حيث اتسمت العلاقة بـ"التطبيع التدريجي"، وجرى تتويجها، بعد قطيعة استمرت نحو 20 عاما، بزيارة قام بها وفد روسي برئاسة نائب وزير الدفاع حينذاك، أندريه كوكوشين، ليفتح ملف التعاون العسكري مع مصر مجددا بداية من عام 1995، ولتبدأ بعدها بنحو عامين عملية استيراد للدبابة الروسية "تي 8034"، إضافة لمروحيات ومعدات أخرى.
وقام الرئيس فلاديمير بوتين في أبريل عام 2005 بزيارة عمل لمصر وأجري مباحثات مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتم التوقيع خلال هذه الزيارة علي بيان مشترك حول علاقات الصداقة بين البلدين والذي اتسم بالصفة الاستراتيجية،
وجاءت الزيارة الرسمية الأولي للرئيس مبارك إلى روسيا الاتحادية في سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصري الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، ثم قام مبارك بعدها بزيارتين إلى روسيا عام 2001 و2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون .
وتوقفت بعد ذلك الزيارات بين مسئولي البلدين، بسبب الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط فيما يعرف بــ"ثورات الربيع العربي"، إلى أن قام المعزول محمد مرسي، بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المدن الصغيرة خارج موسكو، وهي الزيارة التي بدا منها أن روسيا غير متحمسة لتوثيق علاقاتها بالقاهرة في ظل حكم جماعة الإخوان الإرهابية .
عبدالفتاح السيسي وروسيا
بحنكة سياسية كبيرة، استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي استعادة العلاقات الروسية مرة أخرى، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدني من الانهيار خاصة وأن موسكو ساندت ثورة الشعب المصري في 30 يونيو، كما أيد الرئيس بوتين قرار السيسي بالترشح للانتخابات الرئاسية قائلا له اثناء لقائهما في موسكو "أعرف أنكم قررتم الترشح لمنصب رئيس مصر .. إنه قرار مسئول" .
لذلك كان من الطبيعي أن تكون أول زيارة للسيسي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية إلي موسكو في 12 أغسطس عندما التقي بوتين في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وكانت هذه هي أولى جولاته لبلد غير عربي أو أفريقي منذ أدائه القسم الرئاسي، حيث اتفق الرئيسين على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ووعد پوتين بتسريع صفقات الأسلحة لمصر .
أثناء اللقاء أُعلن أيضاً عن خطط للتجارة والاستثمار الاقتصادي، وصرح پوتين أن مصر كانت تناقش إقامة منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الجمركي الأوراسي بزعامة روسيا ، كما ناقش الزعيمين خطط لإنشاء منطقة صناعية روسية في مشروع قناة السويس الجديدة والذي كان السيسي قد أطلقه، فضلاً عن خطط لتجديد وتطوير المشروعات الهامة التي كان الاتحاد السوڤيتي قد أسسها.
وفي سبتمبر 2014، تم التوصل لاتفاقية تمهيدية بين البلدين لشراء أسلحة بقيمة 3.5 بليون دولار من روسيا .
في 9 فبراير 2015، بدأ الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين زيارة رسمية إلى مصر استغرقت يومين، رافقه فيها شخصيات اقتصادية روسية بارزة مثل وزير الزراعة ووزير التنمية الاقتصادية ووزير الطاقة بالإضافة إلى رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الروسية، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي.
ولم تكن العلاقات بين البلدين علاقة سطحية، بل علي العكس، فقد اتفقت الروئ بين الرئيسين في مختلف القضايا الدولية وهو ما ظهر في مواقفهما المشتركة من تنظيم داعش ومن الحرب في سوريا والعراق واليمن ، كما دعمت موسكو الحرب القوية التي تخوضها مصر ضد الارهاب في سيناء ، وهو ما ساهم في تبادل الزيارات بين الرئيسين للتشاور في القضايا الهامة ، علاوة علي الاتصالات المستمرة بينهما للتشاور في القضايا الاقليمية .