إمامنا الطيب.. "ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
السبت، 09 ديسمبر 2017 11:44 م
(1)
"ندعو كافة القوى والمنظمات الدولية المحبة للسلام والمناهضة لسياسات الاستعمار المقيت أن تتحرك جميعًا لوقف هذه الكارثة الدولية والإنسانية التي تحل بعالمنا، كما ننادي شعوب العالم العربي والإسلامي إلى رفض هذه المخططات الصهيوأمريكية الخبيثة، واستعادة الوعي العربي والإسلامي بقضية الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين.. وختامًا نقول لأهلنا في القدس المحتلة.. نحيي صمودكم الباسل، ونشد علي أيديكم، ولتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم ونحن معكم ولن نخذلكم.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
فقرة ختم بها الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، بيانه الرافض لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ايذانا بتغيير هوية القدس وطمس عروبتها ومحاولة إصباغها بصبغة يهودية، ولكن البيان لم يمر مرور الكرام، ولم يخلو من الإشادة الواسعة والترحاب الكبير من قطاعات واسعة، كما انتهزها البعض فرصة للنيل من شخص ومواقف شيخ الأزهر ومؤسسته.
(2)
الأزهر الشريف وعلى رأسه الإمام الطيب، ليس منزها عن النقد، بل يتحمل جزء كبيرا من مسؤولية وصولنا إلى المشهد الحالي، من فوضى الفتاوى، ورجعية الخطاب الديني، بل لا يمكن تبرئته من موجات التطرف التي تجتاح العالم الآن، فمن ينكر أن تخاذل الأزهر وتراجع دوره خلال العقود الأخيرة فتح الباب أمام سيطرة السلفيين والفكر الوهابي على المساجد وعلى شاشات البرامج بل وبات لهم قنوات من بابها، ما فتح الباب أمام أفكار ومشاهد تنحرف عن المنهج الوسطي القويم، وفتحت أمام فكر إسلامي مشوه، مخل بأصل الدين وجوهره وعلة أحكامه وشرائعه.
(3)
المنهج الأزهري الذي يعتمد على محاور ثلاثة (شريعة وعقيدة وأخلاق)، ويبنى على عقائد أهل السنة والجماعة (الأشاعرة و الماتريدية)، والشريعة مقصدها المذاهب الفقهية للأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، ويقوم على أن المذهبية هي الطريق الصحيح الموصل لفهم الكتاب والسنة النبوية، وأن العجلة في التجاسر على مقام الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام الشرعية دون المرور على فهم هؤلاء الأئمة لهذا الكتاب وهذه السنة يؤدي إلى التخبط في الفتوى، وأما الأخلاق أو تزكية النفس، فمقصدها التصوف السني المبني على الكتاب والسنة.
تلك مفاتيح المنهج الذي يعلمه ويتعلمه كل أزهري وكل من مر على باب الجامع الأزهر ولكن أين هي على أرض الواقع وأين هي من العوام، وأين هي بين علماء الأزهر، وأين تأثيرها على عوام المسلمين، الإجابة معروفة، والمسؤولية يتحملها وحده الإمام الأكبر، وكل المنتسبين للمؤسسة الأزهرية، كما يتحمل مولانا الطيب ومؤسسته ذلك القصور الواضح إعلاميا، حيث يختفي علماءه ودعاة منهجه أمام شيوخ الفتنة والفتاوى الشاذة، ومريدي الشهرة، وتجار الإثارة.
(4)
هل عدم الرضا عن أداء مؤسسة الأزهر جامعا وجامعة، مبرر لتجاهل الإشادة ببعض المواقف الإيجابية واللحظات المضيئة الصادرة عنها، أعتقد أن كما نوجه سهام النقد دوما صوب الإمام الأكبر أحمد الطيب، يجب أن نرفع القبعات، ونتشبع بلحظات الرضا والفخر التي يمنحها لنا الإمام الطيب ومؤسسة الأزهر، وحقا علينا أن نقول إن مواقف الإمام الطيب والأزهر الشريف مؤخرا تليق بما يجب أن يكونه وتكونه تلك المؤسسة العريقة، والصرح العلمي الشامخ، وهنا أكتفي بنموذجين في منتهى الأهمية.
فعلى صعيد تجديد الخطاب الديني شرع الجامع الأزهر الشريف مؤخرا بجهد مشكور للدكتور الفاضل محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر، وبرعاية من الإمام الأكبر، بفتح الرواق الأزهري بمقر الجامع وبعدد من المحافظات، بهدف إتاحة العلم الصحيح للعامة ولغير الأزهريين، لمقاومة الفكر الداعشي، ودعاة الغلو والتطرف، أو كما يضع الأزهر تعريفا لهدف رواقه: "من أجل ترسيخ الأزهر الشريف لمرجعيته العالمية، وإرساءً لريادته التاريخية واستعادة لدوره الحضاري كان الرواق الأزهري في صورته الجديدة أملا في أن يشكل خطوة واقعية، على طريق استعادة الأزهر لمكانه ومكانته، وإحياءً للمسئولية التلقائية المشتركة بين الشعب ومعهده العريق، من خلال هذا التواصل المنشود، وأن يكون الرواق ملاذاً أمنا لطالبي العلوم الشرعية وملجئاً للحريصين علي معرفة أمور حياتهم الدينية والدنيوية".
النموذج الثاني هو موقف الأزهر الشريف من "تهويد القدس"، فلم يتوان الإمام الأكبر شيخ الأزهر في إعلان موقفه الرافض وبشدة ويكفي قوله: "إننا في الأزهر الشريف، وباسم العالم الإسلامي كله نؤكد رفضنا القاطع لهذه الخطوة المتهورة الباطلة شرعاً وقانونًا، كما نؤكد أن الإقدام عليها يمثل تزييفًا واضحًا غير مقبول للتاريخ، وعبثًا بمستقبل الشعوب، لا يمكن الصمت عنه أبدًا ما بقي في المسلمين قلب ينبض، وليعلم الجميع .. أن القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية المحتلة من قبل كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب، ولن تكون غير ذلك، وأي تحرك يناقض ذلك مرفوض وستكون له عواقبه الوخيمة".
(5)
الأزهر الشريف وإمامه الطيب كان على قدر المسؤولية وقال ما يجب أن يقال، وهنا يستحق الإشادة، ونتمنى دوما أن يكون حيث نلتمس أن نجده، وننتظر من الأزهر جامعا وجامعة أن يتماثل تأثيره الفكري والدعوي، بما يحويه منهجه، وبما يليق بقيمة وقامة علمائه، ونأمل أن تكون الخطة القادمة هي آلة الأزهر الإعلامية التي تروج لأفكاره الحقة وعلم الدين الحقيقي، والمنهج الوسطي الذي طالما نسمع عنه ولا نرى له أثرا.