مسرح بلا مسرحية
السبت، 09 ديسمبر 2017 05:18 م
الناس فيما يعشقون مذاهب .. ويبدو أن نزار قباني لم يشذ عن تلك القاعدة فقد تاهت مراكبه في عيون حبيبته "مايا " فأنشد قائلا "من أين أبدأ رحلتي .. والبحر من ذهب.. ومن زغب " ..في حين لم تبلغه تلك الحيرة عندما قصد الوطن والأهل والقضية! حيث أدرك طريق الرحلة أو على الأقل عرف طريق العودة ..فلم يتوجه إلى مطار دبي أو مطار شارل ديجول أو مطار كيندي بل قصد مطار دمشق عائدًا إلى وطنه قائلًا "عائد إليكم ..وأنا مضرج بأمطار حنيني ..عائد إلى سرير والدتي.. فلا نوافير فرساي عوضتني عن مقهى النوفرة .. ولا سوق الهال في باريس .. عوضني عن سوق الجمعة ..ولا قصر باكنغهام في لندن عوضني عن قصر العظم ..ولا حمائم ساحة سان ماركو "في فينسيا" ..أكثر بَركةً من حمائم الجامع الأموي ولا قبر نابليون في الأنفاليد ..أكثر جلالًا من قبر صلاح الدين الأيوبي .
و المغزى هنا أن كل اختيار له ثمن .. والكلمة الحلوة لها ثمن ! وحين صدّق العرب نتنياهو و ترامب فلم يقدروا الثمن! ولا شيء يأتي من فراغ ومقولة بعض المتآمرين "إنه لا وجود للمسجد الأقصى في فلسطين" لم تكن من فراغ ! وقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية الي القدس ملأ كل الفراغ والفلسطينيون شاردون على هوامش مجتمعهم وهم في حاجة إلى قلوب دافئة تجمع ولا تفرق لا إلى عقول ساخنة تفسد ولا تصلح وينشدون حكمة تعلو بالهمم والمواقف الناضجة وتجمعهم على كلمة سواء فتصبح الكراسي صغيرة متى كانت القلوب كبيرة .
إن تحرير القدس لن يبدأ من أوسلو ! أو من حروب الفيس بوك التي تنطفئ نيرانها بانقطاع التيار الكهربائي أو الخروج من صفحة القتال علي الشبكة العنكبوتية فهذه مراهقة وزوبعة في فنجان أو في جوجل.. لأن الحرية تبدأ بتحرير الذات من أغلال الخوف والإرهاب والشهوات والإثم فيتهيأ المناخ لتحرير القدس بالقلوب والعقول والسواعد ,ولا أدعي العصمة ولا أتصور الحياد لصاحب رأي أو عربي أو مسئول وهو ما يستحيل فكرًا وواقعًا لأن معنى ذلك الانسلاخ من التاريخ والحياة.. وللشعوب فرصة في أن تحلق بأجنحتها في الفضاء" لا في الفراغ" كيفما شاءت.. وصاحب المسئولية لا يملك غير أن يقف علي قدميه بما له من تقديرات وحسابات وغير صادق مع نفسه و الحقيقة من يتجاهل تضحيات مصر منذ 1948من أجل القدس وقد رسم الشعب المصري بآماله وخياله وجيشه وشهدائه صورة للقدس علّقها على مستقبله ولا يزال ..
ومع تهاوي وانهيار بعض الدول العربية وأنظمتها وانشغال شعوبها أصبحت الفرصة سانحة لتنفيذ قرارات مؤجلة باعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وما قاله ترامب سبقه به روتشيلد.. وبلفور.. وبن جوريون.. وريجان وغيرهم.
إن الانطباعات عن ما يسمي بالنظام العالمي الجديد هي قناعات عند المواطن العربي بأنه نظام غير قادر على الحركة أو الحياة أو الفعل فالسياسة بالانطباع لا بالاقتناع.
وما تفعله أمريكا وبعض الأنظمة الغربية والعربية الفاشلة لم يعد خليطًا أو مزيجًا يستعصي على الفهم بل هو نموذج تراجيدي لفكرة المسرحة بلا مسرحية ! وهي ظاهرة جديدة في فنون المسرح فهناك آلات تعزف وطبول تدق.. وألوان وستائر من القطيفة الحمراء المزركشة بالذهب ترتفع.. وخلفيات من الديكور تظهر وأناس تتحرك على الخشبة .. وأصوات وإيقاعات متنوعة اللهجات والطبقات تترنم ..وجاءت اللحظة وأفاق الجمهور واكتشف أنها مؤثرات بالصوت والضوء أمام أعينهم وفي آذانهم لكنها مؤثرات بلا موضوع وبلا نص أو أن الموضوع هش والنص ركيك وهذه هي الحقيقة... مسرحة بلا مسرحية