(القتل فى المحراب).. شهادات الناجين: الإرهابيون طاردونا خارج المسجد.. الطفلة منى: أبوى استشهد بـ3 رصاصات.. وما ضل بدارنا غير أخوى الصغير محمد
الأربعاء، 06 ديسمبر 2017 08:00 ص(نقلا عن العدد الورقى)
فور نزولى من السيارة بمنتصف المسافة بين مدينتى بئر العبد والعريش، حيث تقع قرية «الروضة»، التى شهدت يوم الجمعة الماضى «مذبحة الساجدين»، كان الهدوء يلف القرية، التى تكاد تخلو شوارعها، إلا من بعض النساء المنتقبات اللاتى يتنقلن من منزل لآخر، ولم يقطع الصمت المطبق على المشهد خلال توجهنا لقلب القرية سوى بعض الأطفال، الذين قابلونى بالقرب من الوحدة الصحية، وهم يزرفون الدمع على من استشهدوا، سواء كان من آبائهم أو أشقائهم.
التقيت طفلة هائمة على وجهها، كانت تسير بأحد شوارع القرية، أتضح أنها ابنة أحد الشهداء، الذين قضوا بالمذبحة.
وضعت الطفلة «منى محمد»، التى تبلغ من العمر 12 سنة، جزءا من غطاء رأسها على وجهها، لتخفى ملامحها، وقالت: «أبوى استشهد بالمسجد، وهو بيصلى الجمعة، وما ضل غير أخوى «محمد»، ثم اجهشت بالبكاء والنحيب، لتواصل: «الإرهابيون قتلوا الناس وهم بيصلواو وقتلوا أبوى بـ3 رصاصات برأسه ورقبته».
تابعت الطفلة «منى»، الطالبة بالصف السادس الابتدائى بمدرسة آل جرير، حديثها، وهى تشير لعدد من النسوة المنتقبات اللائى يجلسن بجوار أحد المنازل «كل بيوتنا ما ضل فيها غير النسوان، رجال القرية الشيوخ والشباب، و«الطنيات» أى الأطفال، قتلوهم الإرهابيين».
اتجهت نحو مسجد «بلال»، الوحيد بالقرية، والذى تظهر مئذنته من مسافة بعيدة، ويقع بالجزيرة الوسطى بين اتجاهى الطريق الدولى، الذى يربط سيناء بمنطقة شرق قناة السويس، حيث كان بعض الشباب يقومون بإخراج السجاد، الذى تبدل لونه من الأخضر إلى الأحمر من المسجد، فيما يجلس عدد من الرجال القرفصاء إلى جوار جدار المسجد الأمامى.
محمد سالم، من سكان القرية، ويعمل بشركة النصر للملاحات القريبة من المكان، أكد أن المسلحين لاحقوا معظم من هربوا من المسجد فى المنطقة الخالية المحيطة به، ومروا على جميع من سقطوا على الأرض فردا فردا، ليطلقوا رصاصة فى رأس كل من يشكون فى عدم وفاته.
الشارع الرئيسى المؤدى إلى قرية «الروضة»، كان مغلقاً بأكوام من الرمال وجذوع النخيل، سألت أحد الأطفال، يبلغ من العمر 14 سنة، والذى رفض ذكر اسمه، عن سر وجود الرمال وجذوع النخيل، فقال: أهل القرية أغلقوا الشارع قبل أيام من وقوع المجزرة، بعد أن تلقوا تهديدات من داعش، تركوها فى منشور الصقوه على جدار الزاوية، يحذرون الناس من إقامة «الحضرات» بالزاوية، (طقوس دينية وإنشاد دينى وتلاوات متعددة، يقوم بها أتباع طريقة الشيخ عيد أبو جرير).
على مقربة من السيارات المحروقة الخاصة بالمواطنين، أوقفنى شاب، قال إن اسمه سعيد، يبلغ من العمر 17 سنة، كان يمسك بطلقة فارغة فى يده اليمنى، الذى مدها نحوى، وقال: «هذا الرصاصة كانت ستخترق رأسى، ولكننى انخفضت، فسكنت فى شجرة خلفى، وقمت بإخراجها، لتكون شاهدة على مجزرة الجمعة، ولأتذكر أن لنا ثأرا يجب أن نأخذه».
ابتلع سعيد ريقه، ثم التفت خلفه وحوله فى قلق بالغ، وقال: فى بداية النصف الثانى من الخطبة، فوجئنا بـ3 سيارات تمركزت بالجهات الثلاث لأبواب المسجد، وكان صندوق كل سيارة مغطى، وفجأة تم كشف الغطاء عن السيارات، وخرج من تحته حوالى 15 مسلحاً، قفز 4 منهم إلى أبواب المسجد بشكل سريع، وألقوا 4 قنابل يدوية، بأركان المسجد الأربعة».
توقف الشاب لدقيقة كأنه يعيد المشهد فى رأسه مرة أخرى، ثم استكمل قائلا: «بعد إطلاق القنابل، وقفوا على جميع أبواب المسجد من الاتجاهات الثلاثة، وأطلقوا وابلاً من الرصاص على رؤوس المصلين والخطيب، وحاول كثير من المصلين الهروب بشكل سريع من الأبواب التى يقف عليها المسلحون، إلا أن رصاصهم كان متدافعا وكثيفا».
أمام منزل مجاور تماما لطريق العريش الدولى، طلبت من إحدى السيدات الواقفة أمامه أن تمدنى بماء للشرب، وبالفعل أعطتنى الماء، فسألتها عما شاهدتها، فقالت «الإرهابيون بعد انتهاء المجزرة خرجوا إلى الطريق الدولى، وقطعوه، وهم يصرخون إحنا منتظرين أى راجل ييجى هنا، وظلوا حوالى ربع ساعة، وبعدها ركبوا سياراتهم، وغادروا بسرعة قبل وصول الجيش».
فى مدخل القرية الرئيسى، وقفت بجوار سيارة ملاكى، سألت سائقها عن شهادته، فقال: كنت فى طريقى لصلاة الجمعة بالمسجد، وفى الطريق سمعت صوتا كثيفا لإطلاق النيران، فتنحيت جانبا، ووقفت داخل فناء أحد المنازل إلى أن توقف إطلاق النار تماما، فتوجهت بعدها إلى المسجد وكانت المجزرة.
يواصل، «اتصلت بالإسعاف، وبعد نحو ساعة إلا الربع، وصلت إلى المسجد عدة سيارات، وكانت هناك سيارة يستقلها مسلحون، وتقف على مقربة من المسجد، أطلقوا النيران بكثافة على سيارة الإسعاف فقتل السائق والمسعف، الذى كان يجلس إلى جواره».
كان يجلس بجوار شاب آخر ويدعى سلام، فقال وهو يبكى: «مات من عائلتى 22 شخصا، أغلبهم أشقائى وأولاد خالى»، مشيرا إلى أنه من عائلة سويلم، وهم أكثر عائلة تعرضت للموت، من عشيرة الجريرات ،خاصة الذين يتبعون الطريقة الصوفية الأحمدية الجريرية.
وقال كل ذنبنا أننا كنا نذكر الله مساء كل يوم قبل صلاة المغرب، فتلقينا تحذيرات، قبل نحو 10 أيام، من الإرهابيين بالتوقف عن الذكر، بزعم أن الذكر مخالف للشرع، (مندهشا والدموع فى عينه) كيف يكون ذكر الله مخالفا لشرع الله».
أضاف: رغم ما تعرض له أهلنا وأقاربنا، لن نتوقف عن الصلاة بالمسجد، وسنقيم الذكر كل يوم، والبركة فيمن تبقى من الرجال والشباب والأطفال.
ويقول إن أغلب الشهداء، كانوا يدفعون 50 جنيها شهريا لصندوق الزاوية، نطبخ منها كميات كبيرة من الطعام، ليأكل المارة منه يوميا لوجه الله.
اما أحمد جريرات، الطالب بجامعة سيناء، الذى كان يوم الحادث بمدينة العريش، فقال «قتلوا الشيخ حسين الجريرات، كبير القرية، الذى تخطى عمره الثمانين، بدم بارد، وبقلب متحجر لا يعرف الإسلام أو أى دين.
ويضيف، «لم نر دواعش من قبل فى القرية، لأننا مسالمون، ونبلغ رجال الجيش والشرطة عن أى شخص مشكوك فيه، لكى نحمى أبناءنا من خطر الإرهاب، وهذا من أسباب هجوم الدواعش على مسجدنا، وإبادة أهالى القرية من الشيوخ والرجال والأطفال، ولكن لا نقول إلا ما يرضى ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. وحسبنا الله ونعم الوكيل».