صوت الأمة تخترق مافيا مصانع "بير السلم" لإنتاج حلاوة المولد (صور)

الجمعة، 24 نوفمبر 2017 01:37 م
صوت الأمة تخترق مافيا مصانع "بير السلم" لإنتاج حلاوة المولد (صور)
حلاوة المولد
كتب- أحمد جمال الدين

- التصنيع يتم وسط القاذورات باستخدام الأواني القذرة.. والعصا الخشبية

- صاحب المصنع: المحلات الكبرى تشتري منتجاتنا وتضع شعارها

- المستشار وليد الكومي: مصانع بير السلم كارثة صحية

- رئيس الشعبة: حلوى المولد يقتصر إنتاجها على مصانع بير السلم فقط

 

دائمًا ما ترتبط الاحتفالات لدى المصريين بأنواع من الأطعمة أو الحلويات فلكل عيد أو مناسبة «أكله»، ومن تلك الاحتفالات «المولد النبوي» الذي يعد موسمًا تُزين احتفالاته أنواعا متعددة من  التشكيلات المختلفة من الحلوى المختلفة، التي يقبل عليها المصريين باختلاف طبقاتهم  برغم ارتفاعها أسعارها كثيرا ذلك العام حيث يتم بيع وتداول سعر  كيلو الجملة  في المناطق والأحياء  الشعبية بداية من 35 جنيها.

وبعيدا عن أسعارها المرتفعة فإن تلك الحلوى تعمل على إمداد الجسم بالبروتين والدهون " أوميجا"، هي صحية في رفع الكولسترول الحميد الذي يحتاجه جسم الإنسان وخفض نسبة الكولسترول الضار، وأن "السودانية والحمصية"، تحتوي على نسبة كبيرة من البروتين، والكربوهيدرات، والحديد، والزنك، والكالسيوم، والفوسفور وهي مواد غنية بالطاقة.

 تلك هي الفوائد التي يؤكد عليها خبراء التغذية،  ولكن  هل يمكن تخيل أن تلك الحلوى، التي يتهافت عليها الكبار والصغار قد تكون سببا في الإصابة بالعديد من الأمراض المختلفة، في حال تصنيعه من خلال مصانع بير السلم وبالمخالفة للمواصفات القياسية المصرية المصرية رقم المواصفة 464-2 / 2006، التي وضعت تحت مسمى " حلوى السكر ومصنعاتها".

في ذلك التحقيق تكشف " صوت الأمة" عبر مغامرة صحفية كواليس صناعة "حلوى المولد" على نطاق واسع  في أحد مصانع بير السلم، والمراحل التي يمر بها حتى يتم طرحه في الأسواق بأسعار مخفضة قبل أيام قليلة من الاحتفال بالمولد النبوي،  برغم شن الجهات الرقابية ممثلة في مباحث التموين حملات مكثفة لضبط المصانع المخالفة في جميع محافظات الجمهورية.

 - ضوابط واشتراطات غير مطبقة

وقبل الدخول في تفاصيل المغامرة يجب توضيح الضوابط  التي وضعتها هيئة المواصفات والجودة، وكذلك الاشتراطات البيئية والصحية التي لابد أن تتوافر في الأماكن تقوم بالصناعات الغذائية، وأهمها اختيار مباني بعيدة عن مصادر التلوث والأدخنة والروائح الكريهة والمناطق الآهلة بالسكان، وذات أرضية ملساء سهلة التنظيف، ولها أبواب بسيطة التصميم منعا لتراكم الأوساخ، وتتوافر فيها الإضاءة المناسبة ومجالات التهوية الطبيعية المناسبة وتتمتع مخازنها بدرجة حرارة مناسبة للتخزين.

كما حددت وزارة الصحة مجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها في العاملين  بمجال الصناعات الغذائية، وأهمها الالتزام بالملابس الوقائية منعا لانتقال العدوى، والحصول على شهادات بالتحصينات ضد بعض الأمراض.

وطبقا للضوابط الاسترشادية التي وجهها جهاز حماية المستهلك في بيان سابق له للمستهلكين، فإنه يجب الشراء من المحلات والأماكن المرخص لها ببيع وتداول الحلوى الموثوق فيها، والتي تتوافر بها الشروط الصحية عند عرض الحلوى، وضرورة أن تكون هذه البيانات (تاريخ الإنتاج - انتهاء الصلاحية - اسم المنتج - اسم المصنع) مدونة على الحلوى.

 كما شدد الجهاز على عدم وجود رائحة "تزنخ"، أو تغير في اللون أو الطعم في المواد الداخلة في تصنيع الحلوى (السمسم - الحمص - الفول السودانى - وغيرها)، وعدم شراء الحلوى من المصانع أو الأماكن غير المرخصة والتي لا تخضع لرقابة صناعية أو صحية وغالباً تباع بأرخص الأسعار.

وأضاف الجهاز: أنه عند عرض وتداول وتخزين الحلوى يجب مراعاة أن تعرض وتتداول الحلوى مغلفة داخل فاترينات عرض زجاجية مخصصة لذلك بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة، ويجب توافر المظهر المناسب والشروط الصحية في البائعين، وتخزين الحلوى في أماكن صحية جيدة التهوية بعيداً عن الحرارة والرطوبة والحشرات ويفضل تخزينها بوضعها في الثلاجة وذلك للمحافظة على فترة صلاحيتها المدونة عليها.

 بالإضافة إلى، عدم شراء الحلوى المكشوفة والمعرضة للأتربة والجراثيم، مشددًا على ضرورة التأكد من سلامة الحلوى قبل شراؤها على أن تكون طازجة تتميز بالليونة واللون المشرق، وضرورة الابتعاد عن شراء الحلوى الجافة التي فقدت رطوبتها نتيجة التخزين لفترات طويلة وتأكسدها، وأنه في هذه الحالة سيلاحظ تغير لونها وميلها إلى اللون الأصفر الداكن، وظهور بعض الفطريات ذات اللون الأبيض على سطحها. ونصح باختيار الحلوى السادة لأنها أفضل من المحشوة لضمان عدم تلفها أو تعرض المكسرات للتلوث والفطريات.

كما طالب الجهاز المستهلك بضرورة التأكد من نظافة المحل قبل الشراء منه، ويمكن الحكم على ذلك من مستوى نظافة الأرفف والأرضيات، فإن كانت متسخة ومهملة فالمخازن لدى هذا المحل ووسائل النقل لدية متسخة ومهملة أيضًا، وحينها على الفور يجب البحث عن محل آخر يعتني بما يقدمه للمستهلك.

كما نصح بعدم شراء الحلوى من الباعة الجائلين التي تباع على عربات وبخاصة المنتشرة بجوار المدارس والجامعات لأنها حلوى غير معروف مكوناتها ولا تخضع للمواصفات القياسية وتحتوي على مواد مختلفة غير مصرح بها أو منتهية الصلاحية أو فاسدة وهي تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.

 

حلوى المولد في مصانع بير السلم

  خلال شهر نوفمبر فقط شنت مباحث التموين مؤخرا حملات مكثفة، قامت خلالها بغلق 10مصانع  غير مرخصة في عدة محفظات منها الفيوم، والقليوبية، وشبين القناطر، الجيزة ، والقاهرة، وعلى الرغم من  تعدد البلاغات والأجراءت التي يتم اتخاذها فإن هناك عددًا من هذه المصانع مازال يعمل في الخفاء بعيدا عن الجهات الرقابية.

يقرب من 11 مصنع غير مرخص في عدة محافظات منها القاهرة، والجيزة، والإسكندرية والقليوبية، وسوهاج، وبنى سويف، وبورسعيد.

ورغم تعدد المحاضر التي تم تحريرها ضد أصحاب المصانع المخالفة، فإن هناك عددا كبيرا من المصانع مازال يعمل في الخفاء، ولم تطله يد الرقابة بعد ومن بينها المصنع الذي تمت فيه هذه المغامرة في منطقة بولاق الدكرور

وتحديدا في أحد المناطق المتطرفة والذي يمكن الوصول بعد تجاوز عدة شوارع والممرات الضيقة المظلمة التي لا تحمل أي أسماء تنفتح فجأة على ساحة واسعة مزينة بالعديد من الكشافات الأضواء المبهرة  على يمينها يقع ثلث محلات يتم عرض فيها الحلويات التي يتم  إنتاجها في المصنع الذي يقع في نهاية الساحة، والذي تم تقسيمه إلى ثلاث أجزاء الجزء الأول عبارة عن غرفة ضيقة يتم الصعود إليها عبر عدة درجات مهشمة  تحتوى على العديد من القاذورات  على الجدران وأرضيتها التي تزدحم بالعديد من العمال عراة اليد بملابس متسخة ، في أحد جدرانها تدلى منها العشرات من الحبال علقت بها " عين الجمل" التي يتم إنزالها في إناء متوسط الحجم به سائل عسلي اللون يتم تغطية  حبل المكسرات به بواسطة عصا خشبية، لإنتاج الملبن.

 أمامها تقع غرفتين  وضع بها  عددًا من الأدوات البدائية  التي تستخدم في صناعة باقي المنتجات  في الغرفة الأولى  يقع في مدخلا عددًا من "الصاجات"  يوضع عليها بعض المنتجات الساخنة بدون غطاء،  وبعد السير عدة خطوات على الأرضية الملوثة بكافة أنواع القاذورات وباقي الأطعمة التي تراصت عليها براميل زرقاء غير محكمة الغلق  يعلوها عدة صاجات بها قطع غير مكتملة للمنتجات والتي يعاد تدورها واستخدامها مرة أخرى.

في نهاية الغرفة  يقع ثلاث أواني كبرى وضعت تحتها النيرات لضمان سخونية السائل الذي تمتلىء به باستمرار يقف أمامه عامل تنحصر  مهمته في أعادة السائل الذي يقع على الأرض أو يسيل على الحافة إلى القدر مرة أخرى.

 في الغرف الأخرى يتم استخدامها لتعبئة المواد والحلوى المنتجة بواسطة  عدد من العاملات والصبية صغار السن والذين يعلمون من خلال ملابس متسخة وبأيديهم العارية ووضعه في علب تحمل اسم المصنع فقط، دون تدوين تاريخ الإنتاج والصلاحية.

«المصنع بتاعنا اشهر مصنع فى الحتة  وبنوزع إنتاجنا على المحلات كلها».. هكذا بدأ أحد أقدم العمال فى المصنع حديثه لـ«صوت الامة»، مرجعًا شهرة المصنع إلى رخص أسعاره وجودة إنتاجه مؤكدًا: « الناس بقت تهمها الأسعار.. الزبون دلوقتى بقا يدور على المكان الرخيص ويروحله، ورغم ذلك أحنا ملتزمين إننا نقدم للناس أحسن حاجة"، مضيفًا: أن منتجات المصنع  يقبل عليها العشرات من المحلات الشهيرة التي تقوم بشراء المنتج بكميات كبرى ثم تقوم  ببيعها بأسعار مضاعفة بعد أن تقوم بتعبئتها وتغليفها بورق يحل اسمها وشعارها لخداع المستهلكين وهو ما عبر عنه بقوله" " لنا بتدفع الافات  لشراء الحلويات من المحلات الكبيرة لمجرد الاسم وما يعرفهوش ان كل ده من إنتاجنا أحنا وكام مصنع تانيين زي حالاتنا في باب البحر وغيره".

غياب الاشتراطات الصحية داخل المعمل يبرره صاحب المصنع بقوله آخر  «فيه موسم ورزق وطلبيات بالآلاف فمش هاينفع نعطلها للبحث عن غطاء يد للعاملين أو مسح الأرضياتس»، متابعا: «ياعم ده احنا بنشتغل من السنة لـسنة وبنبعت نجيب عمال من الأرياف .. علشان نوفي الطلبيات.. ادعلنا بس نخلصها ونسدد فلوس الناس".

فيما يقول عامل ثالث مدللًا على حرصهم على نظافة المكان: « احنا شغالين 24 ساعة علشان الموسم بس في نهاية يوم العمل مع بدء الساعات الأولى من صباح اليوم التالي يتم كنس ورش الشارع بأكمله، ونمسح الشارع كله، وبنرجع كل حاجة زى ما كانت، يعنى لو عديت الصبح مش ممكن تتخيل إن فيه مصنع هنا.

 

"دي أكبر كارثة بتهدد الاقتصاد والصحة العامة".. هكذا بدأ المستشار أمير الكومي رئيس جمعية المراقبة والجودة لحماية المستهلك".. وأضاف الكومي في تصريحات خاصة لـ" صوت الأمة": على الرغم من عدم إحصائيات رسمية بعدد هذه المصانع لأنها تعمل بعيدًا عن  أعين الدولة والأجهزة الرقابية  وإنا كان  البعض يقدرها بـ 760 ألف مصنع عام 2009 ولكن  يعتقد ان تلك المصانع قد زاد عددها في السنوات الأخيرة لتصل إلى 2.5 مليون مصنع تعمل بدون اشتراطات صحية أو ضوابط للتصنيع وهو ما يعمل على تدهور صحةالمواطنيين خاصة إذا ما كانت عمل في الصناعات الغذائية.

وتابع الكومي أن أغلب هذه المصانع  تتمركز في بعض قرى الجيزة، والفيوم، بالإضافة إلى البساتين، وبولاق الدكرور، والقليوبية.

وأكد الكومي ضرورة تغيير ألية تعامل الدولة مع هذه المصانع واتباع سياسة تختلف عن سياسة الغلق لان صاحب المصنع يعيد افتتاحه مرة اخرى  اعتقادا منه بأن الدول تريد محاربته وتحميله بالضرائب فقط ، دون ان يدري ان يعمل على إيذاء وتدهور صحة المجتمع من خلال تجاهل الاشتراطات الصحية في الصناعة، لذلك يجب مساعدته من خلال قروض ميسرة بدن فائدة لتحديث وتطوير صناعته .

وأكد رئيس جمعية المرابة وحماية الجودة: "برغم لمجهودات التي تبذلها الاجهزة الراقبية فإنها لا تستطيع ملاحق كل المصانع التي تعمل في الخفاء بسبب عددها الكبير وتمركزها في محافظات ومناطق مختلفة، لافتًا إلى إن الجهات الرقابية لا تُحكم قبضتها سوى على الأماكن التى تعمل بشكل رسمى والتي يسهل تعقبها".

وتابع: أصبحنا أمام واقع نجد فيه جزءا كبيرا من الصناعة غير منظم، وأن الحل فى هذه الحالة هو إنشاء هيئة سلامة الغذاء التى يعمل من خلالها الجميع بشكل منظم، مع توفيق أوضاع تلك المصانع العشوائية وتدريب العاملين فيها ، وهو ما اتبعته عددا كبير من الدول ومنها سنغافورة وماليزيا التي تحولت من مجرد دول مقلدة للصناعة إلى دول منتجة ومصدرة للتكنولوجيا.

وفي نفس السياق قالت سعاد الديب ، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك في تصريحات عن  المنتجات الغذائية التي يتم تصنيعها في مصانع غير مرخصة " بير السلم": "مادامت معامل بير السلم متروكة للظروف سيظل الوضع كما هو، فوسط حالة الغلاء التى ضربت كل السلع لم يعد المستهلك يجد ما هو فى متناول يده، لذلك يتجه تلقائيا لشراء المنتجات المضروبة كبديل بأسعار زهيدة لتلبية احتياجاته الأساسية".

وأضافت: أصبح القائمون على تلك المصانع المخالفة يجدون قوة شرائية كبيرة على منتجاتهم التى يجرى تصنيعها بعيدا عن أعين الرقابة.

وأشارت رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك إلى أن 70% من المعروض في الأسواق عبارة عن منتجات «بير سلم»، مؤكدة ضرورة أن تتبنى الدولة فكرة إدخال تلك المصانع المنتجة تحت المظلة القانونية على اعتبار أنها مشروعات صغيرة لتخضع للجهات الرقابية، مشيرة إلى أن القائمين عليها من الشباب.

وقالت: للأسف هم ضحايا أيضا، ليست لهم حقوق تأمينية أو صحية، وغلق تلك المشاريع يزيد نسبة البطالة، ودون ذلك سيظل المواطن البسيط هو الضحية.

وتابعت: دورنا من خلال الاتحاد توعية المستهلك بخطورة المنتجات «المضروبة»، ونصحه بالشراء من الأماكن الرسمية المعتمدة حتى يحصل على حقه فى حالة حدوث أي مخالفة، لكن الشراء من أماكن عشوائية غير موثوقة المصدر يصعب من عملية مساندة المواطن الذي يتعرض لمخاطرها.

 مصانع بير السلم هي المختصة فقط

وكان رأفت أبو رزيقة رئيس شعبة الحلوى بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، قد أكد في تصريحات سابقة: إنها صناعة موسمية لم تتطرق لها المصانع الكبرى وتقتصر بشكل كبير على مصانع "بير السلم" والتي تظهر في المناطق الشعبية والأرياف.

وأضاف رئيس شعبة الحلوى أن أغلب المنتجات المستخدمة لصناعة حلوى المولد محلية باستثناء المكسرات والتي يتم استيرادها من دول مختلفة وتوقع ارتفاع أسعار حلوى المولد الذي يدخل فى صناعتها المكسرات المستوردة.

مصانع حلاوة المولد في بير السلم (3)
 
مصانع حلاوة المولد في بير السلم (1)
 
مصانع حلاوة المولد في بير السلم (2)
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق