فيما قيل... وما يقال... وما سيقال... (2)
الخميس، 23 نوفمبر 2017 11:33 ص
عطفًا على المقال السابق ؛ نستكمل اليوم ما شغل الرأي العام الأسبوع الفائت.
أثلج صدري وأثلج صدر كل مصري قرار قصر الإفتاء على عدد 50 عالمًا فقط، تأخر القرار كثيرًا لكن أن تأتي متأخرًا، خيرًا من ألا تأتي ! لقد عانت الفضائيات من سمنة مفرطة، وترهل مزموم لسنوات في هذا الموضوع ؛ إن الفتوى علم وفن وتقنية، لا يجيد مفرداته ولا يحسن أدواته الكثير، ولعلّ من محاسن هذا القرار، قطع الطريق على تجار الدين، والمتمسحين به، والحفاظ على صورة الدين والعمل على إيصال فتوى شرعية صحيحة للسائل وللمجتمع.
إن نظم الفتوى وتقنين آلياتها لهو خطوة تستحق الإشادة ؛ فلكم رأينا وسمعنا من شواذ الفتاوى، ومن شواذ الفكر، ومن فرقوية الكلم، وتبعثرية الجمع، وشق الصف، من أناس لا هدف لهم سوى البحث عن الشهرة، والظهور في الفضائيات، وجمع الملايين. إن علم الفتوى لهو علم عظيم، لا يمتلك مفرداته، ولا ينفذ إلى مقاصده، كل طامع في التلميع، وكل من يريد أن تلصق صورة وبالحجم الأكبر من الطبيعي على الطرقات والشاشات الإعلانية...
إن الدولة باتخاذها مثل تلك الخطوة إنما تهدف إلى حماية المواطنين ووعيهم من الشتت والعبث الفكري ؛ فهي مسؤولية الدولة كان عليها الاضطلاع بها قبل ذلك بكثير ؛ ونتمنى على الدولة المزيد من الخطوات التي تهدف إلى إيصال صحيح الدين، وسماحته، وشموليته، لا نقول إلى المسلمين فحسب، بل إلى الناس أجمعين.
على ألا تكون تلك الخطوة وما سيتبعها من خطوات موجهة، أو أن يتحكم فيها غير مختصين...
**
بعدما أنهيت مشاهدة حوار عماد أديب مع الإرهابي الليبي على شبكة الإنترنت، شاهدت مصادفة ڤيديو للقاء على إحدى الفضائيات مع أحد المحامين والذي أقام دعوى– كعادته– ضد إحدى المطربات على قالة أنها أضرت بصورة ومكانة واقتصاد مصر !! وكان أن كان من سوء حظ المحامي الطامح الطامع إلى الشهرة، أن محامي المطربة هو أحد أساتذة القانون البارزين في مصر والشرق الأوسط، الأستاذ الدكتور حسام لطفي ؛ وأراد المحامي المهووس بالشهرة أن يغتنم فرصة المداخلة التليفونية للعالم الجليل والأكاديمي الأبرز في مجاله، وأن يستثمر تلك اللحظة في تحقيق شهرة مزعومة ؛ فتقمص شخصية الشجاع الذي لا يشق له غبار، ونقل الحديث بسماجة من حديث عن المطربة، إلى حديث عن تاريخ مزعوم من الصولات والجولات في أروقة المحاكم، وكيف أنه- على حد قوله- أقدم في المهنة من العالم الجليل، وكيف أنه محام من طراز فريد، وكيف للدكتور حسام لطفي ألا يعرفه ؟!!
إلا أن الأستاذ يبقى أستاذًا، والتلميذ يبقى تلميذًا ؛ فقد لقنه الدكتور حسام لطفي، لا أقول درسًا ولكن دروسًا في آداب المحاماة، وأدبيات الحوار، وسلوكيات التعامل، ودرسًا قاسيًا في أبجديات القانون والتي يجهلها مثل هذا الممثل الفاشل المدعي زورًا الانتماء لمهنة المحاماة والإلمام بالقانون.
إن مخاطبة العلماء والأساتذة والأكاديميين لا يكون إلا بكل احترام وتقدير، ووجب إنزالهم المنزلة التي يستحقونها...
قناعتي الشخصية أن هذا المحامي الموتور، ما كان يومًا ليحلم بأن يتحدث لأحد تلاميذ الدكتور حسام لطفي، وما كان يحلم أن يستمع لمؤسس قانون الملكية الفكرية في مصر والعالم العربي والأب الروحي له. لكن دعونا نحمل رعونته وحالة التشنج التي ألمت به، وحالة عدم الاتزان التي أصابته، وعدم السيطرة على انفعالاته، وألفاظه، إلى هول المفاجأة غير المتوقعة لنكرة مثله، بأن يستمع إلى صوت دكتور حسام لطفي وعلى الهواء مباشرة...
لست متحدثًا باسم الدكتور حسام لطفي، ولكن الدروس التي لقّنها للمحامي الطامع للشهرة، لهي خليقة بكل احترام وتقدير. على من يريد التعامل مع الأكاديميين والأساتذة العظام، أن يعي قيمتهم وقاماتهم أولًا ؛ فهؤلاء هم قادة المجتمع الحقيقيين وقاطرته نحو المستقبل...
كأكاديمي أولًا، وكقانوني ثانيًا أرفع قبعة الاحترام والتقدير للعالم الجليل الدكتور حسام لطفي، وأثمن أيما تثمين موقفه مع نكرات المهنة، والحشرات المتسلقة...
ونختتم المقال باستفسارٍ بسيط ؛ هل ما صدر من هذه المطربة، يستوجب كل هذا الاهتمام ؟! وأن تفرد لها برامج كامل وقتها ؟! وأن نفتح الباب لكل موتور باحث عن الكاميرا يدلي بدلوه ؟! هل خلت مصر من الموضوعات البناءة والملحة والخطيرة والعاجلة كمادة للبرامج الحوارية ؟! هل ناقشت تلك البرامج مشاكل المواطن الذي يعاني من كل شئ ؟! وهل ناقشت نقص الخدمات ؟! والأهم والأخطر من ذلك، هل ناقشت أسباب الإرهاب وسبل علاجه... هل ناقشت... وهل ناقشت...