سد النهضة وآثاره الخطرة على الأمن القومى المصرى
الأحد، 19 نوفمبر 2017 05:00 م
مجددا نعيد دق ناقوس الخطر، عل أحدا من صناع القرار ومتخذيه فى مصر ينتبه قبل فوات الأوان؛ وقبل أن يتحول الصراع حول الماء إلى صراع حول الدم! فقبل عدة أيام خلت تحديدا فى (12/11/2017) فشل الاجتماع الـ17 لأعضاء اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة الإثيوبى، بحضور وزراء مياه النيل الشرقى، فى التوصل إلى حل للخلافات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول التقرير الاستهلالى المعد من قبل الاستشارى الفرنسى «بى ار ال» حول العناصر الأساسية فى التقرير الذى يحدد منهجية تنفيذ الدراسات الفنية التى تحدد الآثار السلبية لسد النهضة على دولتى المصب مصر والسودان.
وفقا للإعلام المصرى اتهمت مصادر رسمية مصرية معنية بملف مياه النيل، باتخاذ الخرطوم لمواقف مؤيدة لأديس أبابا دون الاستناد إلى المعايير الدولية المعنية بقواعد الاتفاقيات الدولية للأنهار الدولية أو محاولة تقريب وجهات النظر لحل الخلافات، فضلا عن مساندتها الموقف الإثيوبى دون معايير موضوعية تراعى المصالح المشتركة للدول الثلاث.
قال الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الموارد المائية والرى، إن اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة على المستوى الوزارى، الذى استضافته القاهرة يومى 11 و12 نوفمبر 2017 الحالى بمشاركة وزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، قد فشل (ولم يتوصل فيه إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالى الخاص بالدراسات، والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتى المصب) ماذا تعنى هذه المعلومات؟ إنها ببساطة تعنى أن إثيوبيا وبتواطؤ واضح مع السودان قررا التسويف والمماطلة إلى حد إجبار مصر على الخضوع وفرض الشروط المائية عليها والتى تعنى تقليصا كاملا لحصتها المائية الأمر الذى سيؤدى إلى مجاعة لعدة ملايين من سكان مصر مع تبوير لملايين أخرى من الأفدنة ولقد سبق فى هذ المكان قبل أكثر من عام أن نبهنا إلى المخاطر الكبرى التى تنتظر مصر من جراء بناء هذا السد ومن جراء الصمت عليه حتى يكتمل فضلا عن الصمت غير النبيل من قبل مسئولينا المصريين على الأدوار العربية المتواطئة مع إثيوبيا فى إكمال هذه الجريمة وأخص بالذكر والاتهام المباشر كلا من قطر والسعودية وطبعا إسرائيل.. وللأسف لا أحد فى مصر تحرك وأخشى أن يستمرئ مسئولونا الصمت وأن نُفاجأ بالكارثة القادمة قبل أن يتحركوا بشكل جدى والجدية هنا تعنى بالنسبة لنا العمل السياسى بل والعسكرى إن تطلب الأمر فهذا أمننا القومى يتعرض للطعن فى أحد أهم مكوناته؛ (الأمن المائى).. وإلى أن يتم ذلك دعونا ننبه مجددا للمخاطر التى يحملها بناء هذا السد بتلك الطريقة إلى مصرنا الحزينة
أولاً: إن مصر تتضرّر من أن حصتها من المياه والمقدّرة بـ(55.5 مليار متر مكعب) سوف تنخفض مباشرة بمجرّد البدء فى ملء خزانات المياه لهذا السد وقد بدأت بالفعل فى يوليو 2017 لتصل إلى ما قيمته 18 مليار متر مكعب الأمر الذى يهدّد قرابة 5 ملايين فدان مصرية بالبوار، مع انخفاض فى توليد الطاقة والكهرباء من السد العالى بما قيمته (4500 جيجاوات) أى بما يعادل 37% مع حدوث عجز كلّى فى توليد الكهرباء ليصل إلى 41% عاماً مع آثار أخرى أشد خطراً.
ثانياً: من الآثار الخطيرة أيضاً وتم إبلاغها رسمياً من قِبَل وزارتى الخارجية والرى المصريتين منذ سنوات، بهذه الآثار السلبية لهذا السد والذى بدأ امتلاؤه وتخزينه بالمياه فعليا فى يوليو 2017، سوف يكون بمثابة كارثة على مصر، ومع ذلك هم ذهبوا ليدعموه.. إن محاولة استجلاء الجوانب الكارثية لهذا السد نقرأها فى دراسة متميّزة للدكتور جمال صيام نشرت فى 10/1/2016 وحملت عنوان (الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المُحتملة لسد النهضة الإثيوبى وانعكاساتها على مستقبل الزراعة المصرية) من بين ما جاء فيها أن سيناريوهات عدّة ومن بينها ما تصرّ عليه إثيوبيا غالباً من أنها ترغب فى تخزين المياه خلف سد النهضة فى أقل من 3 سنوات وليس 6 سنوات كما طالبت الدول المحايدة، وأن قصر هذه المدة يعنى الجفاف لمصر، وأنه سيناريو سيئ جداً وهنا يقول د.صيام: (إذا ما قرّرت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد فى ثلاث سنوات فقط فسترتفع الكمية المحجوزة سنوياً خلف سد النهضة إلى 24.7 مليار م م نصيب مصر منها 18.5 مليار م م سنوياً ترتفع إلى 25.5 مليار م م سنوياً فى حال الفيضان الضعيف.
الأمر الذى يعنى تبوير 4.6 مليون فدان أى أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافى للمساحة الزراعية المفقودة فيتوقّف على أى المناطق أكثر تضرّرا من غيرها نتيجة لنقص المياه سواء فى الأراضى القديمة أو الجديدة. ومن المتوقّع أنه سيكون لوزارة الموارد المائية المصرية دور فى إعادة توزيع الكميات الواردة على مختلف المناطق آخذة فى الاعتبار العجز الإضافى فى الموارد. ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية فى أراضى محافظات شمال الدلتا. وسوف تتضرّر الأراضى القديمة بشكل أكبر من الأراضى الجديدة، نظراً لأن الأولى تستخدم طريقة الرى بالغمر والثانية تستخدم طرق الرى الحديثة. وجدير بالملاحظة أن الضرر الناشئ عن نقص المياه فى منطقة معينة إما يأخذ صورة تبوير كامل للأرض الزراعية وهذا يمكن أن يحدث فى حال الانقطاع الكامل للمياه، أو يأخذ صورة تبوير جزئى للأرض الزراعية كأن تزرع شتاء ولا تزرع صيفا.
وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية ما يؤثر سلباً على الإنتاجية الفدانية. وفى جميع هذه الصوَر يصبح تجريف الأراضى الزراعية والتغوّل العمرانى عليها أمراً واقعاً. ومن الصعب حينئذ استعادة خصوبة الأراضى إلى ما كانت عليه.
أما بالنسبة إلى الإنتاجية الزراعية وتأثيرات سد النهضة عليها فيتوقع أن تنخفض لأكثر من سبب، الأول نتيجة لقصور المياه عن استيفاء الاحتياجات المائية للمحاصيل، والثانى هو تدهور نوعية المياه بسبب زيادة درجة الملوحة، وزيادة معدّل تدوير المياه.
فى المجمل إذا كان الناتج المحلى الإجمالى حالياً يبلغ 250 مليار جنيه مصرى، فإن قيمة الفقد فى الإنتاج الزراعى تتراوح بين 42 و80 مليار جنيه فى السيناريوهين الأفضل والأسوأ على الترتيب. أما فى ظل السيناريو الأكثر سوءاً على الإطلاق فينخفض الناتج الزراعى إلى النصف.
ويتوقّع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجّه إلى الاتّساع بشكل جوهرى نظراً لأن محاصيل الحبوب وهى عصب الأمن الغذائى سوف تتأثر سلباً بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية، وتتركّز محاصيل الحبوب فى منطقة الدلتا التى ستضرّر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية.
أما عن الآثار الاجتماعية فإن السد سوف ينشئ ظروفاً غاية فى الصعوبة لقطاعات عريضة من السكّان الريفيين خاصة فى المناطق المتضرّرة بنقص الموارد المائية. وبصفة عامة يمكن تقدير عدد السكّان الزراعيين المضارين بشكل تقريبي. وذلك على أساس أن العدد الكلّى للسكّان الزراعيين 40 مليون نسمة يعيّشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 ملايين فدان، فتكون حمولة الفدان من السكّان 4.4 أفراد، أى أن كل مليون فدان يعول 4.4 مليون نسمة.وفى حال السيناريو الأول (أى طول فترة تخزين المياه خلف سد النهضة لأكثر من 6 سنوات والتى سيتم فيها فقد 1.6 مليون فدان) يفقد 7 ملايين نسمة مصدر دخلهم الرئيسى، أما فى حال السيناريو الثانى (أقل من 6 سنوات تخزين مياه) فيزيد عدد السكّان الزراعيين الذين يفقدون مصدر دخلهم إلى 12.8 مليون نسمة. وفى السيناريو الثالث (3 سنوات) وهو السيناريو الإثيوبى الذى تدعمه السعودية وإسرائيل مالياً وبوضوح كامل؛ فسوف يقود إلى زيادة عدد السكّان المتضرّرين الفاقدين لدخولهم 20.2 مليون نسمة أى نصف عدد السكّان الزراعيين.
وستنشأ عن هذه السيناريوهات -كما تذهب دراسة د. جمال صيام الخبير المائى والزراعى المعروف- مشاكل خطيرة تتعلق بالهجرة الريفية المتزايدة إلى المدن وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سبباً فى خلق قلاقل اجتماعية على نطاق واسع ثالثا: إزاء هذه المخاطر لا ينبغى للإدارة الحاكمة فى مصر أن تترك هذا الملف فى أيدى وزير الرى أو بعض الخبراء محدودى الخبرة والرؤية السياسية، كما هو حاصل الآن، إن القضية تجاوزت تلك الحلول التقنية والبحثية وأضحت تتصل بمصير البشر والزراعة والأمن القومى وهو الأمر الذى يحتاج إلى مقاربات مختلفة وإلى إرادة مختلفة، وضرورة إظهار القوة (الخشنة) المصرية فى مواجهة من لم يعد يحترم قواها التفاوضية (الناعمة) بل وبات يسخر منها ويبتزها فى رخص وتنطع، كما جرى تحديدا فى الاجتماع الأخير مع السودان وإثيوبيا، والذى فشل نتيجة هذا التقاعس وذلك الضعف فى إدارة الأزمة. خلاصة القول أن مصر فى خطر وأمنها القومى يتعرض للاختراق، من أحد أهم بواباته التاريخية...بوابة مياه النيل.. وآن لمن يحكم مصر أن ينتبه وأن ينبه: أن مياه النيل خط أحمر.. وهو خط يشبه احمراره لون الدم....فانتبهوا يا أولى الألباب!