إلى إثيوبيا.. القاهرة فى نوفمبر 2017.. ليست القاهرة فى نوفمبر 2010
الأحد، 19 نوفمبر 2017 02:30 م
تقترب القاهرة من اختبار صعب، يثقل كاهلها الرازخ تحت أنقاض وطن دمرته مطامع دول طامحة فى خطف ورقة التوت التى تستر «قلة ذات اليد»، وتكشف الضعف الواضح فى التأثير على مجريات الصراعات العنيفة التى تشهدها منطقة تغلى على صفيح من التدخلات السافرة.
النار التى تحاصر مصر من الاتجاهات الثلاثة، يبدو أن عملية إطفائها قد تستغرق وقتا أطول مما كنا نخطط، خاصة أنه كلما أخمدنا فتنة، ظهرت أختها أشد وأكثر إيلاما.
الشرق على شفا الانهيار، من حرب على باب المندب، وأخرى تكاد تصل إلى خليج العقبة، بينما الغرب يبث سمومه، بعد أن بلغ عدد المزايدين الزبى، وليقترب التنين من العبث هو الآخر، آملا فى حجز مقعد على طاولة التسوية البعيدة.
أما الجنوب، فندفع فى أزمته فواتير 40 سنة من التكبر والغرور، والإهمال والتعالى، لكن الغاضبين ذوى البشرة السمراء، باتوا لا يفرقون بين يد ممدة بالسلام والحوار والعقل، وبين أياد تستغل حالة التنمر السائدة فى الهضبة الإثيوبية.
لم تسفر الجولة «الشكرية» عن جديد، رغم محاولات التمويه، وأسوار السرية، فالحليف ما زال حليفا، ممسكا بمقدرته على إيصال سفن العون، لكن العدو الذى لا يزال عدوا، قرر أن يضخ فى شريان الكراهية مزيدا من المليارات، ليدفع القاهرة نحو الخيار الصعب.
تبحث أديس أبابا عن مصالحها، وفى سبيل ذلك تتحالف مع الشيطان، الذى قد يحمل جنسية صينية أو إيطالية أو حتى قطرية أو تركية، هذا حقها، لكن من حق القاهرة هى الأخرى أن تبحث عن مصالحها، حتى ولو تحالفت مع ذات الشياطين، أو شياطين أخرى.
كُتب التاريخ، يكتبها المنتصرون، والمنتصرون دائما وأبدا من يملكون القوة، والقوة خليط عسكرى وسياسى واقتصادى، ووقت أن كنا نمسك بزمامها، لم تجرؤ إثيوبيا على تهديد مصالحنا ذات الترتيب المتقدم.
حتى عندما كنا نتراجع اقتصاديا، وكان ميزان القوة يميل ناحية الشمال، تجرأت إثيوبيا، فقوبلت بتهديد علنى من السادات، ولما عاودت، بعث مبارك برسائل غير مباشرة متتالية تحمل معانى التهديد.
لكن فى قمة ضعفنا، وفى لحظات كان الوهن يعتصر قلب مصر، وتصلب الشرايين يمنع وصول الدم إلى عقل الحكمة، خطت أديس أبابا خطوات نحو إعلان حرب العطش، على الدولة المصرية.
وفى غفلة من حكم الإخوان، تفجرت فضيحة فيديو اجتماع مرسى مع رؤساء الأحزاب والسياسيين، وحدث ما حدث فيه من انكشاف لضآلة الفكر، وانحسار القدرة، وضعف الرؤية، وهوان القرار السياسى.
تلقفت الحكومة الإثيوبية الفيديو، وصار كبنزين يقذف على كرات النار المشتعلة فى قلوب الإثيوبيين، فصار كل مصرى عدوا، وبات السد أكثر من مجرد حلم، أو مشروع قومى، بل «تار بايت» يجب أن يؤخذ من المصريين. جاء السيسى للحكم، بعد أن انقضى نصف المدة الزمنية لبناء السد، وبعد أن بلغ ضعف الدولة المصرية مداه، وقتها لم يكن بالإمكان، الإقدام على تهديد عسكرى، وسط بحر من الأعداء، تتقاذف أمواجه سفينة مصر المهترئة. فكان خيار السلام، ومد اليد للحوار.
لكن ما حدث منذ اجتماع السيسى وديسالين على هامش قمة الاتحاد الإفريقى فى 25 يونيو 2014، وحتى إعلان إثيوبيا والسودان رفضهما للتقرير الاستهلالى الذى سبق الاتفاق عليه، يشير إلى نكوص الخرطوم وأديس أبابا على عقبيهما.
على حكام الخرطوم وأديس أبابا، أن يدركوا أن القاهرة فى نوفمبر 2017، ليست كالقاهرة فى نوفمبر 2010، وقت الانتهاء من تصميمات السد، القاهرة الآن وبعد سبع سنوات، أصبحت تمتلك القدرة على حفظ أمنها بالشكل الذى تراه مناسبا لها، وموائما للخطر الذى تتعرض له.
وإذا كانت القاهرة تدفع مجبرة نحو خيار القوة، فعلى من يهدد الدولة المصرية أن يتحمل نتيجة أفعاله، ونتيجة رضاه على ترك العابثين بأمن إفريقيا، يمرحون فى مخططاتهم، ووقتها، لن يكون هناك حلم، أو مشروع قومى، أو حتى ثأر مدفون فى القلوب، بل سيكون كابوسا، سيفيق الغارقون فى أحلام التعطيش، على واقع حالك.