فيما قيل... وما يقال... وما سيقال... (1)
السبت، 18 نوفمبر 2017 01:32 م
زخر الأسبوع المنصرم بأحداث جسام، نتطرق لثلاثة منها :
أُعلن عن سبق صحفي، وانفراد نادر، للقاء الإعلامي عماد أديب مع الإرهابي الليبي، على نطاق واسع قبل إذاعة اللقاء مساء الخميس الماضي. الجميع كان يرقب اللقاء الجلل، وأذناه عطشى للانفراد، خاصة وأن اللقاء يأتي بعد عملية إرهابية قذرة خلّفت أرامل وأيتام وأكلمت قلوب أمهات وأدمعت عيون آباء وهزت المجتمع المصري كله وأوشحته الحزن ؛ لكن خاب أمل الجميع، إلا القلة القليلة منهم والتي أنتمي إليها. لم يكن اللقاء ملبيًّا لسقف طموحات المنتظرين، ولا لسقف سيارة يقودها شخص فارع الطول. إلى الآن لا يوجد جديد، وتداولت أقلام كثيرة الموضوع، استفاضت وتشفّت أيضًا، لكن دعونا ننظر للأمور بمنطق "رب ضارة نافعة"، ظهور الإرهابي الليبي على شاشة التلفاز المصري لهو خير هدية لا أقول للمصريين فحسب بل للعرب والمسلمين جميعًا.
الهيئة التي ظهر بها والأريحية التي تحدث بها، والهدوء الذي تمتع به، والثقة التي لازمته طوال الحوار، رغم أنه أفلت من موت محقق، وينتظره موت أكيد، كل ذلك يجعلنا نغفر للقناة ولعماد أديب، سوء الإعداد، والابتعاد عن المهنية، الأمر الذي يوضح أن الهدف لم يكن سوى تجاريًّا فقط، وبحثًا عن نسبة مشاهدة أعلى، وإعلانات أغلى، حتى لو كان ذلك على حساب قواعد المهنة ومبادئ الأخلاق...
عودة لاستثمار الموقف من جانبنا، وقنصًا للإيجابية غير المقصودة منه، وهي أن هذا الإرهابي ومن على شاكلته، قد وصلوا لمرحلة لا أقول غسيل مخ، ولكن استبدال مخ، وإحلال لإرادة محل أخرى، ولسان محل آخر، وقدم محل قدم، الأمر الذي بمكنتنا القول معه أن الإرهابي أضحى روبرت، يتم التحكم فيه من على بعد وبريموت كونترول أجنبي الصنع شيطاني الهوى، لكن ما الذي دفع مثل هذا الشاب وأقرانه إلى ذلك ؟! وما الذي أوردهم موارد الهلاك ؟! وأسلكهم دروب الخراب ؟! حتى يرفع السلاح على أهله، بعد أن كفّرهم، وأن يضحي بشبابه ومستقبله من أجل فكر مشوّه، وجنة مزعومة يحسبها تنتظره !! قد يخالفني البعض إذا ما قلت إنه ضحية قبل أن يكون مجرم، ومجني عليه قبل أن يكون جاني، قتيل قبل أن يكون قاتل، إنه ضحية الإهمال ؛ إهمال الأهل والمدرسة والجامعة والمجتمع المدني والدولة، ضحية تقصير كل هؤلاء في حماية أنفسهم قبل حماية الآخرين، ضحية فشل كل هؤلاء في احتوائه وحمايته من أيادٍ عابثة، وعقول مضللة، ونوايا شيطانية ؛ لا أقول بذلك دفاعًا عنه، لكن أقول ذلك لدق ناقوس الخطر، وإطلاق صافرات الإنذار، لحماية شبابنا، والحول دون صناعة إرهابيين جدد، وتجفيف منابع كل تطرف، واجتثاث كل فكر تكفيري إقصائي. ولعلّي أحيلك أيها القارئ الكريم إلى مقالي السابق والمعنون ب "إبحارٌ في عقلٍ مسلوب" للمزيد حول تلك النقطة.
علينا جميعًا التوجه نحو تجفيف منابع الإرهاب بشتى صوره، الإرهاب الفكري وإقصاء الآخر قبل الإرهاب المسلح، لأن الأخير لا يبدأ إلا بالسيطرة على الفكر والعقل، علينا أن نطيل فتح أعيننا نحو أولادنا، نرقبهم ونحميهم، نحمي مجتمعنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وحضارتنا، وعلينا ألا يغمض لنا جفن، وألا يستريح لنا جسد قبل القضاء على الإرهاب والإرهابيين، وننطلق نحو التنمية واللحاق بركب العالم المتحضر...
وقديمًا قالوا الوقاية خير من العلاج ؛ والسؤال الآن :ماذا سنقول لأولادنا إذا ما تمادينا في تقصيرنا نحوهم ؟!
وهناك خطوة جادة ومهمة قامت بها الدولة في هذا الصدد، نتناولها في المقال القادم إن شاء الله.
يتبع...