قراءة في عقل إرهابي.. بهدووووء
الجمعة، 17 نوفمبر 2017 10:08 ص
انتظرت بشغف انفراد قناة الحياة والإعلامي الكبير عماد أديب، بشأن لقاء الإرهابي عبد الرحيم عبد الله المسماري، ليبي الجنسية، ومقيم في مدينة درنة بليبيا، متهم في حادث الواحات، الذي استشهد فيه 16 ضابطًا ومجند من خيرة شباب هذا الوطن الصلب، وذلك برفقة آخرين نجح رجال الجيش المصري والداخلية في استخراج شهادات وفاتهم على تراب مصر، وقلت لنفسي على هذا الانفراد "كم بدا النور باهرا وسط تمام الظلام".
ولكن النور لم يكن على قدر كافٍ، فتابعت بابتسامة قد تكون أول مرة تزور وجهي، وسأكتفي بهذه الابتسامة لأنني- في قناعتي الشخصية- لا أستطيع أن أحكم على قيمة وقامة بحجم- الحجم هُنا مهنيًا فقط- عماد أديب، ويكفي أن علامات التململ بدأت- ومثلي كثيرون- تسيطر عليّ.
الأهم من ذلك هو الأسس الدينية والمرجعيات التي استند عليها المسماري في حديثه وإجاباته، عدم التردد في قول "الرسول قاتل أعمامه"، صُعقت من هذه الإجابة، وبطبيعة إدارة الحوار جعلتني أسرح بذهني بعيدًا للتفكير في عدة أسئلة:
أولاً؛ كيف لشخص مواليد 92 أن يكون قارئًا مُلمًا بالتاريخ الإسلامي ورسوله وخلفائه الأربعة وأئمته وفقهائه والخلافات الأموية والعباسية والعثمانية وغيره وغيره؟
ثانيًا؛ ما الفترة التي احتاجها مروضو هذا الإرهابي للمقدرة على عمل مسح كامل لخلايا دماغه، وبناء هذه الأفكار والمعتقدات الشاذة والمقتطعة والهدامة؟
ثالثًا؛ هل كان الحوار معه يحتاج عماد أديب أم شخصية إعلامية أخرى.. أم شخصية دينية بحكم أننا بلد الأزهر (الإسلام الوسطي)، أم مناظرة جماعية لشيوخ بالوكالة من شيخ الأزهر؟
رابعًا؛ هل الفائدة من استضافة الإرهابي هو إعادة تأهيله مرة أخرى وتقويمه وإيقاظ ضميره أم كان الهدف كشف منابع التمويل واستراتيجيات؟ التعامل والتخطيط والتنفيذ وكيفية التواصل فيما بينهم، وفضهحم أمام العالم.
خامسًا: سؤال لولبي لم يخطر على بال بشر طرحه الأستاذ عماد "أنت بعد ما تقتل بتنام عادي ضميرك ما بيأنبكش؟".
وأكثر وأكثر إلى أن صحيت من غفلتي على جُملة للبطل محمد الحايس، "تعرف إنك بطل"، لم أستطع أن أفرق هل هي استفهامية أم إضافة معرفة؟.
ووجدت من محاورة عقلي وضميري أريحية أكثر من التركيز بكامل قواي العقلية معهما، فبدأت أطرح إجابات قد تكون- لنفسي- منطقية إلى حد ما:
أولا: شخص انضم للتنظيم بعد اشتعال الثورة الليبية في 2011، وأظن أنه لو قرأ كتابًا كل يوم لن يستطيع أن ينتهي من دراسة كتب التاريخ الإسلامي ومؤرخينه ومنتقديه وأعدائه، ورغم اقتطاعه لبعض الجُمل التي حفظها عن ظهر قلب من كثرة ترديدها أمامه من مضلليه، كطفل يحبو ويسمع اسم والدته مرارا وتكرارا من والده حتى يكرره مثل "البغبغان"، مع اختلاف الهدف من المثالين، فهو شخص ضحل بالمعرفة، بالتاريخ، وبأسس الأديان السماوية.
ثانيًا؛ إجابة السؤال الأول توحي لك بأنه فريسة سهلة كعاهرة تجدها صدفة في شارع جامعة الدول لا تريد سوى مكانًا للنوم حتى صباح اليوم التالي.
وثالثًا متشعبًا لعدة محاور
- كنت أتمنى أن يكون الحوار غير مقتصر على قناة واحدة أو إثنتين، نحن نحاول أن نبني كيانًا إعلاميًا يحافظ على هيبة الدولة والرد على المشككين والمنفذين لأجندات خارجية تضر بأمن مصر القومي، وهذا لن يكفيه مئات المقالات.
- كنت أتمنى أن يكون الحوار مترجمًا للإنجليزية على الأقل.
- كامل التقدير للإعلامي عماد أديب، ولكن "إزاي ترزي بدل في جاردن سيتي تودي له جلابية بلدي"، بمعنى أن الأستاذ عماد أديب سأل الإرهابي "هل تدينك يؤهلك لتحكم على الناس بالكفر أو الإيمان؟"، وأنا أقول له على نفس المنوال "هل أعطاك الأزهر الإجازة بتقويم هذا الشخص دينيًا؟"، وفي قول آخر "هل أجاز لك طبيب نفسي بتحليل ودراسة تصرفات هذا الشخص وإعادة تأهيله؟".
- كنت أتمنى أن يشارك الأستاذ عماد أديب إعلامي أو إثنين برفقة شيوخ يجيز لهم الأزهر ذلك، وأسعد أكثر إن كان الشيخ أحمد الطيب بنفسه.
وأما رابعًا سأترك الإجابة لكم والتوضيح من الفائدة من هذه الاستضافة.
وأخيرًا وليس آخرًا، علينا أن ندرك أن هناك فرقًا كبيرًا بين ذنب الفاعل (الممول وفق أجندات تهدد أمن المنطقة) وذنب التابع (الجاهل علمًا ودينًا)، وذنبنا نحن كبلد المؤسسة الأم الأزهر، في أن نترك مثل هؤلاء يتلاعبون ويقتطعون ما يريدون من القرآن والسنة والأحاديث القوية والضعيفة، حتى ينفذون خططهم التي تبيح قتل النفس وتهديد الأوطان وتشتيت الأسر وحسرة الأمهات.
وجئنا للسؤال اللولبي خامسًا: يا أستاذ عماد إجهاد الصوت لا فائدة منه، فهؤلاء قوم صمتهم بمعصية وحديثهم لمعصية.
أرجو كمواطن مصري ولست مجددًا، من شيخ الأزهر الجليل أن يحسم أزمة خوارج هذا العصر، من خلال- على الأقل، تشكيل لجنة من خيرة هذا الرواق التاريخي الذي علم الأمة الإسلامية الإسلام الوسطي، للوقوف عند أفكار هذا الداعشي وتحليلها وتفحيصها، مع الاستعانة ببعض البيانات الصادرة عن مثل هذه الجماعات.
شيخنا الجليل، لا أطلب المستحيل، ولكن أتمنى أن تكون هناك ردود على أرض صلبة بالحجة كما تقولون وبـ"صنعة" كما نتداول في الرواق الصحفي، ردود تكذب كل هذه الجُمل المقتطعة، ردود تهدم كل هذه الأفكار المضيعة للأوطان، ردود قد تكون ثمرة تجديد الخطاب الديني على حق.
أكررها يا شيخنا، لا أطلب المستحيل، فأنا شاب على مشارف الثلاثين ربيعًا، لا أريد باقي عمري خريفًا، أريد لطفلي عندما يكون في مثل عمري ألا يكون ضحية مثل غيره، أريد لابني مستقبلا آمنًا علمًا ولا يقل عنه دينًا، أريد لكل أسرة ألا تكون كيغيرها تدمرت بسبب طفل طائش انساق وراء أفكار ومعتقدات شاذة، أريد لأمي ألا تبكي كلما رأت شهيدًا جديدًا يلحق بما قبله في الجنة، نعم الجنة ولكن غريزة الأم الذي وهبها الله لست أنا أو أنت، أريد لمصر أن تبقى خالدة أبد الدهر آمنة لأولادي وأولاد شقيق وأولاد كل مواطن مصري شريف يحب تراب هذا البلد.
أعرف أن مهمة إيقاظ الله في نفوس تريد أن تنسى فكرة وجوده صعبة، ولكن إن لم يكن الأزهر فمن لها؟ نحن في أمس الحاجة للرد بالحجة والأدلة والبراهين، ومواكبة العصر في تجديد الخطاب الديني، والقبول بالاجتهاد والرأي الآخر والنقد البناء، دعنا نُنحي الخلافات على تماثيل عارية واجتهاد شخصي لفرد ما أو رأي شخصية ما، جانبًا، ونتحد لتجديد الخطاب الديني، نحن في معركة مؤسسات لا أفراد.