الدوافع النفسية للهجرة غير الشرعية
الجمعة، 10 نوفمبر 2017 05:01 م
الهجرة غير الشرعية محور من محاور منتدي شباب العالم تم تناوله في عدة جلسات.
لذلك سوف نرصد ونحلل الدوافع النفسية للهجرة غير الشرعية الرغبة فى تحقيق الثراء السريع ليست كل شىء. من يقول إن المهاجر غير الشرعى يبحث عن المال فقط لا يعرف أنه يبحث عن الحياة أيضًا.
وفى الطريق، يمكن أن يموت غريقًا أو قتيلًا أو بالسكتة القلبية، ويتحول إلى وجبة دسمة لأسماك القرش، هل يجهل هذا المصير «المحتمل»؟
بالتأكيد لا، يعرف المصير تماما، والسؤال الآن: لماذا يقع المصريون فى الخطأ ذاته، ويستسلمون للخدعة نفسها رغم ما سمعوا عنه وشاهدوه من «مآسى» سابقة على أيدى نفس سماسرة البشر الذين يدفعون بهم إلى المجهول، ويغرقون المركب، ويسلمون أنفسهم كـ«صيادين» ضاعوا على الحدود؟
السؤال يطل على رافدين، الأول خاص بسماسرة الموت السريع فى المتوسط.. والثانى خاص بالضحايا (غرقى الهجرة غير الشرعية).
نفسية النصاب تسيطر على سماسرة الهجرة غير الشرعية، وركزت دراسة أجراها معهد «شيكاجو» للدراسات السيكوباتية عام ٢٠١٣ على سمات النصاب، سواء كان مجرمًا أو قاتلًا أو حرامى غسيل، فجميعهم يشتركون فى الطبيعة ذاتها، بداية من «الرئيس النصاب» وحتى سائق التوك توك.. مرورًا بسمسار الهجرة.
وعبر الرنين المغناطيسى الوظيفى وتحليل الجينات، قالت الدراسة إن ٦٠٪ من النصابين لديهم نشاط زائد فى مناطق المخ المسئولة عن التفاوض والتواصل مع الآخرين، إلى جانب وجود صفات جذابة، تجعل منهم شخصيات «مطلوبة اجتماعيًا»، وهى القدرة على الكذب والخداع والقدرة على الإقناع وإيهام الناس بأنهم يملكون قدرات خاصة.. بجملة «كل شىء تمام وزى الفل».
ربما يعد ذلك مدخلًا نفسيا إلى سماسرة الهجرة غير الشرعية، قدرته على الإقناع- تحديدًا- تجبر الجميع على تصديق أكاذيبه، خاصة أنه يستند على تاريخ طويل من الرحلات الناجحة إلى إيطاليا، التى عاد رجالها أغنياء، أثرياء، أسسوا قرى فى دلتا مصر على الطراز الإيطالى، وتباع فيها الأراضى باليورو وليس بالجنيه المصرى.
المدخل الثانى هو علاقة «السماسرة» بمسئولين ومشاهير وشخصيات مهمة تستطيع اللحاق بهم فى آخر لحظة، ويؤيد ذلك كثرة تواجدهم فى الأقسام، والمقاهى العامة، وخلافه، وامتلاكهم سيارات فارهة، وساعات مرصعة بالمجوهرات، وملابس «سينييه». ينطبق ذلك على النصابين الكبار، لكن فى حالة «السماسرة» ينطبق عليهم جزء منه وهو أنهم على علاقة بعمدة القرية، ومأمور القسم، ومجندين يسهلون مهماتهم.. ما يسهل مهمتهم فى إيهام الضحية بأن هذه الهالة حقيقية، ولا شك فيها، وكل شىء سيسير على ما يرام، فلا تقلق.
يعرف النصاب أن ضحاياه سطحيون، وإلا ما وثقوا فيه، أو داروا حوله، أو استسهلوا مهمة استغلاله، يتلاعب على وتر «الاحتياج»، والكلام المعسول.. حتى يقبض مبلغًا.. يعرف أنه ربما يغرق المركب ويكون مكسبه الوحيد.. أو يعبر إلى البر الآخر، فيقبض الجزء المتبقى.
يشبه سماسرة الهجرة المجهولون النصابين الكبار، لهم نفس الأسلوب لكن هذا على مستوى ضيق، والآخر على مستوى «رفيع».. سماتهم متشابهة، ومتطابقة أحيانًا: السيارة الفارهة، والسائق، والمكتب الفخم، وصورًا مع علية القوم، وأعضاء مجلس النواب، وضباط «رتب»، وفنانين، ومطربين شعبيين، ولاعبى كرة.
ولأن المشاهير- كما يقول علماء النفس الاجتماعى- عنصر جذب يتم استخدامهم فى الإعلانات والدعاية ويستخدمهم النصاب فى إقناع الناس بأنهم «عملاء عنده»، ما يجعل الضحية تقتنع أنه استحالة أن يخدع النصاب هؤلاء المشاهير ولكن بعد انكشافه يكتشف المشاهير أنهم «ضحايا للنصاب» ولم يستغلوا كما خططوا.
الرافد الثانى، الذى لا يمكن أن تتم عملية النصب الكاملة بدونه، هم الضحايا، المهاجرين، الذين يبحثون عن أى فرصة للهروب مهما بدت– شبه مستحيلة – لكن هناك من جرَّب ونجح، وخرج سالمًا، يكون «المهاجر» صاحب ضربة البداية فى عملية الخداع، يقنع نفسه– دون أن ينتظر أحدًا يقنعه– أن كل شيء سيمر بسلام، وأمان، وهدوء، المركب سيصل إلى البر الآخر، سيعوم، سيختبئ لفترة، سيقع فى يد الأمن، ثم يطلب «تسوية» يحصل بعدها على إقامة دائمة ويصبح من «البارونات»، الذين يتعاملون بالدولار واليورو والجنيه الأسترلينى وينسى الجنيه.
يتحمل المهاجر مسئولية الضربة الأولى، ينصب على نفسه قبل أن ينصب أحدهم عليه حين يسمع عن نماذج هاجرت، ووصلت بسلام، وحققت ملايين اليورو، وعادت.. هنا تبدأ مرحلة سماسرة الموت.. الذين يبهرون «الباحث عن هجرة» بروايات جديدة، وأساطير أخرى عن فلان الذى زوج أخواته البنات واشترى أرضًا، وفلانة التى تلبس ذهبًا من أصابع قدميها وحتى شعرها بفضل زوجها، الذى هاجر قبل ١٢ عاما، والآن هو «مالك صرافة».
شهوة الربح السريع، الثراء الذى ينتظر على البر الآخر، الملايين الجاهزة لا تبخل على من يريد أن ينقض عليها، لها تأثير المخدرات، فالدراسات الحديثة التى تربط علم النفس بالاقتصاد «علم الاقتصاد النفسى العصبي» تؤكد أن هناك خلايا تنشط فى المخ فجأة، وتفرز مواد «محفزة» حين يشعر الشخص أنه سوف يحصد أموالًا وأرباحًا ومكاسب سريعة، ما يجعله مندفعًا، يتصرف كأنه تحت تأثير البنج.. ويكون مسلوب الإرادة، لديه هدف واحد يسير إليه ليحققه.
هكذا كل المقامرين.. يتعاملون وكأنهم تحت تأثير البنج.
هكذا المتعاملين فى البورصة، يحققون أموالًا طائلة مع بداية دخولهم أى مجال، وأحيانًا يغرقون.
القمار ليس لعبة إنما أسلوب حياة.. حين وضعه التقسيم الحادى عشر للطب النفسي، الصادر عن منظمة الصحة العالمية، ضمن اضطرابات الإدمان لم يقصد الورق.. إنما الفكرة.. فكرة المقامرة.. التى تذهب العقل!
شارب الخمر يصحو من بعد سكرته.. ومدمن المقامرة يظل طول العمر سكرانًا.. والمهاجر غير الشرعى أيضًا.. إما أن يفيق لحظة الحقيقة.. لحظة انكشاف كل شيء.. حين يجد نفسه محبوسًا داخل ثلاجة السمك بالمركب، أو على سطحها «منقلبًا» فى البحر، أو يظل «سكرانًا» مستسلمًا للإغراء لدرجة تجعله مقبل على الموت مقابل «دولارات» أخرى يتوقع أن تدخل جيبه، فخلايا الطمع نشطة، والمواد «المحفزة» لا تزال «تفرَز».