لماذا تعد ضرائب السجائر والخمور "حلال"؟.. الإفتاء تكشف الأسباب

الأربعاء، 08 نوفمبر 2017 02:30 م
لماذا تعد ضرائب السجائر والخمور "حلال"؟.. الإفتاء تكشف الأسباب
خمور
كتب- إسراء الشرباصى

بعد نشر «صوت الأمة» تقريرا حول المخدرات فى مصر، الذي طرحت فيه تساؤلا: لماذا لم تقنن الدولة تجارة المخدرات والحشيش؟ فى الوقت الذي تقنن فيه الخمور ويحصلون منها على ضرائب، على الرغم من أن تجارة الحشيش على وجه أخص منتشرة جدا ويتوسع انتشارها مع مرور الوقت ومن الممكن أن تجمع الحكومة ضرائب من تجارته تتجاوز ملايين الجنيهات.

وفى هذا السياق، نجد دار الإفتاء المصرية أعلنت أن الاستفادة من الضرائب المفروضة على الخمور والسجائر جائز شرعًا، وأن تعاون المسلمين في مع الدولة في ذلك وأخذهم لهذه الأموال في سبيل دعم الصحة العامة ومكافحة شرب الخمر والسجائر جائز شرعًا، ولا حرمة فيه، وذلك للأسباب الآتية:

-إن هناك فارقًا كبيرًا بين ثمن الخمر والضريبة على الخمر، فثمن الخمر هو المال الذي يدفع عوضًا مقابل شراء هذه السلعة المحرمة، والخمر حرام بإجماع المسلمين، وثمنها حرام بالإجماع بين المسلمين في دار الإسلام، فلا يجوز شراؤها ولا بيعها ولا أخذ ثمنها بين المسلمين.

أما الضريبة فيعرفها أهل الاقتصاد بأنها: اقتطاع جبري تجريه الدولة على موارد الوحدات الاقتصادية المختلفة بقصد تغطية الأعباء العامة وتوزيع هذه الأعباء بين الوحدات المذكورة طبقًا لمقدرتها التكليفية، أي إنها مقدار محدد من المال تفرضه الدولة في أموال رعاياها سواء كانوا أشخاصًا طبعيين أو اعتباريين، فتفرض على الأملاك والأعمال والدخول والتجارات والشركات وغيرها نظير خدمات والتزامات تقوم بها الدولة لصالح المجموع، وهي تختلف باختلاف القوانين والأحوال، وإنما تعمد الحكومات إلى ذلك؛ لتغطية النفقات العامة والحاجات اللازمة للمواطنين، باعتبار أن المصالح العامة تستلزم نفقات تحتاج إلى وجود موارد ثابتة، لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه مهام الدولة المدنية واتسعت مرافقها.

ومن ذلك يتضح أن الضريبة التجارية حق مدني يستقطع على قدر الدخل التجاري، وليست ثمنًا للسلع التي تحصل فيها التجارة، فلا علاقة لها بكون السلعة حلالًا أو حرامًا، وحينئذٍ فلا تكون الضريبة على الخمر أو السجائر ثمنًا لأي منهما، فلا تكون الاستفادة منها حرامًا.

2- هذه الضرائب بدخولها إلى خزينة الدولة قد انتقلت إلى ملكيتها، وأصبحت جزءًا من ميزانيتها ومواردها، ولو قال قائل: إن هذه الضرائب حرام فإن ذلك لا يستوجب تحريم الاستفادة منها، لأنها مختلطة بغيرها من الموارد لا تتميز عنها، ووسيط التبادل بين الناس الآن أوراق البنكنوت وهي لا تتعين بالتعيين، لأن قيمتها في قوتها الشرائية لا في نفس أعيانها، ومن المقرر شرعًا أن «الحرمة إذا لم تتعين حلت»، ونص الفقهاء على أن الحرام لا يتعدى لذمتين، لأن الوصف بالحل والحرمة إنما هو لأفعال المكلفين، لا للأشياء والأعيان.

- هذه الضرائب المدفوعة على تجارة الخمر والدخان ستستخدم في مكافحة شربهما، وهذه طريقة مبتكرة تجعل الحد من شرب هذه الخبائث مشروعًا يتناسب طرديًّا مع مدى انتشارها، فكلما زاد انتشارها والاتجار فيها زاد الإنفاق على مكافحتها وتقليل شربها، وهي وسيلة جيدة وفعالة في إنكار المنكر، وقد أمر الشرع بإنكار المنكر بالوسائل المختلفة، ووسائله كثيرة تتغير بتغير الزمان والمكان والبيئات والعصور والأعراف، ومن المقرر أن «الوسائل لها أحكام المقاصد».

- أنها حتى لو كانت حرامًا فإنه يجوز صرفها في المصالح العامة، فقد نص الفقهاء على أن الحرام يجوز صرفه في المصالح العامة، ولا شك أن مكافحة شرب هذه المحرمات من المصالح العامة، لأن في مكافحتها حفاظًا على مقصود مهم من المقاصد العليا في الإسلام، وهو حفظ العقل الذي به بناء الإنسان، وقد مثل الفقهاء في المصالح العامة ببناء القناطر والطرق وغيرها، ولا شك أن بناء الإنسان مقدم على بناء البنيان.

قال الإمام النووي الشافعي في كتابه «المجموع شرح المهذب» قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، كالقناطر والرُّبُط والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء.. وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حرامًا على الفقير بل يكون حلالًا طيبًا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرًا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته، لأنه أيضًا فقير.

وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب -وهو كما قالوه- ونقله الغزالي أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف، وعن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع، لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر، فلم يبقَ إلا صرفه في مصالح المسلمين.

بل يرى الحنابلة والظاهرية أن قبول المال الحرام الذي يخرجه صاحبه من ماله واجب، لأنه تعاون على البر والتقوى: قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في «الفروع»: «وإن وهبه لإنسان فيتوجه أن يلزمه قبوله، لما فيه من المعاونة على البر والتقوى، وفي رده إعانة الظالم على الإثم والعدوان، فيدفعه إلى صاحبه أو وارثه، وإلا دفعه إلى الحاكم أو تصدق به، على الخلاف، وهذا نحو ما ذكره ابن حزم، وزاد: إن رده فسق، فإن عرف صاحبه فقد زاد فسقه وأتى كبيرة».

- من المقرر شرعًا جواز قبول العطايا والهبات من غير المسلمين، لأن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش كما في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وهذا يشمل كافة أنواع العلاقات الإنسانية من التكافل والتعاون أخذًا وإعطاءً على مستوى الفرد والجماعة، وقد جاءت السنة النبوية المطهرة بقبول عطايا غير المسلمين، فعن علي رضي الله عنه قال: «أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم»، رواه أحمد والترمذي وحسنه.

واستدل العلماء أيضًا على ذلك بقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدية من سلمان الفارسي رضي الله عنه قبل إسلامه، يقول الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/ 40، ط. دار إحياء التراث العربي): «وفيه قبول هدية الكافر؛ فإن سلمان رضي الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك، وإنما أسلم بعد استيعاب العلامات الثلاث التي كان علمها من علامات النبوة» اهـ.

-الفقهاء نصوا على قبول المسلم رد غير المسلم لدينه من ثمن الخمر، لصحة بيعه لها، وهذا التعليل يقتضي جواز قبول عطائه من ثمن الحرام الذي يصح له بيعه أيضًا؛ قال الإمام الحصكفي الحنفي في «الدر المختار» (6/ 385، ط. دار الفكر): [وجاز أخذ دين على كافر من ثمن خمر)؛ لصحة بيعه (بخلاف) دين على (المسلم)؛ لبطلانه، إلا إذا وكل ذميًّا ببيعه فيجوز عنده خلافًا لهما] اهـ.

- إن المفتى به في هذا الزمان على ما هو مذهب السادة الحنفية هو جواز التعامل بالعقود الفاسدة مع غير المسلمين في ديار غير المسلمين، حيث ذهب الإمامان أبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا ربًا بين المسلم وغير المسلم في دار غير المسلمين، وأن المسلم في تلك الدار له أخذ أموالهم بأي وجه كان؛ ولو بالعقد الفاسد كالقمار أو بيع الميتة والخمر أو الربا وغير ذلك ما دام برضا أنفسهم، قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني: [وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فلا بأس بأن يأخذ عنهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان؛ لأنه إنما أخذ المباح على وجه عَرِيَ عن الغدر فيكون ذلك طيبًا له، والأسير والمستأمن سواء، حتى لو باعهم درهمًا بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالًا منهم بطريق القمار فذلك كله طيب له] اهـ. نقلًا عن حاشية العلامة ابن عابدين "رد المحتار على الدر المختار" (5/ 186).

وإنما سمى الإمام محمد بن الحسن وغيره دار غير المسلمين بدار الحرب، للتقسيم الذي كان شائعًا في زمان الأئمة الذين ننقل عنهم هنا هذا الحكم، حيث كان العالم كله يحارب المسلمين، فقسم الفقهاء البلاد إلى دار إسلام يقام فيها الإسلام وتظهر شعائره، وإلى دار حرب لا يقام فيها أحكام المسلمين، والتقسيم الحديث بين علماء الإسلام- بعدما انتهت حالة الحرب التي شنت على المسلمين- هو بلاد المسلمين وبلاد غير المسلمين، ولها نفس أحكام دار الحرب إلا فيما يتعلق بنفس الحرب التي لم تعد قائمة، فليتنبه إلى ذلك.

ومراد السادة الحنفية بدار الحرب هنا هو دار الكفر مطلقًا، سواء أكانت الحرب قائمة أم لا، بدليل أن غالب الأدلة التي استدلوا بها كانت لدار كفر لا حرب فيها وهي مكة قبل الهجرة -كما سيأتي- ولم تكن هناك في العالم دار حرب، وصورة الدليل قطعية الدخول في الحكم إجماعًا.

ومن هنا نجد التطابق فى حالتى الضرائب على الخمر والضرائب على المخدرات للأسباب المذكورة على موقع دار الإفتاء المصرية والتى لا يختلف ردها عن الضرائب على المخدرات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق