اطلبوا السعادة ولو فى كوستاريكا
الأحد، 05 نوفمبر 2017 12:00 م
- أسعد شخص فى الكون.. أب لثلاثة ويعمل خمسة أيام ويمارس كرة القدم ويأكل فاكهة ثلاث مرات يوميا ولديه أصدقاء أوفياء
صحيح أن أغلب دول العالم، التى تتخذ من مؤشر السعادة مقياسا للنجاح؛ ترتقى سلم مستويات الدول، لكن دولا أخرى نامية، قررت أن تتخذ ذلك المؤشر مقياسا لنجاحها، مثل كوستاريكا، تلك الدولة اللاتينية، التى أنهكها الاستعمار، والأطماع الخارجية، والمؤامرات الداخلية، فقررت بعد آخر ثورة فيها، أن يكون التعليم، هو العمود الفقرى للخيمة، وأن خط الدفاع الأول والأخير عن كيان الدولة الصغيرة، هو سعادة مواطنيها.
مجلة «ناشيونال جيوغرافيك العربية»، نشرت فى عددها الأخير تحقيقا عن سبل توفير السعادة البشرية؛ شرحت فيه كيف توصل الباحثون الاجتماعيون إلى أن نحو ثلاثة أرباع السعادة البشرية، تغذيها ستة عوامل هى: نمو اقتصادى قوى، متوسط عمر موفور الصحة، علاقات اجتماعية جيدة، الكرم، الثقة، وحرية اختيار نمط الحياة المفضل.
وعلى موقع المجلة، كتب دان بيتنر مقالا مدهشا بعنوان «من هو أسعد شخص فى العالم»، ودونا عن كل بلاد الدنيا، وقع اختيار الباحثين، على رجل يدعى «أليخاندرو زونيجا»، من كوستاريكا، وهو أب لثلاثة أطفال فى منتصف العمر، يتمتع بصحة جيدة، ويخالط الناس وقتا لا يقل عن ست ساعات فى اليوم، ولديه أصدقاء أوفياء، يمكنه الاعتماد عليهم.
ينام «زونيجا» ما لا يقل عن سبع ساعات فى معظم الليالى، ويذهب إلى عمله مشيا على القدمين، ويأكل ست حصص من الفواكه والخضراوات يوميا، ويعمل فقط 40 ساعة فى الأسبوع (ثمانى ساعات فى خمسة أيام فقط)، ويحب عمله الذى يستمتع فيه برفقة زملائه.
فى إجازة نهاية الأسبوع، يمارس «زونيجا» شعائره الدينية، ويستمتع بممارسة رياضة كرة القدم، التى يعشقها كثيرا.
باختصار فإن «زونيجا» يختار لنفسه نشاطات يومية تمنحه الشعور بالسعادة؛ وهى نشاطات يَسهل على أى إنسان على كوكب الأرض ممارستها، لكن الشرط الوحيد أن يعيش بين أناس يشاطرونه فلسفته هذه.
كلمة السر فى زونيجا، أنه قرر أن يستمتع يوميا بالحياة، ويدير ظهره للإجهاد والتوتر، ويحتفى بالبهجة والسرور إلى أقصى الحدود.
هذا النوع من السعادة، يسميها العلماء «السعادة الملموسة» أو الإحساس الإيجابى؛ وتقيسها الاستقصاءات بسؤال الناس كم مرة ابتسموا أو ضحكوا أو شعروا بالفرح خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية.
نعم هناك فارق كبير بين مصر وكوستاريكا، من حيث المساحة وعدد السكان، والمتغيرات الإقليمية، والتقلبات السياسية، لكن أهم فارق جوهرى، أنهم قرروا مواجهة مشاكلهم، ومخاصمة الروشتات الدولية للتنمية، والاعتماد على مؤشر السعادة فقط.
والسعادة ليست فى تحويل ميزانية وزارة الخارجية مثلا إلى وزارة التعليم، أوخصم من ميزانية وزارة الداخلية لصالح وزارة الصحة، لكن قد تكون الخطوة الإيجابية فى أن يكون مؤشر سعادة المواطنين، هو الفيصل فى تحديد موقع موقف جديد للأتوبيسات مثلا، أو عند رفع كفاءة طريق أن تكون الأولوية للرصيف، بأن يتحول إلى مساحة مقدسة لا يمكن العبث بها أو المساس بملليمتر منه.
السعادة يمكن أن تتحقق، فى اختيار نوع معين من الأشجار سريعة النمو، تزرع فى الشوارع، لتحمى الناس من وهج الشمس الحارقة فى الصيف، وتقيهم الأمطار الغزيرة فى الشتاء، بدلا من النخل العقيم الذى لا يقى الناس شمسا ولا مطرا، ولا حتى يمنحهم ثمرا.
السعادة قد تكون بتشجيع أفكار تعاونية بسيطة، تخفف العبء على الأسر، وتمنحهم إحساسا بـ «الستر» كالمشاركة فى ذبيحة شهرية، أو فى شراء الخضراوات والفاكهة من أسواق الجملة، أو منح سكان العمارات حق زراعة الحدائق الخلفية، أو الأسطح بنباتات مثمرة.
السعادة قد تكون فى اتصال تليفونى من إخصائية اجتماعية بالمدرسة، تبلغ الأسرة فيه عن اجتياز ابنها اختبار الشهر بتفوق، أو تكريمه لتفوقه وعبقريته.
السعادة قد تكون فى اتفاق مرتادى دور العبادة، على تحمل أى تكاليف طارئة على جار نتيجة حالة وفاة، أو ولادة توأم، أو زواج البنت.
السعادة تكمن فى سد ثغرات التفاصيل الدقيقة، التى تنغص حياة الناس فى لحظة لم تكن لا على البال ولا على الخاطر.
السعادة أيضا قد تكون فى ابتسامة على طريقة «زونيجا»، موجهة لجارك عندما تصادفه أمامك، أو للزبون وهو يدخل عليك محلك، أو لابنك وهو يطلب منك زيادة فى مصروفه الذى لم يعد يكفيه.
السعادة فى اعتقادى، أن تساهم فى أن يكون من حولك سعيدا، لكن قيمتها التى تناطح السحاب، أن تشعر بالرضا عندما تبتسم فى وجه من يضمرون لك الشر، وهم يعتقدون أنهم آذوك. السعادة تتأصل فى داخلك، عندما تؤمن بأن الفرج قريب جدا، وكل من حولك مؤمنون بأن الضيق ساد واستوطن.