عاش تاريخنا.. وعاش السيد ق. ع
الأحد، 05 نوفمبر 2017 11:30 ص
لأن ذاكرته لم تحتفظ بألم وعظة التجربة الأولى التى راح ضحيتها جده القديم.
من ساحة الألم والعظة ينطلق الكاتب الأستاذ سعيد الشحات ليقدم لنا قراءته لمراحل ومحطات فى تاريخنا القديم والمعاصر فى غاية الأهمية وبعضها كان مفصليًّا.
يعرف «الشحات» دون شك ما قالوه فى تعريفهم لعلم التاريخ، وهو أنه: «علم يبحث فى الأحداث والوقائع من حيث الزمن والموضوع، معتمدًا على الوقت والإنسان، حيث إنَّ هذين المحورين هما المادة التى يقوم عليها التاريخ».
هذا التعريف كان فى بؤرة شعور الشحات وهو يكتب المجلد الثانى من كتابه «ذات يوم» الذى يقرأ فيه يوميات عايشتها الإنسانية على مدار ما يزيد على الألف عام.
أقدم اليوميات كانت يومية دخول الصحابى عمرو بن العاص فاتحًا الإسكندرية، وأحدثها يعود لعشر سنوات مضت.
ولكن التعريف الحديدى لم يُقيّد الشحات، فهو وإن كان قد احترمه من حيث حرصه على تقديم البيانات الأساسية لليومية التى يتناولها إلا أنه لم يجعل عمله مقصورًا على مجرد سرد الأحداث أو بالأحرى صبّها على رأس القارئ، لا، هذا ما لم يقع فيه الشحات، لأنه يتناول الحدث من وجهة نظر شديدة الخصوصية، غير مهمل بطبيعة الحال للبيانات الأساسية التى لا يقوم التاريخ بغيرها، ولكن وجهة النظر تطل من بداية عملية الانتقاء والفرز، فالشحات يبدأ من الأول من شهر يناير، وفى ذلك اليوم حدث يقينًا مئات بل آلاف الوقائع التى تستحق التدوين، ولكن الشحات يختار واقعة واحدة كاشفة عن منهجه هو وتذوقه هو لمجريات التاريخ ووقائعه.
فمن بين أحداث الأول من يناير من العام 1944 يختار الشحات احتفالا أقامته الأميرة شويكار طليقة الملك فؤاد فى حديقة قصرها ابتهاجًا بمناسبتين، الأولى: معلنة وطبيعية وهى مناسبة رأس السنة، والثانية: ضمنية ولكنها كانت الهدف الحقيقى من الحفل، وهى مناسبة نجاة الملك فاروق من حادث القصاصين الشهير.
يمد «الشحات» بصره بل بصيرته ليقرأ اليومية على وجهها الصحيح، لأن شويكار لم تكن فى الحقيقة معنية بشىء قدر عنايتها بإفساد فاروق، فراحت تدلله ذلك التدليل الذى يؤدى حتمًا إلى إفساد طبيعة شاب تولى المُلك وهو فى طور المراهقة، فوجد الدنيا بكل ما فيها راكعة تحت قدميه. ولكى يصل الشحات على نغمته الخاصة به فقد رجع إلى 213 مصدرًا ومرجعًا، تتضمن أمهات كتب التاريخ وقصاصات الصحف، فى بحث كأنه عبادة راهب متبتل لا يريد من الدنيا سوى أن تسكت عليه وتتركه لشأنه.
تلك المصادر والمراجع التى استعان بها الشحات تؤكد انتماءه لمدرسة التاريخ الإسلامى، وذلك لأن المسلمين الأوائل كانوا أول أمة عرفتها البشرية لا تكتب تاريخها إلا بالإسناد ولم تكن تقبل بحادثة ليست مسندة، لقد تعامل المسلمون مع التاريخ تعاملهم مع أحاديث رسولهم الكريم، فلا حديث عندهم إلا برواة، وكذا كان تعاملهم مع تاريخهم وتاريخ الأمم التى سبقتهم وشاءوا أن يؤرخوا لها.
ينشر «الشحات» يوميًّا حادثة ما وقعت فى اليوم الذى ينشر فيه، وهذا جهد عشرات الرجال وليس رجلًا بمفرده، ولكنه الشغف الذى يذلل الصعاب ويجعل الكتابة رغم مشقتها سهلة هينة.
كتاب «الشحات» هو خير رد على الذين يتلاعبون بتاريخنا ويتعاملون معنا كأننا جماعة من الفئران التى ستكرر مأساة جدودها وتدخل بقدميها إلى المصيدة.
يقينًا، لا سطورى هذه ولا سطور غيرى تكفى للإشادة بكتاب من ألف صفحة، ولذا تبقى الإشادة الحقيقية فى أن يقتنى رب الأسرة أو ربتها الكتاب ليكون هدية لأولادهما، فبدون معرفة الأمس فلا أمل فى اليوم ولا الغد.
يبقى تقديم أحر الشكر للهيئة العامة الكتاب التى تولت الطباعة والنشر، وقد جعلت ثمن الكتاب فى متناول الجميع، فى ترجمة منها للدور الذى يجب أن يلعبه القطاع العام قاطرة التنمية الحقيقية.
فتحية لتاريخنا وتحية للسيد المهاب ق. ع.