ليلة الجراند الهابط
الأربعاء، 01 نوفمبر 2017 01:05 م
بداية من أكتوبر 2017، اجتاح العالم الانباء القادمة من هوليود، معقل الليبرالية الامريكية، حول قيام امبراطور الإنتاج هارفي واينستين بالتحرش بعشرات الممثلات والنجمات العاملات في مجال السينما والترفيه في أمريكا، سواء في هوليود، مدينة الإنتاج الفني الضخمة بمدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا غرب أمريكا، او عبر باقي المدن والمناطق والاستديوهات الفنية عبر الولايات الامريكية الخمسين!
وأدت هذه الفضيحة إلى انتشار وسم/هاشتاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي حمل اسم Me Too أو "أنا أيضا"، وتحدثت فيه مئات الآلاف من النساء عن تجاربهن المريرة مع التحرش الجنسي.
يمكن القول ان ما جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر ثورة عالمية رقمية مذهلة وحقيقية، وشجاعة من الفتيات اللاتي شرحن تجربتهن المريرة بما جرى، وشاركت المرأة المصرية في هذه الثورة الرقمية، وعن نفسي لم افاجأ بالتفاصيل، لان التحرش اليوم أصبح جزء رئيسي من شخصية المصريون بكل اسف ورصدت الامر بالتفصيل في كتاب الجمهورية المظلومة عام 2010.
وباء التحرش الجنسي في بلادنا تبريره وسببه الوحيد ان المتحرش يعرف انه لن يعاقب فحسب، كافة الديباجات النخباوية عن الكبت السياسي والجنسي وتأخر سن الزواج، لا يوجد تشريعات حقيقة تجرم بالشكل اللائق هذا الفعل.
فعلها غياب دور الدولة في الانتشار الأمني الدائم وليس المؤقت في الشوارع، فعلها تدمير التعليم منذ 23 يوليو 1952 لليوم، فعلها تصعيد الأصولية الإسلامية في المجتمع عموماً والعملية التعليمية تحديداً، بكل ما في هذه الأصولية الإسلامية من استباحة للمرأة وتكريس دورها باعتبارها مجرد جارية جنس تستباح متى أتت الفرصة، و لا عجب ان نرى الناشطة الفرنسية هند عياري تحرك قضية جنائية حيال طارق رمضان حفيد العميل البريطاني حسن البنا مؤسس تنظيم الأخوان، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة فى جامعة أكسفورد ويحمل الجنسية السويسرية، حيث اتهمته باغتصابها.
وعلى ما يبدو ان حفيد البنا يعيد امجاد صهر جده المدعو عبد الحكيم عابدين او راسبوتين الاخوان كما اطلق عليه في الاربعينات وهو داعية اخواني وصل الى منصب سكرتير عام الجماعة، واقام سلسلة من العلاقات الآثمة مع العشرات من زوجات أعضاء التنظيم مستغلاً ثقة رجالات التنظيم في شخصه والسماح بان يتردد على بيوتهم في أي وقت، و قد تابع الوسط الثقافي والإسلامي في اربعينات القرن الماضي قصص الرعيل الأول من الحرائر الاخوانيات التي خدعن آبائهن واشقائهن وازواجهن وتباروا في الانخراط بعلاقات جنسية مع عبد الحكيم عابدين زوج شقيقة حسن البنا الى ان اضطر الأخير الى اجراء تحقيق وتحجيم دوره شكلاً داخل الجماعة عام 1945.
وعبر مئات الالاف من التغريدات والمنشورات المصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صنعت قائمة للعار للعام 2017، وكان مذهلاً ان التحرش استوطن الوسط الثقافي والصحفي والإعلامي والسياسي المصري، حيث ادلت فتيات بشهادات حول تحرش رموز في العمل الحقوقي بهن، ورموز في الدفاع عن قضايا المرأة والقضية النسوية، بل وكان ساخراً ان أحد متزعمي نشر الهاشتاج في مصر – على ما يبدو انه كان ينتظر سبوبة ما بالكتابة عن هذه الشهادات – قد وجد نفسه بطلاً لبعض تغريدات المتحرشين وانضم اسمه الى قائمة العار.
ولكن بعيداً عن اكتشافنا ان اغلب مدعى العلمانية والليبرالية والبعد عن الرؤى الذكورية سواء المجتمعية او الاسلاموية والايمان بالقضايا النسائية والنسوية ونشطاء الربيع العربي والصراخ الدائم عن الشرف الثوري كانوا على رأس قائمة العار، فأن هنالك حالة معينة أصبحت تحتل المساحة الأعظم من حديث المصريين في الفترة الأخيرة، الا وهي ذلك الشاب الذي يطلق على نفسه الجراند في محاولة لتعويض نقص اجتماعي ما.
والجراند شاب يحاول الدخول للوسط الفني من باب كتابة السيناريو وعمل معداً في بعض البرامج التلفزيونية، ولكن شهرته الحقيقة بدأت بعمل جروب مغلق عبر فيس بوك، بغض النظر عن الهدف المعلن للجروب او الهدف الذى اقنع البعض به انفسهم الا ان الأغلبية الساحقة ممن دخل هذا الجروب شارك لأنه أصبح اكبر جلسة نميمة في اعراض الممثل المصري سواء ذكر ام انثي، ففي هذا الجروب جميع الممثلات زواني وعاهرات وسحاقيات، وجميع الممثلين زناة وشواذ وأبناء الحرام، فلا ممثل الا وتم تلفيق قصة زنا او شذوذ له، و لا ممثلة الا ولفق لها قصة زنا او سحاق، ونحن لا نتحدث عن الجيل الحالي من الممثلين، بل تم الخوض في اعراض وسيرة ومسيرة الأغلبية الساحقة من نجوم ونجمات السينما والطرب والتلفزيون طيلة 100 سنة باعتبارها قصص حقيقة وموثقة.
وجميع القصص اما مردود عليها تاريخياً قبل القصص البلهاء عن الأجيال الحالية، او قصص يبدو التلفيق فيها واضحاً للغاية، وكانت الكارثة ان تكتشف ان نسبة كبيرة من شباب الحركة النقدية ومدعى العلمانية والليبرالية وحتى داخل الوسط الفني ينظر الى الفن نظرة سلبية والى الفنانة تحديداً نظرة أخلاقية ودينية سلبية، وان عوائهم عن الحرية الشخصية التي يجب ان تحترم وعدم الحكم على الناس من منظور أخلاقي او ديني هو كلام للاستهلاك العلني والسبوبة والمصلحة فحسب، بينما في الجلسات المغلقة هم اسياد الحكم الديني والأخلاقي على كل كبيرة وصغيرة.
بل واتضح ان نسبة كبيرة من العاملين في الصحافة الفنية مدمنين القصص اللاأخلاقية القذرة عن الممثلين وان الخوض في الحياة الخاصة وسمعة وعرض الممثل امر مستباح تماماً لهم ويظنون أنفسهم حملة الاسرار وحراس سمعة الفن بكل هذا الهراء، ويظنون انها هكذا من فطاحل الصحافة بانهم يعرفون هذه الأكاذيب ويرددونها باعتبارها حقائق.
طبعاً مع خلطة الجراند السرية وقصصه الساخنة عن الممثلين والممثلات، جمع في الجروب مجموعة من الصعب ان تتآلف في محفل آخر، شباب من التيار الإسلامي، اخوان وسلفيين ودواعش، احفاد عبد الحكيم عابدين، رؤيتهم للفن والمرأة مجرد محظية ووعاء يفرغون فيه شهواتهم الجنسية تماماً، وشباب الأوساط الحقوقية والفنية والعلمانية والنسوية والليبرالية والثورية وان كان الجروب السري قد كشف انهم علمانيين بمرجعية محافظة قروية إسلامية لا تقل عن شباب التيار الإسلامي، هم احفاد عبد الحكيم عابدين ايضاً بشكل او بأخر.
وحتى يكتمل الكوكتيل الذي يحمل لأصحابه السبوبة والمصلحة، دعنا نغلف كل هذه الدياثة والعهر بهتاف يسقط حكم العسكر، والحديث المتواصل عن مؤيدي الدولة باعتبارهم راقصات ومطبلاتية.
وعبر تغريدات ضحايا نشطاء السبوبة، تعرف البعض على اللعبة التي نعرفها منذ زمن، الا وهي ابتزاز الضحية خاصة القادمة من القرية بانها ليست ثورية او ليبرالية بما يكفى للقبول بهذا التحرش باعتباره امراً عادياً في المجتمعات الراقية والشيك والبنت ناس، وان المتحرش حزين لان الثورة لم تحقق أهدافها واستمرت الفتيات في حالة الجمود الفكري التي تجعلهن يرفضن هذا الابتزاز.
البعض ظن ان جراند التحرش له نفوذ وان التحرش سوف يكون باب الظفر بدور فني صغير هنا او هناك، او حتى العمل في المجال الإعلامي عبر إحدى البرامج التي يعمل بها، ولكن كل هذا لم يحدث.
خرج جراند التحرش، المناضل العظيم الحقوقي المناهض للسلطوية الذكورية والمؤيد لحقوق النسويات عبر التشكيك في عرض وشرف كل ممثلة او كل معارضة لرؤيته السياسية القاصرة، وقدم اعتذاراً لكل من تحرش بهن، مؤكداً انه كان تحت وقع الخمر كل مرة.
في الواقع ان السطور السابقة ليس الغرض منها الخوض في مسيرة الجراند، وهو بالمناسبة صاحب بعض محاولات الكتابة الصحفية الفاشلة على ضوء محاولة أصحاب تلك المواقع الالكترونية جذب جمهوره الالكتروني لتحقيق نسب تصفح مرتفعة لتلك المواقع، ولكن تلك السطور الغرض منها هو استعراض اولتراس الجراند ماذا قال وفعل.
الأغلبية الساحقة دافع عن جراند التحرش، نعم.. طابور من الإسلاميين والنشطاء والنسويات والناشطات في المجال الصحفي والإعلامي والابداعي والسياسي والثقافي والحقوقي دافعوا عن جراند التحرش، وانه طالما اعتذر يجب ان نعود الى احتضانه اذ ربما ننال نصيباً مما اتى في تلك التغريدات، في محاولة لمسح حقيقة ان جراند التحرش لم يعتذر بعد ان استفاق من كأس التحرش ولكنه اعتذر في محاولة للملمة فضيحة بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ثم تحول طابور النسويات والحقوقيات ومعهن شباب من الوسط الفني والنقدي – على أمل ان يقدم لهم جراند التحرش يوماً الخدمة التي لم يظفروا بها قبل فضيحة التحرش – الى مهاجمة الفتيات التي قدمن شهادات تفيد بتحرش الجراند بهن، رغم اعتراف صنمهم بذلك، قاموا بالخوض في سمعة وعرض الفتيات، نعم.. نسويات وحقوقيات وشباب من الوسط النقدي والفني والسياسي واسلاميين فعلوا ذلك معاً في انشودة أصولية سلفية داعشية اخوانية قطبية مشتركة مثيرة للغثيان.
ثم تحولوا للدفاع عن الصنم الجراند، نعم.. النسويات والحقوقيات اللاتي سطحن كافة القضايا السياسية في بلادنا عبر ربطها بفكرة السلطوية الذكورية، دافعوا عن فعل هو أساس السلطوية الذكورية ونظرة هؤلاء السلطويين الذكوريين الى الى المرأة، تارة بأنه ليس له ذنب فيما جرى، وتارة بأنه تحت تأثر الخمر، وتارة بأن هذا ليس ذنبه، وتارة ان الفتاة التي تتواجد في مكان فيه رجل سكير هي المسؤولة، والعاقلات منهن حاولوا تجنب جراند التحرش من كل هذا بالقول انه اخطأ واعترف ولا داعي لان نذكر هذا الامر وان المشكلة الان فيمن يدافع عنه، كأن السطر الأخير ليس دفاعاً ضمنياً عنه!.
ان السطور السابقة ليس الغرض منها رصد مشكلة اجتماعية او حياتية جرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الشق السياسي فيها هو الأهم، ان الأغلبية الساحقة من نشطائنا الحقوقيين، هم نشطاء حكوكيين وليس حقوقيين، وان النسويات في بلادنا يمارسن نسوية بمرجعية ذكورية، و ان النسويات ومدعى الدفاع عن حقوق المرأة في بلادنا لديهم نفس تلك الرؤية للمرأة المتحرش بها باعتبارها هي السبب، نفس عقليات الحرملك، النسويات في بلادنا هم حرملك النسويات فحسب، وذكر الفامنست هو مجرد متحرش رأى ان التقرب من حرملك النسويات سوف يجلب له ما لذ وطاب منهن.
في بلادنا النشطاء السياسيين مدعى العلمانية والليبرالية بل والالحاد واللا دينية هم كل هذا بمرجعية محافظة، هم وإرهاب الإسلام السياسي وجهان لعملة واحدة، كل هذا التنويع والتأوه السياسي والحقوقي ما هو الا لحن المصلحجية والسبوبجية فحسب.
وللمرة التريليون منذ يناير 2011 نكتشف بالدليل القاطع الحقيقة التي نعرفها جيداً، كل هذا الهذيان النخبوي العلماني الليبرالي النسوي الحقوقي ما هو الا سبوبة ومصلحة ولا أحد ممن يردده يصدقه او يؤمن به اصلاً، هم مجرد اراجوزات يقدمون اسكتشات استعراضية ويتربحون بها على قفا من يصدقهم لا أكثر و لا اقل.
ووسط كل هذا العفن كان هنالك فئة تدافع عن جراند التحرش باعتباره ابن ناس ومحترم!، حيث أصبح – ضمن عوار والتشوه الجنسي والفكري والنفسي والعصبي للشخصية المصرية – ابن الناس بالمظاهر، طالما يبث بشكل دوري عبر فيس بوك وتويتر وانستجرام صور ومقاطع فيديو له وهو في مطاعم وكافيهات وكباريهات ومصايف وجلسات عامة وخاصة فاخرة فهذا هو ابن الناس، وليفعل ما يفعل لا مشكلة طالما برهن للاولتراس انه صاحب اللايف ستايل العتيد اذن انت حصلت على صك ابن الناس ولتفعل ما تريده في بنات او ولاد الناس لا فارق.
قالوا يوماً عن مؤيدي وطنهم في زمن الحروب مطبلاتية وراقصات، فاذا بهم يمارسون الدياثة والعهر في الدفاع عن متحرش سلب بالغصب كرامة وعروض الفتيات، يا لسخرية الاقدار، من حاول لصق تهم القوادة بمن يحب بلاده، هم اليوم من يقفون يدافعون عن قيم الدياثة والقوادة والعهر في نسخته الخالصة، بدون تأويل و لا توريه، جريمة جنسية مكتملة الأركان باعتراف صاحبها، ومع ذلك تجد من يقول لك هو ابن ناس فلا باس، والمشكلة فيمن دافع عنه، والفتاة هي السبب، الى اخر ديباجات الدياثة والعهر التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي كلما ذكر اسم جراند التحرش.
سوف يعود جراند التحرش بلا شك، ومعه حرملك النسويات، ودياثة الحكوكيين، وطابور لا ينتهي من العلمانيين الإسلاميين، والملاحدة المحافظين، والليبراليين السلفيين، النقاد والفنانين ذو النظرة السلبية للفن والابداع، بلا شك سوف يعودون او يأتي غيرهم، ولكن الحقيقة ظهرت بالفعل، وعريهم امام أنفسهم وامام المقربين وامام اصدقائهم قبل أي طرف آخر أصبح واضحاً للعيان.