طب وآخرتها؟!
الأربعاء، 01 نوفمبر 2017 12:32 م
واحدة واحدة كده مع بعض، لإن أزمة التعليم المصري معقدة ومركبة ومتشابكة ومتراكمة تاريخياً، وتتقاطع مع ملفات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت أزمته واحدة من ضمن حزمة أزمات المجتمع ككل، فإن انفراج هذه الأزمات جميعها يبدأ بانفراج أزمة التعليم بالأساس، ولعل هذا المبدأ هو ما يتفق عليه الجميع، بينما يختلفون بقدر اتفاقهم ذاته على المنهج نحو حل المشكلة، وما بين تفاوت منحنيات الرؤية والرغبة والقدرة والإرادة، عند مختلف المسئولين عن الملف، على اختلاف مستوياتهم التنفيذية، يهدر الجميع أوقاته وجهوده وموارده في اللا شيء، على طريقة الحرث في الماء، ويبقى في كل الأحوال مستفيدون من استمرار الأوضاع متردية على ما هي عليه، ألا وهم الفسدة كما في كل ملفات الإصلاح.
صح النوم وخليك معايا، فمنذ ما يقرب من ثماني سنوات، تصورت الدولة أن الحل في تدشين مشروع مدارس النيل، فسارعت وقتها بإنشاء خمس مدارس منها في خمس محافظات مختلفة، وجعلت تبعية المشروع إلى صندوق تطوير التعليم بمجلس الوزراء، بعيداً عن قيود وزارة التربية والتعليم، فتعاقد الصندوق مع جامعة كمبريدج البريطانية الشهيرة، والتي قامت بدورها بوضع المناهج، والشروط الواجب توافرها في الطلاب المتقدمين للالتحاق بمدارس النيل وأولياء أمورهم، وعلى أن يحصل خريج هذه المدارس على شهادة دولية معتمدة، تؤهله للالتحاق بالجامعات داخل مصر وخارجها، وتحمس الرئيس السيسي للمشروع حال توليه السلطة، واعتبره نواة حقيقية يمكن البناء عليها لتطوير التعليم المصري، فوجه بسرعة تعميم التجربة على مستوى الجمهورية في أسرع وقت ممكن.
فحصل إيه؟!.. اكتشف الرئيس تدهور أحوال هذه المدارس، بعد أن وفرت المناخ المثالي لأبناء الطبقة الوسطى، المستهدفين في الأصل من إنشائها، بعد أن عاشوا قيمة التربية والتعليم، على أيدي معلميها وإدارييها، ممن تم تأهيلهم على أعلى مستوى يواكب طموح التجربة، والتي مثلت بالفعل مواجهة حقيقية لآفة الدروس الخصوصية المزمنة، وفي سياق الأوضاع السياسية المتقلبة عقب قيام ثورة يناير، وتشتت الحكومات المتعاقبة، ارتعشت أيدي إدارة مدارس النيل، فبدأ الانحدار مع الهروب الكبير لمعلمي هذه المدارس وإدارييها، ساعين نحو العمل بالمدارس الدولية الكبرى، وغاب مجلس الأمناء تباعاً عن مباشرة مسئولياته، ولم يتم الإحلال بذات الكفاءة، فعادت الدروس الخصوصية، قبل أن تنهار باقي الخدمات، وحتى ارتفع صراخ أولياء الأمور مطالبين بتدخل الرئيس شخصياً.
وبعدين؟ّ!.. عادت ريما لعادتها القديمة في اختراع العجلة من جديد، وهذه المرة على الطريقة اليابانية، حيث أعلنت اليابان في إطار الوقوف بجانب الدولة المصرية، عن تبرعها بمنحة لإنشاء مجموعة مدارس تتحمل كامل نفقاتها، في سبيل دعم الطلاب المصريين، نحو الحصول على تعليم متطور بحق، واشترطت أن يكون الالتحاق بها مجانياً، حفاظاً على حقوق أبناء غير القادرين، تطبيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، فلم تتأخر الدولة، وهرولت نحو وضع الخطط التنفيذية الخاصة بالمشروع، وفتح وزير التربية والتعليم آخر صدره على أمل أن تبدأ الدراسة في المرحلة الأولى من هذه المدارس مع مطلع العام الدراسي الحالي، وتفاءل أولياء الأمور بمستقبل جديد مبشر لأبنائهم، ولكن أبى الفسدة أن تأتي الرياح بما تشتهي السفن المصرية واليابانية.
عملوا إيه؟!.. قام البعض منهم بفرض مصروفات دراسية متصاعدة على أولياء الأمور في إطار تقنين السبوبة الحكومية التاريخية، بينما اجتهد البعض الآخر في فتح أبواب هذه المدارس أمام أبناء المحاسيب بعيداً عن أي معايير، أما البعض الثالث من هؤلاء فاعتمد الطريقة المصرية العتيقة، الوساطة والمحسوبية وأشياء أخرى، في اختيار الفوج الأول من معلمي هذه المدارس لحضور الدورة التدريبية المؤهلة في اليابان، فذهب من لا يستحق ليحصل على ما لا نملك، لينكشف المستور على أرض الشمس المشرقة، وهو ما دفع الرئيس السيسي لتعليق المشروع حتى إشعار آخر، بحيث يتم تلافي كافة سلبيات التسرع في افتتاح المدارس اليابانية، وتفعيل ضمانات الجودة وقواعد الشفافية في اختيار طلاب هذه المدارس ومعلميها ضماناً لنجاح التجربة.
وإيه كمان؟!.. في كواليس الدولة مشروع يطمح إلى تفعيل تطبيقات التعليم الإلكتروني، وتعميمه كوسيلة تعليمية أساسية في مختلف مراحل التعليم قبل الجامعي، أمامي ورقة عمل مبدئية للمشروع تحمل اسم (منصة مصر للتعليم)، يستهدف المشروع الطالب باعتباره محور العملية التعليمية، وبهدف إتاحة المقرر له بطريقة معيارية وتفاعلية، وذلك إلكترونياً من خلال منصة مصر للتعليم، وبما يرفع سقف توقعات الطالب، فتدفعه إلى حراك يؤثر إيجابياً على تطوير منظومة التعليم، ويتطلب التطبيق الشامل لاستراتيجية المشروع العمل على عدة محاور، تستهدف كلاً من المعلم والمدرسة، بينما تهتم منصة مصر للتعليم بالطالب والمقرر، ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية شراكة مؤسسية، بين كل من القطاع الخاص والمجتمع المدني والحكومة، باعتبارهم شركاء التنمية المعنيين بملف التعليم في مصر.
طب وآخرتها؟!.. الحال على ما هو عليه، منظومة التعليم المصري محلك سر، منهج المنافسة هو الحاضر على حساب منهج التعاون، ثقافة النجاح تسود على ثقافة التعلم، الدروس الخصوصية جارية على قدم وساق، أوضاع المعلم المصري متردية، البنية الأساسية للمدارس الحكومية متهالكة، كثافة الفصول متزايدة، ظاهرة التسرب من التعليم تستشري، الحفظ والتلقين يسودان الاستيعاب والتطبيق، التفاعل لا يوجد على خريطة العملية التعليمية، والقيم لم تعد في الحسبان، باختصار، لا تربية ولا تعليم، خفف يا معالي الوزير من ظهورك الإعلامي، واعمل قليلاً في صمت على تحقيق مدارس مصرية، تحمل الهوية المصرية، وتعمل وفقاً لأفضل ما يناسبنا من معايير وممارسات على مستوى العالم، نريد أن نكون نحن أنفسنا، وليس مسخاً من استنساخ آخرين.