يوسف زيدان.. لم كل هذه الغطرسة؟.. والأزهر يتجاهل!
الإثنين، 23 أكتوبر 2017 08:40 م
اندلعت ثورة على الفضائيات والشبكة العنكبوتية إثر برنامج "رحيق الكتب" من تقديم الإعلامي عمرو أديب، حينما جاء بالمفكر المثير للجدل يوسف زيدان، ضيفًا مشككًا في ثوابت تاريخية لرموز دينية ووطنية، فقد ادّعى أن الزعيم أحمد عرابي لم يرَ الخديوي توفيق ولم يقل له عبارته الشهيرة "لقد خلقنا الله أحرارّا.. ولن نستعبد بعد اليوم"، وتمادى في ادعاءاته فوصف جنكيز خان "ملك المغول" بالقوة وليس بالهوس كما أُشيع بين العرب والمسلمين، وتطاول على الصحابة والأئمة فسخر من أسلوب الحوار بين الصحابيين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص و استهزأ بالإمام السيوطي.
وهنا لا بد من وقفة ونسأل أنفسنا عن المعقول واللا معقول في ادعاءات زيدان، وهل تعد هذه الادعاءات رأيًّا فكريا أم كذبًا وتدليسًا؟ وهل هي تفصح لنا عن مواقف زيدان أم هي نشوة الفلاسفة؟ أم هي مجرد تبجح على الرموز؟ وإن كانت كذلك فما الدافع وراء ذلك؟
تعجب زيدان من الحديث الشائع عن اتهام الدولة العثمانية بمنع المصريين من دخول الجيش فتساءل زيدان "إن كان كذلك فكيف تسنّى لعرابي أن يتقلد رتبة لواء في الجيش المصري؟ وأرى زيدان محقًا في ذلك، ولما خرج عن الموروثات الفكرية غير المنطقية التي وصفت جنكيز بالسذاجة ووصفه هو بالقوة فإني أراه على صواب لأن المنطق لا يقبل أن يوجد رجل قبلي يتوّج ملكًا على قبائل المغول ويغزو بلاد الإسلام من أقصى الشرق إلى حدود العراق ثم ينعت بالهوس أو السذاجة.
وكلام زيدان عن عرابي وما أشار إليه يعد تصريحّا يلقي بظلال من الحيرة على عقول تشكلت بمواقف وطنية فاضلة لزعيم من زعماء الوطن إلا أنه استنتاج غير صحيح ويبدو أن زيدان استند فيه إلى مصدر غير موثوق فيه من الوثائق التاريخية حيث إنه لم يطرح أو يوضح المنهج العلمي المتبع في تحديد المشكلة والفحص والتحليل وصولّا إلى هذا الاستنتاج، وفي خضم هذا الجدل جاء رد الدكتور عاصم الدسوقي، واصفًا زيدان بالكذب والافتراء، مشيرًا إلى أن تقارير القنصليات الأجنبية المرسلة لحكومتها حينذاك تثبت صحة موقف ومقولة عرابي والحقيقة أن الجدل حول عرابي يرجع إلى أمد بعيد حين قال "أنا عرابي الحجازي المسلم" مما جعل طائفة كبيرة من المجتمع تقف ضده ولا يمكن أن نغفل في هذا الصدد موقف أمير الشعراء أحمد شوقي ربيب القصر المنحاز للخديوي عندما رجع عرابي من المنفى كتب شوقي قصيدة هجائية في عرابي قائلّا فيها: "صغار في الذهاب والإياب أهذا كل شأنك يا عرابي" فرد عرابي: "بل كبار في الذهاب والإياب" فحقا أن عرابي رجلا ظلمته السياسية وأنصفه التاريخ.
وفي حديثه عن الإمام جلال الدين السيوطي لم يخفِ تهكمه بقوله "ده راجل ُسكّره"، وتساءل زيدان كيف للسيوطي أن يكتب "الإتقان في علوم القرآن"، وهو من ألّف كتاب "عقود الجمان في تأديب النسوان"، أقول أن هذا تزييف للحقيقة والواقع وما قاله خطأ من المفروض ألا يقع من باحث وليس عالم بحجم زيدان لأن الاسم الصحيح للكتاب هو "عقود الجمان في علم المعاني والبيان" كما إنه لم يناقش نص أو فكرة تمثل نقدًا يقوم على أساس علمي فقهي أو فلسفي للإمام السيوطي صاحب القدر الجليل تلميذ العلّامة ابن حجر العسقلاني والذي تجاوزت مؤلفاته خمسمائة.
ويتابع زيدان ادعاءاته بقوله "إن للقرآن أحد عشر ألف قراءة بأحد عشر ألف معنى" وحين تعجب الإعلامي عمرو أديب قائلًا "إحنا كده مش عارفين دينّا" رد زيدان" إحنا مش عارفين أي حاجة" وفي هذا تضليل لأن المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة إن عدد القراءات سبع وقد حققها العلماء، وفي قول زيدان إشارة صريحة إلى أن كافة التفاسير ومنها تفاسير ابن كثير والسيوطي والشعراوي وطنطاوي وغيرهم لا قيمة لها.
وأخطر ادعاءاته تطاوله على الصحابة لمّا تناول حوارًا بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص - رضي الله عنهما وقد قال زيدان : كان الأول يقول في كتابه إلى الثاني "إلى العاص بن العاص" فيرد الثاني" لولا أنك أمير المؤمنين لرددت عليك ردًا يليق بك" فهل يُمكن قبول ذلك في حق صحابيين تخلقا بأخلاق القرآن "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" وتربيا في مدرسة النبوة وهم كالنجوم "أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم".
إن منهج زيدان في التدليس والتشكيك للرموز الدينية والوطنية يسير على مستويين: أولهما هو النيل من الرموز العسكرية في الوطن العربي والإسلامي وهم موطن الفخر والاعتزاز ويتكشف ذلك بوضوح في الربط بين الشخصيات التي قصدها زيدان بداية من تناوله لعمرو بن العاص فاتح مصر إلى صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الذي وصفه في السابق بأحقر شخصية في التاريخ وهذا ما أسعد ليبرمان وزير الدفاع الصهيوني حينما قال "سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التي تنزع القدسية عن أكبر إرهابي في التاريخ الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، وعن أسطورة المسجد الأقصى المصطنعة إنها تدفع في اتجاه إيجابي بكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل" ثم ينتهي بالزعيم أحمد عرابي قائد الجيش المصري الذي حارب الإنجليز كل ذلك يفعله لزعزعة الثقة في الجيش المصري وقادته على مر التاريخ ولا أدري لصالح من هذا؟!
وثانيهما محاولة النيل من الصحابة الأطهار وعلماء الأمة وتاريخهم وتراثهم وإظهار الإسلام نقيض التنوير والتقدمية وربطه بالجهل والرجعية بما يناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة وكل ذلك في وجود الأزهر الذي هو المرجعية الدينية المسئولة عن العلوم الدينية والشئون الإسلامية وفقا لنص المادة السابعة من الدستور المصري 2014، فلماذا يتم تجاهل ادعاءات يوسف زيدان؟.