الجلسة الثانية لمؤتمر الإفتاء: الفتوى ليست سوطا مُسلطًا على الرقاب (صور)

قال الشيخ أبو بكر أحمد، الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند: إن العلماء وأصحاب الفتاوى خلفاءُ الله تعالى بين عباده، وهم يخبرون الناس عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم قدوة

للعوام، فإذا اعوجَّ الغصن فلا محالة يعوج الظل أيضًا، فعليهم أن يكونوا نماذجَ حيَّةً لتعاليمِ القرآن والسنة السمحة في حياتهم الشخصية والاجتماعية، وفي أقوالهم وخطاباتهم وفتاويهم، وما إلى ذلك.

جاء ذلك خلال الجلسة الثانية تحت عنوان "الفتاوى الشاذة وأثرها السلبي على الاستقرار" بمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي ترأسها دار الإفتاء المصرية عن "دور الفتوى في استقرار المجتمعات".

وأضاف أن هناك أسبابًا عدة أدت إلى الحالة الفوضوية فى مجال الإفتاء؛ أولها  الجهالة وعدم دراسة الأحكام من منابعها الصافية من المشايخ والعلماء الذين توارثوا العلم من أهله، والذين يوثق بهم فى الدين؛ والسبب الثاني هو عدم إدراك خطر مسؤولية الفتوى وما يترتب عليه، فالإفتاء فى الحقيقة إخبار عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله أو رسوله أحل كذا، أو حرم كذا؛ أما ثالث الأسابا فهو -كما يقول أبو بكر- حبُّ الشهرة والشعبية، فصاحب الفتاوى المتساهلة يريد شعبيته، وتكثر جماهيره، ويثنى عليه بأنه معتدل وذو المنهج الوسطي، وغير ذلك.

وتابع الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند: السبب الرابع لحالة الفوضوية فى مجال الإفتاء هو  إرضاء الكفار والظلمة والفسقة وأصحاب الدنيا  من أجل الحصول على حطام الدنيا الفانية؛ وخامسًا: العجلة وعدم التأني والوثبة دون نظر ولا تأمل لكي يشتهر بين الجماهير بسرعة الجواب وحدَّة الفهم.

وشارك في الجلسة كل من ا.د. أحمد عطية وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، ا.د. محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ا.د. مرزوق أولاد عبد الله رئيس جامعة أمستردام الحرة بهولندا، الشيخ أبو بكر أحمد المسلياري الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند رئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية بالهند، والشيخ حافظ جمالي مجو المفتي والقاضي الشرعي لمدينة كوموتيني بشمال اليونان.

وقال الدكتور أحمد عطية في كلمته إن الفتوى مرسوم ديني في شريعة الإسلام، يقوم بإصدارها علماء الفقه والشريعة حسب الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية؛ مضيفا: إن للفتوى هيبتها القدسية ومكانتها العظيمة، فقد لزم ألا يتصدر للاشتغال بها إلا من كان أهلًا لها صفةً وخُلقًا وعلمًا ودراية، والمتصدرون للفتوى قليل على الجملة، وهم نوادر العلماء الأبرار وأعدادٌ من المجتهدينالأخيار، قد شربوا من مناهل المعرفة معظم ما صُنفَ وكُتبَ فى الغابر والحاضر، واستوعبت عقولهم تجارب الأمس واليوم، واستشرفوا بتقدير حكمتهم مسائل الغد والمستقبل.

وتابع: وللمفتي صفات وشروط ينبغي ألا تتناقص أو تغيب، فهي كما أَصَّلَ لها علماؤنا فى القديم والحديث من كون المفتي مسلمًا مؤمنًا تقيًّا ورعًا فلا بد أن يتصف بالعدل، وأن يكون ثقةً أمينًا متنزهًا عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيهُ النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط، قوي الضبط ومستيقظ الشعور.

ولفت إلى أنه من المؤسف أن تصبح الفتوى كلأً مباحًا لكل جائع وشارد، ولكل عصابة مارقة امتهنت الفتوى لتقتات بها على دماء الأبرياء فتشرع للجرائم وتؤصل للعنف وتُقَنِّن للإرهاب وتُنَظِّر للتطرف، فويلٌ لهؤلاء وهم -باسم الله- يسفكون الدماء وينتهكون الحرمات ويعتدون على الحقوق والممتلكات، ويروعون الآمنين ويثيرون الفتن ويشعلون الحروب.

وشدد على أن ضبط الفتوى وتنظيمها أصبح واجب الوقت ومهمة العقلاء والربانيين من علماء ودعاة وقادة مخلصين، فالفتوى ليست سوطًا مُسلطًا على الرقاب والأعناق، وهي كذلك ليست صكوك عفو وغفران للمتلاعبينوالعابثين بالمبادئ والقيم، لهذا كان من أوجب الواجبات إعادة الاعتبار للفتوى ابتداءً باقتصارها على أهلها الشرعيين، ثم تطوير وظائفها من خلال اعتماد الهيئات والمؤسسات الخاصة بها، وإعداد الدراسات والبحوث المطورةلها، وعقد المؤتمرات والملتقيات والندوات المنظمة لشئونها على المستوى القُطْري والإقليمي والدولي.

وبيَّن أنه مِن رد الاعتبار للفتوى أن تخصص لها منابر وقنوات ومواقع معتبرة تليق بوظيفتها وتُناسب مقامها، ويتفرغ لنقلها والتوسط بينها وبين جمهورها إعلاميون محترفون يتميزون بحسن الخُلق وسحر البيان،وعلى العلماء ورجال الثقافة والإعلام وأصحاب الكلمة والتأثير أن يصنعوا هيبة الفتوى فى القلوب والضمائر، وأن لا يسمحوا لغير أهلها بالاشتغال بها صيانةً لجوهرها وحرصًا على قداستها.

واختتم كلمته بقوله: لقد آن لفوضى الفتاوى أن تتوقف وآن للمتصدرين لها أن يتقوا الله فى شعوب قد أعياها التعب وأنهكها القتل والتشريد والحرب، آن لخوارج العصر أن يعتبروا بما حل بالأمة في القديم والحديث جراء الفتاوى الخاطئة والمنبثقة عن رغبة الانتقام والتسلط، لقد حان الوقت أن تمسح أمتنا عن جبينها غبار الزمن وضبابية الفتوى، وتسوي خلافاتها مع فكرها وتصوراتها، وتحزم أمرها، وتسند فتاواها إلى أهلها الشرعيين من أصحابالدين والعقل والحكمة.