"فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر".. الاسترخاء بين الأدباء والعلماء
الأربعاء، 18 أكتوبر 2017 12:00 محسام ابراهيم
بقدر ما تتصادم اكتشافات علمية حول "الساعة البيولوجية" استحقت جائزة نوبل في الطب هذا العام مع ما ذهب إليه الشاعر عمر الخيام في رباعياته الشهيرة في ثقافة الشرق حول عدم أهمية النوم قد تكون الرؤى والمفاهيم مختلفة لحد التباين بين الأدباء والعلماء حول قضايا النوم وبصورة طريفة أحيانا.
فالشاعر عمر الخيام الذي ولد في نيسابور بايران عام 1048 وقضى عام 1131. قال في رباعياته التي ترجمت غير مرة من الفارسية للعربية: "فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر"، غير أن ثلاثة علماء أمريكيين فازوا عام 2017 بجائزة نوبل في الطب تثبت جهودهم العلمية أهمية النوم وتطعن بشدة في صدقية الشاعر لتؤشر للهوة الواسعة بين خيال وتهاويم الشعراء ودراسات وأبحاث العلماء.
وقضايا النوم كثيرا ما ترتبط بطقوس الكتابة والإبداع عند الأدباء وللشاعر السوري الراحل نزار قباني مقولة طريفة جاء فيها: "لا احتاج إلى أكثر من سرير انفرادي كتلك الأسرة المستعملة في المستشفيات لأكتب قصيدتي ولو أنني نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر أو لويس السادس عشر لطار النوم من عيني وطارت القصيدة" !.
و"الأرق" من منظور ثقافي وأدبي محور كتاب أمريكي جديد صدر بعنوان: "ليال جامحة" يتناول فيه المؤلف بنجامين رايس تاريخ النوم وانعكاسات الأرق على العالم ليكون هذا الكتاب لمؤلفه البروفيسور في جامعة ايموري إضافة جديدة لما يعرف في الغرب "بثقافة النوم".
وفي هذا الكتاب سيجد القارئ الكثير حول تغير مفاهيم النوم عبر مسيرة الزمان وتصاعد الحديث حول "قلة النوم والأرق" في كتابات مثقفين بالغرب خلال القرن التاسع عشر ليرتبط الأرق بالثورة الصناعية المتعاظمة حينئذ بكل ما أفضت له من تغيرات عميقة في بنية المجتمع ومدركات الفرد.
ولئن اشتكى بعض الكتاب والأدباء سواء في الغرب أو الشرق بشدة من الأرق مثل الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي هنري دافيد ثورو الذي عاش في القرن التاسع عشر والكاتب المصري الراحل أنيس منصور الذي قضى منذ نحو ستة أعوام فإن "الساعة البيولوجية" كمصطلح ذاع وبات يتردد على الألسن منذ الإعلان عن جائزة نوبل للطب هذا العام مرتبطة بصورة وثيقة "بأنماط النوم" كما أن هذه "الساعة الداخلية" تؤثر على السلوك والمزاج العام للكائن الإنساني وغيره من الكائنات الحية.
وكان العلماء الثلاثة جيفري هول ومايكل روسباش ومايكل يونج قد تمكنوا من "عزل الجين المتحكم في الساعة البيولوجية" ووصفوا طريقة عمله بدقة ضمن حلقات المنظومة التي تتألف منها وقائع هذه "الساعة المعجزة" فيما نوهت لجنة جائزة نوبل بأن نتائج الأبحاث التي عكف عليها هؤلاء العلماء لها تأثيرات كبيرة على صحتنا ورفاهيتنا".
واوضحت مؤسسة نوبل انها منحت جائزة الطب ووظائف الأعضاء هذا العام للعلماء الثلاثة "لاكتشافهم الآليات الجزئية المسيطرة على ايقاع الساعة البيولوجية" وهو اكتشاف يشكل فتحا علميا بقدر ما يكشف عن "اهمية المزامنة بين الساعة البيولوجية للكائن الحي وإيقاع ودوران الكوكب الأرضي".
والعلماء الأمريكيون الثلاثة الذين اجروا ابحاثهم على "ذباب الفاكهة" هم اول من اوضح بدقة متناهية كيف تعمل الساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان وكل الكائنات المنتمية لمملكة الحيوان حسبما ذكر البروفيسور راسل فوستر الخبير المتخصص في "الساعة البيولوجية" بجامعة اكسفورد.
وساعة الجسم أو "الساعة البيولوجية" هي السبب الذي يدفعنا للنوم في الليل وتؤثر على المزاج العام للكائن الإنساني ومستويات الهرمونات ودرجة حرارة الجسم والتمثيل الغذائي كما تساعد الإنسان في التكيف مع حركة الأرض وساعات الليل والنهار.
ومن نافلة القول أن تعطيل "الساعة البيولوجية" له تداعياته السلبية بل والخطيرة على كفاءة الأعضاء فيما يقول البروفيسور راسل فوستر :"اذا أفسدنا هذا النظام سيكون للأمر عواقبه الكبيرة على التمثيل الغذائي في أجسامنا" فيما أعادت مؤسسة نوبل للأذهان أن "اثبات وجود ساعة بيولوجية ذاتية" داخل الجسم يرجع لجهود بذلها علماء في القرن العشرين "وكان نتيجة لبحوث علمية مضنية أجريت عبر عدة عقود".
ومع ذلك فقد ظلت طريقة عمل هذه "الساعة البيولوجية" مجهولة إلى حد كبير حتى تمكن العلماء الثلاثة الذين توجوا بجائزة نوبل هذا العام من عزل ووصف الجين الذي يسمى "جين الفترة" فضلا عن التعرف على جينات أخرى مرافقة لهذا الجين.
ومنذ الإعلان عن فوز فريق العلماء الأمريكيين بجائزة نوبل في الطب هذا العام عن أبحاثهم المتعلقة "بالساعة البيولوجية" حرص بعض المثقفين العرب، في شارات وومضات عبر الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، على تأكيد أهمية هذا الإنجاز العلمي وإيضاح أن "الساعة البيولوجية نظام محكم بدقة يتعرف به الإنسان طوال حياته على ضوء النهار وعتمة الليل وما ينطوي عليه تعاقب الليل والنهار من اختلاف في الوظائف الفسيولوجية".
وكان من الدال أيضا أن تنطلق بعض الكتابات من منظور ايماني باعتبار أن "الساعة البيولوجية باستدامتها طوال حياة الإنسان" معجزة من معجزات الخالق العظيم ومتصلة بالعلاقة بين تعاقب الليل والنهار وما يحدث من وقائع لا إرادية في الجسد الانساني.
و"النوم" محفز لكتب جديدة كما يخضع لدراسات مستمرة من جانب باحثين في الغرب من أحدثها تلك الدراسة التي أكدت أهمية "جودة النوم" كعنصر محوري مؤثر على الحالة النفسية والبدنية للانسان ومدى ثقته بنفسه فيما كان من اللافت أن هذه الدراسة التي شملت عينة بلغت نحو ثمانية آلاف بريطاني نهض بها قسم الاقتصاد في جامعة اكسفورد.
ومن الكتب الجديدة التي اهتمت بها الصحافة الثقافية الغربية كتاب "لماذا ننام ؟" بقلم البروفيسور ماثيو ووكر المهموم بقضية النوم وخطورة تحويل الليل إلى نهار كحالة مجتمعية في العالم المعاصر أو مايسميه "بالأرق العام" في سياق ما تتعرض له "الأنماط المعتادة لثقافة النوم من هجمات" في عالم الحداثة ومابعد الحداثة والمجتمع مابعد الصناعي.
وعلى حد تعبير البروفيسور ماثيو ووكر في هذا الكتاب فان "عبارة منتصف الليل لم تعد تعنيه لأغلب البشر الآن ماكانت تعنيه في ازمنة سابقة وهذه العبارة الآن لا تحول دون المكوث لساعات جديدة امام جهاز الكمبيوتر وليس القاء نظرة اخيرةعلى البريد الالكتروني" وهذه الحالة كما يقول "تعرقل حتى نمو العقول الشابة".
وواقع الحال ان كتابه الجديد حافل بمعلومات مفزعة عن عواقب قلة النوم فيما يسدي النصح ببساطة لقاريء كتابه الجديد :"اذا كنت تريد ان تكون اكثر مهارة وجاذبية وسعادة وأن تحمي نفسك من الأمراض القاتلة والعلل الخطيرة مثل الزهايمر والأزمات القلبية فليس عليك سوى ان تغلق عينيك في الليل وتخلد للنوم" مؤكدا على ان الاستجابة لصوت الصمت والنوم ساعات كافية في الليل "علاج لعلل كثيرة بل وحتى الأنفلونزا ".
وعالم الأعصاب ماثيو ووكر بريطاني الجنسية ويعمل بمركز "دراسات النوم البشر" بجامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة وهو دائم التحذير في مقابلات صحفية من ان قلة النوم تخلخل كل وظائف الجسد الانساني وتفضي لقابلية مواتية للأمراض القاتلة ومن ثم يصفها "بالوباء الكارثي" فيما يؤكد بالمقابل أهمية النوم المنتظم ليلا لمدة لا تقل عن سبع ساعات.
غير انه من المثير للأسى حقا ماذكرته وسائل اعلام غربية مؤخرا حول حدوث حالات وفاة بين أطفال رضع في بريطانيا أثناء النوم بسبب نوع من "الأسرة التي صممت "لتثبيت الطفل النائم الذي يقل عمره عن ستة اشهر في وضع نوم صحي" وقد توقفت المتاجر البريطانية عن بيع هذه الأسرة التي تسببت في حالات اختناق ووفاة لأطفال رضع.
وقضية النوم متصلة ايضا بمرض الزهايمر الذي يخشى منه الجميع لكنه يسبب حالة من الرعب لبعض اصحاب الأقلام الذين تشكل "الذاكرة" جزءا لايمكن الاستغناء عنه في عملية الكتابة ناهيك عن خطر تدهور الثروة اللغوية للكاتب فيما تشدد الدكتورة غادة مراد امين عام "جمعية الزهايمر المصرية" على ضرورة التقليل من ساعات نوم المريض اثناء النهار.
لكن ما العمل مع مبدعين يقفزون من الفراش في جوف الليل لكتابة فكرة أو بيت شعر أو حتى جملة قفزت فجأة لأذهانهم ويخشون عليها من النسيان إن انتظروا حتى إشراقة الصباح ؟!..يبدو أن أغلب الكتاب لا يرحبون بالنوم كما يتجلى في الكتاب الجديد والطريف للأمريكي بنجامين رايس عن الليالي الجامحة وتاريخ النوم والأرق وكما قال قبل ذلك بكثير قال شاعر الشرق عمر الخيام :"فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر" !.
ولكن من يدري :لعل اكتشافات العلماء الأمريكيين الثلاثة بشأن " الساعة البيولوجية" التي نالت جائزة نوبل في الطب هذا العام تغير من انماط النوم وثقافة الأرق لدى المبدعين في كل مكان !.