بن سلمان ونموذج الإمارات
الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017 05:28 م
قامت دول الخليج العربي باستقبال أبناء تنظيم الاخوان الهاربون من مصر وسوريا والعراق في خمسينات وستينات القرن العشرين، بالإضافة الى وجود أعضاء للتنظيم من أبناء تلك الدول، حيث كان حكام الخليج يدركون اهمية الاخوان المسلمين كحركة سياسية تقدم خدمات سياسية مقابل مكاسب، وكانت السعودية وقتذاك تعاني من تيارات ناصرية وقومية ويسارية وشيوعية واشتراكية وبعثية داخل الجامعة والمدارس وحتى المجتمع والمصالح الحكومية، حيث عجزت منظومة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الوهابية عن دحر هذه التيارات، لان الوهابية منظومة دينية غير قادرة على النقاش او رد الحجج السياسية بحجج سياسية ، بينما الاخوان المسلمين قادرين على ذلك.
هكذا قامت السعودية و الكويت وبعض امارات الخليج مثل ابو ظبي ودبي وقطر والبحرين على وجه التحديد بإطلاق يد الاخوان المسلمين داخل المؤسسة التعليمية من اجل ضرب التيارات السياسية ، تماماً كما فعلت مصر في السبعينيات، وان كان الاخوان خلال الخمسينيات وحتى اواخر القرن العشرين قد حصدوا اضعاف ما حصده الاخوان في مصر خلال عقد السبعينيات، فالإخوان في بعض المراحل بالخليج كانوا يسقطون وزراء التعليم والتربية وينصبون الوزراء، كانوا يحددون المناهج، عناصرهم المنتشرين بالعملية التعليمية مسحت الافكار القومية واليسارية والناصرية والليبرالية من عقول الناس، ما يظنه البعض مجتمع وهابي في السعودية و قطر ما هو الا نتاج سيطرة الاخوان المسلمين على المؤسسات التعليمية في هذه الدول قرابة النصف قرن ، كان الغلاف وهابياً، ولكن داخل المنظومة كان الاخوان المسلمين هم القوة الضاربة.
حينما وضعت الولايات المتحدة الامريكية مخططاً لتنظيم المقاومة الاسلامية في افغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، سعياً من واشنطن لتوجيه ضربة قاصمة الى موسكو، تحالفت دول عربية على رأسها دول الخليج في هذا المخطط، وكانت ايدولوجيا الجهاد وهابية الطابع وان كان منظرها الرئيسي هو الإخواني سيد قطب، والقوة المنفذة على الارض كانت الاخوان، سواء التنظيم عبر عبد الله عزام، او عبر الدعاية المروجة لفكر الجهاد في افغانستان واديرت هذه الدعاية عبر الصحافة الاخوانية في الخليج ، مثل صحيفة جمعية الاصلاح في الامارات ، و جمعية الاصلاح بدورها هي الذراع القانوني للإخوان في الامارات.
كما تولت الجمعيات المنبثقة عن الاخوان في دول الخليج جمع التبرعات للجهاد الاسلامي بأفغانستان.
ولكن بحلول عام 1988، كانت أبو ظبي تستفيق من لعبة الإسلام السياسي، تبعتها دبي عام 1994، ثم باقي الامارات العربية تباعاً، في رؤية مستنيرة ومستقبلية ذات بعد سياسي يدرك ان الإسلام السياسي خطر على البلد وان الإسلام برئ من تلك التنظيمات التي تحاول استغلال تاريخه.
وفى التسعينات قدم الرئيس المصري محمد حسني مبارك وثائق للرئيس الإماراتي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تكشف تورط تنظيم الاخوان بالأمارات في ارسال أموال لتنظيم الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في مصر ، ما يعني ان المال الإخواني ادار لعبة إرهاب التسعينات، وقد اجرى الشيخ زايد تحقيق داخلي بالإضافة الى المعلومات المصرية وادى الامر بحلول منتصف التسعينات الى حصر نهائي لجمعيات الاخوان في الامارات وانتهاء دورهم المجتمعي.
خلال سنوات قليلة قدمت الامارات نموذج فريد في التقدم الإنساني، من قال ان الديموقراطية لا تأتي الا بحياة حزبية سليمة عليه ان يذهب الى الامارات، من قال ان الليبرالية الاجتماعية والمجتمعية والاقتصادية لا تأتي الا في نظام الجمهوري او الملكي البرلماني عليه ان يذهب الى الامارات، قدمت الامارات عقب الخلاص من فيروس الإسلام السياسي نموذج فريد في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإنساني، دون الاخلال بالتركيبة الاجتماعية ونظام الحكم الملكي من جهة، ودون الاخلال بمورث الأخلاقي والديني والإنساني من جهة اخري، ودون تقديم تنازلات اقتصادية او سياسية من جهة ثالثة.
حينما نقارن اليوم بين الامارات وجيرانها، رغم التطور الكبير في الكويت، والتحسن النوعي في السعودية، وانحسار الإسلام السياسي في البحرين على ضوء عدم وجود حواضن ديموجرافية سنية قادرة على تمريره الى المجتمع البحريني، نكتشف ان الامارات طيلة العشرين عاماً الماضية كانت الرابح الأكبر، وحينما حل الربيع العربي، صعدت الامارات بثقة دون ضجيج، حتى ان اول جاسوس مدني منتخب محمد مرسي جن جنونه من دولة الامارات وحاول التطاول عليها مراراً بالغمز واللمز.
ويمكن القول ان الامارات مع السعودية كانتا مهندسي الربيع العربي المضاد، خصوصاً الامارات التي رفضت فكرة تصعيد الإسلام السياسي على اكتاف الربيع العربي، فدعمت ثورة 30 يونيو 2013 المصرية، وصعود العلمانيين في الانتخابات الليبية والتونسية وخسارة الإسلاميين لمكاسبهم في جولات الربيع العربي الانتخابية الاولي، بالإضافة الى التوجه لروسيا وعدم التوقف امام تحولات البيت الأبيض فحسب.
وبعبارات لا لبس فيها كان الفريق أول الشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبي هو مهندس دخول السعودية وبن سلمان للرباعية العربية في قرارها حيال قطر، وربما يسمح لنا التاريخ يوماً ما ان نقص كيف كانت أبو ظبي هي صاحبة اول اتصال بين بوتين وترامب قبل تولى الأخير السلطة، وكيف ان الرهان الاماراتي على ترامب على حساب الرهان القطري على كلنتون قد ربح وأفاد المنطقة حتى الان عقب مرور تسع شهور على تولى ترامب السلطة في البيت الأبيض.
وتفهمت الامارات حقيقة ان التشاور المستمر مع مصر سوف يفيد الطرفين، فلا كبير او لا صغير في المعادلات السياسية الجديدة، بل تحالفات وتفاهمات وثيقة تفيد الطرفين على نفس القدر.
والازمة القطرية الأخيرة وترنح قطر بحواضنها الوهابية والاخوانية والسلفية يوضح بجلاء ان نموذج الامارات انتصر على نموذج قطر، وان نموذج الامارات هو النموذج الاصلح لدول الخليج ان لم يكن كافة دول المنطقة للصعود والتعافي من الربيع العربي والإسلام السياسي ومخلفات الحرب الباردة، فالمنطقة لم تكن لتتحمل قطر اكثر من ذلك خصوصا مع صعود الامارات وطموحات بن سلمان، فكان منطقياً ان نرى قطر اليوم تنكب على داخلها بينما الامارات تفرد نفوذها في الشرق الأوسط.
واليوم، يتخذ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود قرارات صعبة بدعم من ولى عهده الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، ويبدو ان النموذج الاماراتي هو الأساس لهذا التحرك، حيث لا يتخلى المجتمع السعودي عن هويته الأخلاقية، مع تحديث يضمن بقاء واستمرارية الدولة والحفاظ على مكتسبات الحياة الكريمة.
وعكس المعتقد فأن المجتمع السعودي مستعد لهذا التحول الى الليبرالية المجتمعية، اذ حتى خمسينات القرن العشرين كانت التيارات السياسية غير الإسلامية قوية في المجتمع السعودي قبل ان يقوم آل سعود بتسليم مؤسسات التعليم والدين الى تنظيم الاخوان، فلم تنتصر الوهابية في الخليج العربي الا على يد الاخوان في الخمسينات والستينات، وحتى سبعينات القرن العشرين كانت بعض التلفزة السعودية تبث حفلات السيدة ام كلثوم قبل أن يحقق الاخوان انتصار الشامل للسلفية الوهابية.
والأيام وحدها سوف تثبت هل التحول الجاري في السعودية اليوم، وهو التحول الضرورة لإنتاج مملكة سعودية قابلة للبقاء، هل هذا التحول هو مجرد تحول شكلي لتمرير نقل السلطة من جيل الأبناء الى جيل الاحفاد، وحتى ينجح الملك سلمان فيما فشل فيه كافة ملوك السعودية من سعود الى عبد الله في تمرير السلطة الى ابنه ، وماذا عن التقارير الصحفية التي انتشرت عقب توليه منصب وزارة الدفاع خلفاً لوالده باعتباره مقرب من التيار الديني السعودي، هل انقلب بن سلمان على مرجعتيه الدينية ام يتظاهر بالليبرالية الى حين التمكين ومرور سنوات ترامب على خير ؟
والى أي مدي سوف تذهب الإصلاحات الليبرالية، ورد فعل الحركة الوهابية الحزب الحاكم داخل آل سعود على هذه الإصلاحات، خصوصاً الاجنحة المحافظة من جهة والاجنحة التي ترى ان لها حق الولاية او المشاركة من جهة اخري وتم استبعادها الفترة السابقة؟
وما مدى تأثير هذا الحراك الليبرالي الجديد على يد بن سلمان على دولة الكويت تحديداً، خصوصاً عقب انتهاء ازمة قطر بنهاية الوحيدة المنتظرة بسقوط تميم وابوه، هل يصل المد الإماراتي الى الكويت كما بدء يسفر عن نتائج في الرياض؟
وبعيداً عن حزمة الأسئلة المستقبلية، فأن الأجيال الحالية من المتعصبين قبل التنويريين، لديهم فرصة ذهبية لمعرفة كيف كتبت كتب التراث الديني على يد أئمة ومشايخ السلطان ومؤرخي الحاشية الملكية عبر تاريخ الإسلام، نفس الأسماء والاقلام والدقون والمشايخ التي صدحت طيلة العقود الثمانية الأخيرة حول عدم احقية النساء بقيادة السيارات، تماماً كما فعل مشايخ الاخوان في مصر بتجريم الاقتراض من المؤسسات المصرفية وما ان وصل جاسوسهم المنتخب للحكم حتى اقترض من قطر وتركيا حلفائه في مشروع هدم الإسلام من الداخل.
عليكم ان تعرفوا جيداً، ان الكتب والتراث الديني الذي رفعه البعض بكل اسف الى مرتبة الكتب الدينية كتب في ظروف نفاق شديدة الشبه بما قام به مشايخ اليوم، وان المراجعة التاريخية قبل الدينية التي يمكن ان يقوم بها أي مؤرخ سوف تكشف لكم الي أي مدي كانت المواد التراثية التي تعتبرونها اليوم غير قابلة للمراجعة او لا محل للخلاف عليها كانت مجرد ديباجات يتقرب منها البعض للخليفة او السلطان، او فتاوي بنت عصرها فحسب وفقاً لظروف تاريخية انتهت، او ضمن سياسة الدولة وليست من صمم الدين.
ختاماً، قد تحاول المملكة العربية السعودية التحول الى الامارات العربية المتحدة، ولكن بلا شك ان نموذج دولة قطر قد انتهي من الطاولة السياسية سواء في الدوحة او خارجها.