جمال مخدوع
الأحد، 08 أكتوبر 2017 11:00 ص![جمال مخدوع جمال مخدوع](https://img.soutalomma.com/Large/201703090734493449.jpg)
إمرأة
د. بسمة البحرى
رأيتها منكمشة وتزداد انكماشا كلما استرسل فى كلامه وانسابت العبارات من فمه.
تغوص فى كرسيها وتحاول الهروب بعينيها الحائرتين من وقع نظراته المسلطة عليها كسياط تلهب أنوثتها وثقتها بجمالها.
كان يخبرها بطريقة هادئة معسولة مليئة بالخبث بأن وزنها زائد على المعقول وأن هذا لا يليق، مستنكرا عدم شعورها بذلك الأمر المثير للنقد، متهما إياها بضعف الإرادة والإهمال فى نفسها، ومنبها ومحذرا بأنها يجب أن تأخذ الأمر بجدية أكثر وأن تسارع فى اتخاذ كل الخطوات الممكنة لحل المشكلة قبل موعد زفافهما الذى اقترب.
كان يلقى كلماته بزهو وكبر، ونشوة انتصار ترقص فى عينيه وكأنه مسئول كبير يلقى خطابه على ملأ من رعاياه.
وكانت هى مرتبكة ومنكسرة وكأنها تلميذ يوبخه معلمه على رسوبه فى الاختبار.
وكنت أنا أحاول أن أكظم غيظى وأخمد نيران الغضب المشتعلة بداخلى، لاعنة الظروف السيئة التى جعلتنى أستقل هذا القطار فى هذه الساعة وأجلس فى المقعد المجاور لهما بالذات لأستمع رغما عنى إلى هذا الحوار المستفز
بدأت تبرر جريمتها بصوت مهزوز وكلمات مرتعشة أنها حاولت كثيرا ولكنها فشلت، وأن الأمر حقا شاق عليها، فهى لا تستطيع أن تصبح فى وزن حنان ترك بسهولة كما يريدها أن تكون! ثم سألته بفزع: هل ستتركنى إذن؟
أخبرها بنبرة خشنة ومتعالية: هذا الأمر مرهون بجدية محاولاتك ومقدار بذلك للمجهود.
عند هذا الحد تمنيت من كل قلبى أن أفقد وعيى تماما حتى يصل القطار إلى محطته ومن ثم أفر هاربة حتى لا أستمع إلى المزيد.
وحتى لا أهب صارخة فى هذه المسكينة - التى رأيتها عندما وقفت آية فى الجمال والأناقة وتمتلك قواما متناسقا وأبعد ما يكون عن الامتلاء-بأنك جميلة القوام ورقيقة الملامح، لا ينقصك ولا يعيبك أى شىء سوى هذا المخلوق الذى تريدين أن تتخذينه زوجا وهو يبذل قصارى جهده لتسفيهك وتشويه نظرتك لنفسك كأنثى، تمنيت أن أجعلها ترى نفسها بعين أخرى غير عين هذا المخلوق الأنانى المدمر، وأن أخبرها بأنها حقا تستحق من يرى جمالها بحق ويخبرها بأنها أجمل الجميلات، وأن أسألها: هل حقا تشعرين بأن ما يكنه لك حب؟ فلتبحثى عن السبب وراء اختياره لك وأنت لا تعجبينه؟ واسألى نفسك عما سيقوله لك بعد الزواج إن كان هذا كلامه أثناء الخطوبة!
وعندما وصل القطار أخيرا وهبط منه الجميع، لم أستطع إبعاد عينىَّ عنهما، كانت تسير بجانبه وهى منكمشة مطأطأة الرأس وتحاول لملمة ثوبها فى ارتباك متلفتة حولها وكأن الجميع يراقبها مشمئزا من امتلاء جسدها المزعوم، وتحاول التقاط نظرات المارة المنتقدة والمحتقرة لقوامها، بينما يسير هو واثق الخطوات مزهوا بنفسه ناظرا إلى الأمام وضاربا الأرض بقوة.
بالطبع كان لى نصيب فى واحدة من التفاتاتها الكثيرة، التقت فيها عينانا لثوان تمنيت أن تطول لعلها تقرأ رسائلى إليها، لكننى تذكرت فجأة ما تبحث بعينيها عنه وما قد تفهمه من وراء نظراتى فأدرت وجهى مسرعة فى خطواتى لأختفى عنهما إلى الأبد.