حرب أكتوبر .. مشاهد من ذاكرة الطفولة
السبت، 07 أكتوبر 2017 10:09 ص
6 أكتوبر 1973 ..كان السبت أول أيام الأسبوع مع بداية العام الدراسى الجديد..كل شيئ كان يسير بشكل طبيعيا.. ليس هناك فى أجواء صباح هذا اليوم ما ينبئ أن الحرب تدق الأبواب على مسافة أقل من ساعتين من الطابور المدرسى..فى هذا الوقت كانت الدوام المدرسى على فترتين فى الصباح وعقب صلاة الظهر . وجاء الدور علينا فى الصف الرابع الابتدائى للذهاب الى المدرسة فى الفترة المسائية..انتظم التلاميذ فى الطابور بالمرايل الشهيرة المصنوعة من تيل "نادية" التى لا أعرف من هى هذه السيدة حتى يومنا هذا.
وعلى أنغام المارش و أغنية الله أكبر فوق كيد المعتدى انطلقت الصفوف الى الفصول وبدأت الحصة الأولى ثم الثانية واقتربت عقارب الساعة من الثالثة الا قليلا ..وفجأة دبت فى طرقات المدرسة حركة غير طبيعية ..ووقف ناظر المدرسة المحترم فى منتصف الفناء ليهدء من روعنا ويأمرنا بالانصراف فى هدوء والذهاب الى البيوت.." فالحرب قامت يا أولاد".. قالها وعيناه غارقة فى الدموع. فملحمة العبور و الثآر والكرامة والشرف قد بدأت.
طالما ان هناك حرب فما ضرورة الذهاب الى المدرسة..؟ آه ..إنها خطة الخداع والسرية للعدو الصهيونى وشارك فيها الشعب وليس الجيش وحده.. هكذا عرفت فيما بعد وفى سنوات لاحقة بعد سنوات من انتهاء الحرب. فالعام الدراسى قد بدأ والتلاميذ فى المدارس والطلاب فى الجامعات والدورى العام لكرة القدم فى هذا اليوم لم تتوقف مبارياته والاذاعة تبث أغانى شهر رمضان الشهيرة.
بعد افطار يوم العاشر من رمضان أول ايام المعركة..وبعد بيانات الاذاعى الشهير المرحوم صبرى سلامة عن بداية المعركة وعبور قواتنا لمانع قناة السويس المائى واقتحام النقاط الحصينة لخط بارليف الصهيونى..انطلقنا، أطفال الشارع، فى الشارع الكبير فى مدينتنا الصغيرة نردد الشعارات الطفولية المتوعدة بالعدو الصهيونى بالحرق بالبنزين والجاز ونغنى للنصر والعبور ونجوب الشارع والحوارى الصغيرة المحيطة به خلف رجال الدفاع الشعبى للتنبيه على الأهالى بإطفاء الأنوار وإخفائها باللون الأزرق...«طفى النور يا بهية احنا عساكر دورية» ولا أدرى حتى الآن من أين جئنا بهذه الأغنية ومن هى بهية التى كان عليها واجب إطفاء الأنوار، تلبية لعساكر الدورية وصيحات صفارات الإنذار فى أيام المعركة.
رغم صغر السن كان الوعى يتجاوزه بكثير ..ندرك كأطفال ما يدور حولنا . الحرب ساهمت فى النضج وزيادة الوعى.. علينا واجب لا بد أن نؤديه، فالكبار والصغار داخل المعركة على اتساعها فى الجبهة الداخلية وجبهة الحرب. فى الشارع كأننا نرتدى زى الجنود نمشى أنا و باقى الأطفال ومنهم جورج وسامى وميخائيل ..بالمناسبة يعنى وننبه على الناس عدم التقاط أشياء مجهولة من الأرض عسى أن تكون متفجرات صغيرة ألقاها العدو انتقاما من المصريين..!
ذكريات الحرب مازالت منقوشة فى ذاكرة الطفولة..ومانشيت أول صحيفة اشتريتها بعد اندلاع الحرب باللون الأحمر الضخم عن " معركة المنصورة" التى واجهت فيها قواتنا الجوية الباسلة بحوالى 62 طائرة من طائرات الميج حوالى 120 طائرة صهيونية من طراز الفانتوم والميراج والسكاى هوك واسقط الابطال 18 طائرة صهيونية وفر الباقى بعد معركة اسطورية استمرت 53 دقيقة.
بالمناسبة برضه يعنى.. شارعنا كان اسمه " شاع الشهيد وديع بسخرون" الذى استشهد قى حرب 67. ومازال الشارع يحمل اسمه..
تحية للشعب المصرى وتحيه لجيشه فى يوم النصر والفداء والبطولة والتضحية وتحيه لشهداءه أجمعين مسلم ومسيحي.