نحو تعايش أفضل.. تطوير التعليم يبدأ من دراسة الأديان
الجمعة، 29 سبتمبر 2017 11:14 ص
منذ خروج ظواهر التدين السياسى والفوضى الاجتماعية والانحطاط المذهبى في عدد من بلدان العالم ، إثر قيام الثورات العربية على الأنظمة ، أصبح العالم يموج بأنواع من التدنى الخلقى وانبعاث تيارات الكراهية والعنف والتلوث النفسى والفساد القلبى وتكريس الصراعات الدينية والفكرية ، والخلافات المذهبية ، والتحديات الجسام ، مما دعت الضرورة الى إعادة النظر في التوجه نحو القيم الروحية التي أصبحت البديل الأمثل لمواجهة كل تلك المظاهر السيئة التي آلت بالمجتمع الى هذا الحد .. تلك القيم نجدها واضحة اذا ما توجهنا الى الأديان بقراءتها ومعرفتها المعرفة الصحيحة المتأنية.
ولكن كيف نستطيع توصيل تلك القيم الدينية والمنطلقة من مصدر واحد ( الله عز وجل) الى المجتمع بمختلف أطيافه .. لابد وأن تكون هناك منظومة واعية وخطة مدروسة يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف .
هناك آليات يجب الرجوع اليها أولها وأهمها التنشئة الأولى للطفل منذ ولادته فعندما يخرج إلى الحياة يقوم المسلم بالتكبير في أذني المولود، كما يغمسه المسيحي في الماء ، والهدف هو مباركته والدعاء له ، وهذا يشير إلى أن أول ما يتلقاه الطفل عندما يخرج إلى دار الدنيا هو الدين ، ويستمر معه يلازمه في كافة مراحل حياته ، فلا يمكن لأى إنسان الاستغناء عن اللجوء الى الله ، كما أن مسألة عزل الفرد عن دينه تعنى إضراره وإفساده ، أما اذا تلقن منذ نعومة أظافره القيم والفضائل والأخلاق الحميدة التي تحث عليها أديان العالم فسوف ينشأ على الخير والفضيلة والسلام وهو ما تنادى به كل الأديان.
ماذا يحدث لو تعرف المسيحى في المدرسة على القيم الإسلامية كما هي مكتوبة في القرآن والسنة ، وما الذى يحدث لو تعرف المسلم على القيم والروحانيات المذكورة في الإنجيل، بالتأكيد سوف يتغير سلوك كل منهما نحو الآخر، ليس السلوك فحسب إنما المشاعر والإحساس بالأخوة الصادقة والصادرة من قلب سليم نقى، ولا يظنن البعض أننا نقصد الإشارة إلى مبادئ مخالفة للأديان وخصوصيتها كمفهوم (توحيد الأديان) بمعنى دمجها في دين واحد.
إن تلقين النشء وتعليمه منذ الصغر حتى اكتمال نضجه العلمى والنفسى والاجتماعى وأيضا الفكرى ، معارف الدين وقيمه ومبادئه الأخلاقية دون المساس بالعقائد الثابتة لدى كل فرد وتشجيعه على توقير واحترام دين الآخر هو أول حجر أساس يمكن أن يوضع في مناهج المدارس والجامعات يقدم من خلاله النموذج العملى والحى للتعايش والتسامح واحترام فكر الآخر مع تأهيل المعلمين ليصبحوا نموذجا وقدوة في الحيدة والموضوعية وعدم التعصب.
كما أن ترسيخ قيم التعايش في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي يساعد في تكوين أنفس سليمة صحية متعافية من الضغائن والانعزالية.
إن تطوير العلم بعيدا عن الصورة الذهنية والنمطية التى تواترت عليها الأجيال السابقة والعمل على ارتياد مناطق وأفكار لم تكن مطروقة من قبل ، هو كل ما ينبغي تطبيقه وإضافته إلى أجيال المستقبل وذلك لمواكبة الثورة التكنولوجية والمعرفية الهائلة المبنية على التقدم في مجال الاتصالات ، والتى هي عنصر قوى وفعال ، في التنافسية العالمية التي تستوجب أن يكون أهل التخصص على دراية ومعرفة واستعداد للتغيير والتحديث، سواء تعلق ذلك بالموضوعية أو أساليب التناول التى من المفترض أن تكون أكثر جدية ، إضافة إلى إدخال عناصر التشويق العلمى والمفاجأة عن طريق الفروض والنظريات والأسلوبية الجديدة .
إن دراسة الأديان الوضعية والسماوية ؛ والبحث في القضايا المعاصرة التى تنشأ عن الدين ، ودراسة الفرق الدينية المعاصرة ، المتشددة والمحافظة والعلمانية منها ، وارتباطها العقدى بالديانة ومقارنتها بعضها ببعض ، وأيضًا تأثيرها على المستوى المحلى والدولى، كل هذا يؤدي الى توسيع المدارك والمفاهيم لدى المتعلمين وخاصة الشباب ومساعدتهم في التوصل إلى الحقائق المجردة وتنزيهها عن التعصب أو الميل والهوى ، فالديانات المتعددة ما هى إلا مظاهر لأصل جامع لها هو(الله) . وما افترق عليه البشر ، فما هو إلا التحريف والتبديل الذى اعتراها . ولهذا السبب ظهر التباين والاختلاف.
إن دراسة الأديان تعطى أهمية معرفية كبرى للوقوف على علة حقيقتها وتحديد موقف صاحب هذا العلم من هذا المعتقد أو ذاك . كما تقدم لنا التفكير المعرفى لفهم الظواهر الدينية والثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية حتى يمكن تجاوز مواقف الانغلاق على الذات ، والرغبة الاستعلائية باعتقاد دين بعينه واقصاء دين آخر .
إن علم الأديان يسهم في توسيع المدارك وتحسين التفاهم المشترك بين أهل الأديان الأخرى ، ويساعد على تنشئة اجيال تقوم على المعرفة الصحيحة والفهم الواعى لخاصية كل دين والاعتراف به .
وهكذا يمكن وضع مصفوفة فكرية تحقق التعايش بين الأديان في المقررات والمناهج الدراسية تتبع النهج التالي:
1- التصالح الفعال بين الموضوعات التي تدرس في المراحل التأسيسية للطفل سواء المسلم أو المسيحي بحيث لا تطغى مقررات على أخرى.
2- عقد الدورات وورش العمل للمدرسين والأساتذة على أيدي خبراء ومؤسسات دينية مرموقة ومشهود لها بالاعتدال والوسطية .
3- تدريس القيم الإنسانية المشتركة في الأديان لترسيخ أسس ( التعايش المنهجي ) بحيث يرى الدارس هذا الانسجام والانصهار مجسدا في المعنى والمبنى، في الجوهر والمظهر.
4- صياغة خطاب دينى تشارك فيه كل المؤسسات التربوية والتعليمية ويشارك فيه علماء الأزهر ويشارك فيه رجال الكنيسة يتضمن كل مقومات السلام ونبذ الحروب والقضاء على الإرهاب ومحاربة التمييز وخطابات الكراهية .
تلك هي منظومة الفهم الديني الواجب الاهتمام بها في مناهج التعليم والمؤسسات العلمية، خاصة في تلك الظروف التي نمر بها ، والتي تحتاج إلى توحيد الرؤى لبناء آفاق جديدة من التفاعل والعطاء.