وداعا شريف بسيونى أبوالقانون الدولى
الإثنين، 25 سبتمبر 2017 09:10 م
أول مرة أسمع عن البروفيسور الراحل شريف بسيونى فى البحرين ، حين اختاره الملك حمد بن عيسى آل خليفة لرئاسة لجنة تقصى الحقائق فى أحداث البحرين فبراير 2011 .
وفى مكان تحيط به السرية التقيت الدكتور بسيونى وفريقه الذى كان يضم كبار المحققين الدوليين ، حيث أتم مهمته بنجاح بإصدار تقرير تميز بالمهنية ووجه انتقادات للطرفين حكومة ومعارضة ، وقد حضرت مراسم تسليم التقرير أمام العاهل البحرينى .الذى تقبل ملاحظات تقرير بسيونى بصدر رحب ووجه حكومة الشيخ خليفة بن سلمان بتنفيذ توصيات لجنة بسيونى ، وهو ما تحقق على أرض الواقع .
كان البروفيسور محمود شريف بسيوني ضمن ألعلماء والباحثين المصريين الذين هاجروا إلى بلاد العم سام ، في الستينات مثل غيره من العقول العربية المهاجرة أمثال الدكاترة أحمد زويل وفاروق الباز ومصطفى السيد ، وهم علماء صار لهم شأن ومكانة تخطت حدود أوطانهم الأم.
هاجر الدكتور شريف بسيوني من مصر إلى الولايات المتحدة ( سماه الهروب الكبير )،بسبب قناعاته وإيمانه بحقوق الإنسان والديمقراطية وهما قضيتان غابا في عهد عبد الناصر،أو لنقل أكثر دقة في ( فترة حكم ضباط يوليو ( 1952- 1956) ثم فترة حكم الرجل الأول والأول مكرر ( ناصر – عامر ) التي امتدت من (1956 – 1967).
كان المبدأ السائد وقتها ( الولاء وأهل الثقة مقدمين على الكفاءة والخبرة) ،وقد تعرض بسيوني للاعتقال والتعذيب والبقاء قيد الإقامة الجبرية في منزله طيلة سبعة شهور، وصودرت ممتلكات أسرته الارستقراطية .ورغم أن هناك جزءا خافيا في الموضوع لم يذكره كاتب المذكرات ، إلا أن تعدد الروايات حول الحقبة الناصرية ( مذكرات عثمان أحمد عثمان و أحمد زويل وسعد الدين إبراهيم وآخرين ) يجعل رواية بسيوني أقرب للتصديق.
انتقد بسيوني ترحيل اليهود من مصر ، المعروفة بانفتاحها على كل الثقافات والأعراق من إيطاليين ويونانيين وأرمن وغيرهم ، ولم يذكر الدافع وراء القرار وهو الغصة التى أصابت عبد الناصر ورفاقه من تنكر بعض اليهود لمصر ،التي ولدوا وعاشوا فيها قرونا من الزمان وأكلوا من خيراتها ،وكان رد الجميل قيام بعض اليهود المصريين بعمليات إرهابية لصالح إسرائيل، وأبرزها فضيحة لافون وغيرها من عمليات التجسس ضد مصر الناصرية.
كانت أمريكا في نظر بسيوني وغيره من العرب المهاجرين الجنة الموعودة، ذات الظلال الوارفة من الطموحات والآمال . ولم يخطر على بال الكثيرين ما سوف يواجهونه من صعوبات في المجتمع الأمريكي الذى يرفع شعار تمثال الحرية والتعددية والتسامح العرقي والديني والإثنى ، ويخفى تحت السطح والشعارات البراقة تناقضات كثيرة ، من التعصب والعنصرية وقوة اللوبي اليهودي.
صدم بسيوني من المواقف التي تعرض لها سواء داخل الجامعة والمجتمع الأكاديمي أوخارجه ، فقد فوجئ أستاذ القانون الجنائي الدولي بجامعة شيكاغو ، أثناء ترشيحه لمنصب المستشار القانوني في مكتب وزير الخارجية الأمريكي ، بوقوف اللوبي اليهودي ضد ترشيحه ، لأنه من أصل عربي ومسلم أولا وثانيا لتأييده للقضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
وفى كل مكان يسعى البروفيسور شريف بسيوني للترقي فيه والوصول إلى مكانة مرموقة علمية أو سياسية كان اللوبي اليهودي المنظم والقوى والأكثر نفوذا وتأثيرا في دوائر صنع القرار الأمريكي سواء في البيت الأبيض أو الكونجرس وحتى الشركات الكبرى ووسائل الإعلام ، يقف في مواجهته متحديا طموحاته وتطلعاته.
يروى بسيوني بكل مرارة ذكريات تلك الأيام عندما كان مرشحا لمنصب رئيس جامعة ينيويورك،كيف وقف الأساتذة اليهودهناك ضد ترشيحه وتعصبوا وقاموابمظاهرة ضده،وفي ولاية أخرى في شيكاغوعندما كان شريف بسيوني مرشحاكنائب رئيس لجامعة إلينوي للشؤون العلمية،قام الأساتذة اليهود بمظاهرات ضده،بزعم أنه من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية،في محاضراته أمام الطلاب وفى الندوات العامة .
رحل شريف بسيونى ولم نرى اسمه على شارع من شوارع مصر المحروسة أو تخلده جامعة بإطلاق اسمه على أحد مدرجاتها وهو الذي تدرب على يديه كبار رجال القانون والقضاء فى العالم ، فإلى جنة الخلد سلام مع الخالدين .