الزار السياسى السنوى فى نيويورك: تحليل للأداء وللمعانى!

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017 12:00 م
الزار السياسى السنوى فى نيويورك: تحليل للأداء وللمعانى!
محمد حسن الألفى يكتب:

كانت المنصة الدولية ذات الخلفية الخضراء الرخامية الداكنة الخضرة أشبه بالضريح المجلل بالفرش الأخضر المطرز، يلتف حوله الدراويش، من القتلة والمقتولين، من الظلمة والمظلومين، وهكذا رأينا نتنياهو وهو قاتل، يتحدث عن السلام وعن حق الإسرائيليين فى الأمان، وعن الحب الذى تحظى به الدولة اليهودية فى العالم، ورأينا رئيس أمريكا ينذر رئيس كوريا الشمالية بتدميرها تدميرا تاما، لو هددت أمن أمريكا أو أمن اليابان أو كوريا الجنوبية، ورأينا شيخ قطر تميم يشكو مظلمته من أهله وعشيرته فى دول مجلس التعاون، وهو من يهدد أمنهم واستقرارهم، وأمن الدولة المصرية واستقرارها، وهو يبدد أمواله فى احتواء وتجنيد رءوس الإرهاب فى العالم.. كانت لهجته لهجة «ولية» مهضومة الحقوق، اتخذت الاستعطاف هدفا، فاستحدثت وجها غير وجهها، ولسانا غير لسانها، ونطقت بما سطره لها الأفعى المارق عزمى بشارة الصهيونى القابع عند قدمى الحمدين، الخال والأب! بل بلغ به الفجور أن أعلن أن بلاده تكافح الإرهاب، وهو المدان عالميا بتمويل الخلايا والجماعات الإرهابية والانقلابية! 
 
يلفت النظر أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كان فى حالة من التجلى العالى، فهو يتصرف بإحساس المقيم فى بلد المنشأ، أى فى البيئة الطبيعية له، بمعنى أنه منطلق على خشبة المسرح العالمى، والكل ينصت لتهديداته، ولاتهاماته، وهو يتحدث بثقة الإله المتحكم فى أقدار الكرة الأرضية، يوزع الحماية على من يخضع، ويسحبها عمن لا يركع!
 
وهو حين هدد بتدمير كوريا الشمالية لم ينس المتلازمة السياسية عنده، فكل كلام عن بيونج يانج يعقبه أو يسبقه كلام عن طهران، وهو يرى أن الولايات المتحدة عقدت أسوأ صفقة سياسية مع إيران راعية الإرهاب والفوضى فى الشرق الأوسط على حد تعبيره، وتحس من كلمته أنه بصدد إنهاء الاتفاق النووى مع إيران رغم معارضة الاتحاد الأوروبى، ورغم تهديدات طهران بأنها سترد على الفور ردا مؤلما، والمفروض أن تهديدات ترامب بإنهاء الاتفاق النووى سوف توضع موضع الاختبار أمام العالم كله منتصف أكتوبر المقبل، حين يطالبه الكونجرس بالتصديق على الاتفاق، على أساس أن إيران ملتزمة ببنود الاتفاق ! 
سنرى ما سيفعله!
 
ومهزلة المهازل كانت كلمة رئيسة وزراء دولة ميانمار التى تساءلت فى براءة عن الأسباب التى تجعل طائفة الروهينجا المسلمة تفر من بلادها إلى بنجلاديش، أكثر من 400 ألف آدمى حتى الآن!
 
هى تحرقهم أحياء وتحاصرهم وتبيدهم وتدفن قرى كاملة، وتلغم حدودها مع بنجلاديش حتى لا يعود الروهينجا إلى بلادهم فى أى وقت، ويحدث هذا والعالم عارف وشايف وصامت، ثم تخرج سو كو رئيسة الحكومة متبجحة وتواجه قادة العالم، من فوق المنصة، تتساءل: لماذا يهربون منا؟!
إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا الشاب، 39 سنة، كان رغم اصطناع القوة، فى الخطاب السياسى والأداء، أشد تجسيدا للثقافة الفرنسية والموقف التقليدى السياسى لقصر الإليزيه، من ناحية الابتعاد بمسافة عن البيت الأبيض فى مواقف، والاقتراب بمسافة منه فى مواقف أخرى.
 
فهو مثلا مستاء من خروج أمريكا ترامب من اتفاقية المناخ التى سبق أن وقع عليها سلفه باراك أوباما، لكنه اقترب منه فى ضرورة التوصل إلى حل سياسى للحرب بالغة التعقيد فى سوريا، وهو ضد موقف ترامب من طهران، ولا يراها تنتهك بنود الاتفاق النووى، ويعتبر إنهاء أمريكا له عملا له مضاعفات دولية خطيرة على المنطقة.
 
لكن لا تنسوا أبدا أنه حين تدعو أمريكا الغرب إلى حرب على العرب، فلسوف يدهشك أن تهرول فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا والأتراك والبشمركة الكردية، وبضعة العساكر بتوع قطر!
 
وتجئ كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقد جمعت فى إيقاع سريع ومدروس عددا من الملفات تمثل محاور عمل السياسة الخارجية المصرية من سوريا إلى ليبيا إلى إثيوبيا إلى الروهينجا.. الحديث عن الدول الثلاث هو حديث يجمع بين الدولة الوطنية وعناصر هدم الدولة الوطنية، ومن هنا كان البيان واضحا جدا فى ضرورة الحفاظ على وحدة ومؤسسات الدولة السورية مع حل سياسى يشترك فيه كل أطياف الشعب السورى، تجنبا لانهيار وفوضى كالتى وقعت فى ليبيا ووقعت قبلها بالعراق، ولا تزال الدماء أنهارا. 
 
أما عناصر الهدم فهى أموال الدول التى تهاجم هنا الإرهاب وهى راعيته وممولته، وألمح إليها الرئيس دون أن يسميها، ترفعا وتحقيرا!
لم يعرض الرئيس السيسى آلام مصر وجراحها ولم يستعطف أو يستجد أحدا، وحفظ كرامتها، وتحدث بعزة وثقة، وكان أكثر توفيقا حين خاطب الشعب الإسرائيلى رأسا يدعوه إلى قبول خطة سلام قيد البحث بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذكرهم بأن السلام المصرى الإسرائيلى رائع ومستمر منذ أربعة عقود.
 
أنفاس وروح البطل الراحل أنور السادات كانت فى حروف الرئيس السيسى، والحق أنه عزف لحنا أصيلا يلقى الهوى فى الكونجرس، وفى البيت الأبيض، وفى صفوف الشعب الأمريكى، فضلا عن أنه يوفر دعما لرئيس الحكومة الإسرائيلية المراوغ بنيامين نتنياهو، الذى لا بد سيلقى معارضة من الأحزاب اليمينية المتطرفة فى وزارته، ناهيك عن أنه هو نفسه متطرف.
 
كان البيان عميقا وفيه حكمة وفيه دهاء سياسى، فى نقطة السلام ومناداة الشعب الإسرائيلى نحوه، وفى نقطة تذكير إثيوبيا بأنها ملتزمة باتفاقيات وبقانون دولى وبأنها متشاركة مع شقيقتيها مصر والسودان فى مياه الأنهار الدولية.
 
تلك كانت صورة العالم من داخل حكومة العالم، ترأسها سيدة العالم، وهى صورة لن تختلف كثيرا عن اللون الذى كانت عليه فى كل الأعوام التى سبقت، فالظلم هو الظلم، والاحتلال هو الاحتلال، والفقر هو الفقر، والخوف هو الخوف.. فقط كثافة الخوف ودرجات الظلم، ومستويات الانحدار إلى الفقر هى المختلفة. 
 
وستأتى الدورة القادمة فى مثل هذا الوقت من العام 2018، وسترى الوجوه ذاتها أو مَن أطاح بها، وستسمع وستشاهد بكائيات البشرية وحسراتها على ما يحيط بها، كأنما الدم والفقر والخوف، جرائم من أعمال كوكب آخر!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق