«ساحات الفقراء».. ملاعب بين المقابر والجمهور «أموات» (فيديو وصور)

الإثنين، 25 سبتمبر 2017 07:58 م
«ساحات الفقراء».. ملاعب بين المقابر والجمهور «أموات» (فيديو وصور)
ملاعب بين المقابر
ماجد تمراز

ساحة ترابية مساحتها لا تتعدى الـ 100 متر، مُخططة بشكل مُنظم، لم يختلف كثيراً حالها عن بعض الأندية ومراكز الشباب، فرُسمت نقطة الجزاء وخط التماس وحدود منطقة المرمى بدقة متناهية، وكأن أحد كبار المهندسين بإحدى الشركات قام بتخطيطها، «جونين» بدائيين وشبكة مقطوعة من الخلف والجانبيين تسمح للكرة بالمرور إلى الجانب الأخر مع أقرب تسديدة قوية تمر بجوار الحارس لتسكن المرمى، أضواء كاشفة «متواضعة» أعلى مقبرة «عائلة البدرى» لتكشف الملعب كاملاً كلما حلت الساعة السادسة مساءاً وحتى الساعات الأولى من الصباح.

 

الجماهير الغفيرة من «الأموات» تنتظر المباريات العالمية اليومية التى يُقيمها أبناء منطقة الـ«تُرب» بمنشأة ناصر، فقد شارك جميع شباب المنطقة فى تخطيط ملعبهم الفريد فى عالمهم الخاص، فلا يمتلك أحدهم 30 جنيه يومياً لمشاركة أصدقاءه فى استئجار ملعب بأحد مراكز الشباب أو الأندية المُحيطة بهم، فمعظمهم تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 22 عام، الصغار منهم لا يعملون، وشبابهم يمتهنون النجارة والحدادة والسباكة وغيرهم من المهن، ويعملون فى ورش بالدويقة والخليفة والدرب الأحمر، والفئتين يتمكنان من الحصول على قوت يومهم بالكاد.

 

 

 

نسج أطفال المقابر بخيالاتهم نجوم العالم التى يرونها خلسة، كلما مروا أمام أحد المقاهى أثناء إذاعة إحدى مباريات المنتخب الوطنى أو الدربيات الكبرى بالعالم كمباراة ريال مدريد وبرشلونة وغيرهما، فسمى كل منهم اسمه على اسم نجم من النجوم التى رأوها، فلا يمسح أحدهم لأحد اقتحام هذا العالم، ويسدون آذانهم عن أى كلمة سخرية تريد النيل منهم عندما يناديه أحدهم بـ«رونالدو» أو «ميسى»، حياة أخرى غير حياتنا وأحلام ذات طراز خاص يعيشها أبناء المقابر وصغارها.

 

«أنا محمد صلاح، متبصليش أنا محمد صلاح، خير؟»، هكذا بدأ طفل لا لم يتجاوز ربيعه السابع فى تعريف نفسه، يرتدى «تى شيرت» أحمر لا يحمل شعار لأى نادٍ، رُسم على ظهره رقم 10 بالـ«قلم الجاف»، حوار صغير دار بيننا وبين الطفل أحمد رشاد، نجل أحد سكان التُرب بمنشأة ناصر، أبدى فيه الطفل انزعاجه الشديد من نظرة سخرية لاسمه المٌستعار، الذى كان على اسم نجم منتخب مصر القومى ونادى ليفر بول محمد صلاح.

7f6c3743-8c83-49c1-9392-9e9e67118bcc
 

 

ويقول الطفل أحمد رشاد، وهو عابس الملامح: «مبحبش حد يتريق على إسمى، أنا معروف هنا أن اسمي محمد صلاح، أنا بحبو وبتمنى أبقى زيو وشبهو، وأنا لابس فانلة ليفربول الفريق اللى بيلعب فيه، والحمد لله سريع جدا بسبق كل صحابى والعيال اللى بتلعب معايا، وأبويا كان هيقدملى فنادى المقاولين اللى جنبنا هنا، هو وقالى أنه هيودينى»، وتوقف لدقيقة للتحدث مع أحد أصدقاءه عن موعد لعبهم، واتفقا على اللعب فى الساعة الخامسة «قبل الكبار ما يبدءوا لعب».

 

خطوات قليلة تفصل طريق الأتستراد عن الملعب، وقبل نهائية الطريق إلى الساحة، وقف شاب لا يتجاوز عمره الـ 20 عام يدعى أحمد حنفى، ضمن مجموعة الشباب التى تنظم المباريات ليلاً، والذى أكد أن هذه الساحة قبل أن يتم تخطيطها لتكون ملعب، كان أبوه وجده يلعبون بها، بعد أن يضع أحدهم حجرين فى جهة، وحجرين أخري نفى الجهة المقابلة، ويلعب الفريقان دون حكم، موضحاً أنها الملاذ الأول والأخير لهم كلما أردوا الترفيه عن أنفسهم.

5932b872-6eeb-45e3-8cba-35edb1e1beb3
 

 

وقال عم سيد، صاحب «نصبة شاى» متواضعة فى طريق الساحة، إنه كان يلعب كرة القدم منذ أن كان عمره 10 أعوام، وكان والده قبل هذا السن يرفض خروجه من المنزل وسط المقابر خوفاً عليه، فكان يصطحبه مساءاً ليشاهد أعمامه وأصحابهم وجيرانهم وهم يلعبون إحدى المباريات النارية، فمنذ أن عرف الدنيا لم يمارس كرة القدم خارج هذه الساحة العتيقة، قائلاً: «من يوم ما أمى ولدتنى ملعبتش كرة غير هنا».

 

وعلى بُعد 2 كيلو متر مربع، تقع منطقة الحطابة بحى الخليفة، فلم يجد أطفال هذه المنطقة متنفساً لممارسة هوايتهم ولعبة كرة القدم إلا فى «ساحة الجبل»، عدة أمتار تصعدها على جبل الحطابة، لترى بعينيك ملعب «خماسى» أرضه من التراب، يقع فى حرم قلعة الجبل، يقع أسفله آلاف الموتى، فقد كانت هذه المنطقة مدفناً فى السابق، وعلى الرغم من أن إدارة مركز شباب الحطابة خصصت ساعة يومياً ونصف يوم الجمعة بالكامل للأطفال مجاناً، إلا أنهم يصعدون يومياً للعب الكرة فى ساحة الجبل.

6101bb44-380a-43b4-a861-bb3c87b65f73
 

 

ويقول كابتن عادل مهاميرو، رئيس نادى الحطابة، فى تصريحات لـ«صوت الأمة»، أنه قرر ومجلس الإدارة تخصيص ساعة يومياً مجاناً للأطفال الموجودين بالمنطقة، كما تم تخصيص نص يوم الجمعة لهم، لتعويدهم على ممارسة الرياضة من الصغر بشكل سليم، مشيراً إلى أن ساحة القلعة الموجودة بمحيط القلعة، كانت ملاذاً لأجداد وآباء كل من يعيشون فى المنطقة، وكانت تُقام بها مباريات ساخنة وقوية، وفى شهر رمضان كانت تُقام الدورات عليه، وكانت بحضور جماهير من المنطقة ومن المناطق المحيطة بها بسوق السلاح والخليفة والدرب الأحمر وغيرهم.

1820ccbe-89d7-4fa6-b0c4-65b480dbf92f
 

وطالب «مهاميرو»، وزارة الشباب ومحافظة القاهرة، باعتماد ساحة القلعة كملعب رسمي، يتم استئجاره لأهمية موقعه المتميز، كما أنه يُمثل ذكرى جيدة لدى أهالى وأطفال المنطقة، مشيداً بالدور الذى يقوم به المهندس خالد عبد العزيز، وزير الرياضة فى الاهتمام بساحات الشباب والأندية واحتواء الشباب لحمايتهم من الأفكار المتطرفة.

 

509dfef0-5c50-4f61-8100-5fb9e347d607
 

 

d35eafc7-34e7-4bfc-8f06-918eb8d2bbc3

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق