في ذكرى ميلاده
محمود خليل الحصري.. طبيب القلوب يتجلى في مسقط رأسه
الأحد، 17 سبتمبر 2017 04:08 م
«وَيَا حَامِلَ الْقُرآنِ طُوبَى لكَ اسْتَمعْ.. فَضائلَ مَنْ يَتلُو الْقُرانَ وَمَنْ يُقري، فَإنِّهُم أَهلُ السَّعادةِ وَالتُّقى.. وَزَينُ عِبادِ الله في الْبَرِّ وَالْبَحرِ»، صدر «القصيدة الرائية» في مدح أهل القرآن لأبي عبدالله محمد بن يوسف الخراساني، يتردد صداها في «صوان» كبير بلا سقف، غير لمبات معلقة شديدة البياض.
الصخب يعلو والقمر ينتصف السماء، ورجال هائمين غابت عيونهم، صدق فيهم قول القائل: «رجال عند سماع الحب طابو.. وعند سماعه حضروا وغابو». العقول شاردة، وها شيخ كبير يشق الصفوف المتراقصة على وقع «القصيدة الرائية» إلى كرسي كبير أشبه بـ«مقعد قارئ الجنائز».
عمامة بيضاء، ونظارة ارتسمت تحتها عيون باسمة، و«قفطان» أسفله جلباب «ستان» به خيوط طولية، تلك هيئة الشيخ صاحب اللحية البيضاء -الذي يشق الصفوف- العيون باتت شاخصة والصخب تحول «تمتمة»، الجميع جلس أرضًا فالقارئ وصل إلى كرسيه.
«الهيئة ليست غريبة.. مين؟».. كلمات تمتم بها أحد الحاضرين إلى من بجواره، ليجيبه الآخر: «الشيخ الحصري»، وقع الكلمات على صاحب السؤال كان صادمًا، فالقارئ الجليل توفي في 24 نوفمبر 1980.
الشيخ بدأ التلاوة، كالتي تبثها إذاعة «القرآن الكريم» في برنامج «المصحف المعلم»، والذي يذاع بشكل يومي من تقديم سعد المطعني وأبو بكر عبد المعطي، لحلقات مسجلة في عام 1969، من بين الحضور كان طفل صغير: «بسمع ده في الراديو كل يوم وبقول ورا الشيخ».
استمرت التلاوة حتى موعد صلاة العشاء، مكبرات المساجد تصدح بأثير الإذاعة في أنحاء قرية «شبرا النملة» التابعة لمركز طنطا محافظة الغربية، يقول مقدم البرامج «سعد المطعني»، اليوم 17 سبتمبر، تحتفل إذاعة القرآن الكريم بذكرى ميلاد القارئ الجليل محمود خليل الحصري، وتبدأ الإذاعة في جولة تعريفية بالشيخ تستمر على مدار اليوم حتى الثانية عشر منتصف الليل.
الإذاعة بدأت جولتها عن «الحصري» بـ«لأسرة تعود أصولها لمحافظة الفيوم، يرجع نسب طبيب القلوب، فكان والده قبل ولادته قد انتقل من الفيوم إلى شبرا النملة بالغربية، أدخله الكتّاب في عمر الأربع سنوات ليحفظ القرآن وأتم الحفظ في الثامنة من عمره، وكان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدى بطنطا يوميا ليحفظ القرآن وفي الثانية عشر انضم إلى المعهد الديني في طنطا، ثم تعلم القراءات العشر بعد ذلك في الأزهر».
«هُمُ وَرثُوا عِلمَ النَّبيِّينَ مِنهُمُ.. وَهُمْ خَيرُ خَلقِ الله في الْمُدنِ وَالْكَفرِ».. مقدم البرامج الإذاعية ختم أولى فقراته الإذاعية عن «الحصري» بتلك الكلمات من «القصيدة الرائية».
الشيخ ذو اللحية البيضاء عاود القراءة في الـ«صوان» بـ«سورة الرحمن»، تفاعل معه الحضور، حتى أن بعضهم أسموه «طبيب القلوب»، انتهى الحاصل على إجازة «علم القراءات» من قراءته، ووقف أحد الحاضرين يتحدث عن سيرة صاحب العمة البيضاء الشخصية.
يقول: «إن الشيخ حصل على المركز الأول في عام 1944، في امتحانات الإذاعة المصرية، واستمر البث الحصري له على أثير إذاعة القرآن لمدة عشرة سنوات، وإنه عين في عام 1950 قارئًا للمسجد الأحمدي بطنطا، بعدها في 1955 عين قارئًا لمسجد الحسين بالقاهرة»، يكمل: «وَقَدْ أَودعَ اللهُ النُّبوةَ صَدرَهُمْ.. وَهُمْ أُمناءُ الله في الْبَدوِ واَلحَضرِ» أيضًا من «القصيدة الرائية».
الحصري أول من سجل «المصحف الصوتي المرتل» برواية «حفص عن عاصم»، وفي 1962 عين نائبًا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسًا لها بعد ذلك.
تابع المتحدث: « أنه في عام 1965، زار الشيخ فرنسا، ودخل على يده 10 فرنسيين للإسلام».. الـ«صوان» ضج بالتكبير، قبل أن يعاود الشيخ قراءته.
رئيس اتحاد قراء العالم في 1967، عاود قراءته بآيات من سورة «الزخرف». سبق وأسلم على يديه 18 عشر رجلًا وإمرأة أمريكيين في 1973، كذلك أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن في عام 1978.
انتهت التلاوة، وعاود الشيخ يشق الصفوف دون أي كلمة مع الحاضرين، فهم يرون أن الحصري تجسد في في ذكرى ميلاده بمسقط رأسه، غير أن المنشد عاود الوقوف، وظلوا يرددون«جدو وجدو في رضا الرحمن حتي.. دعاهم حين حضرته أجابو، ونداهم عبادي لا تخافوا.. لكم أمني إذا رفع العذاب».