لم يمنعها الحكم الإسلامي.. «الخمور والملاهي» تدفع ضرائب و «الدعارة» سوق سوداء
السبت، 16 سبتمبر 2017 10:00 مإسراء الشرباصي
وقف شاب عشريني أمام إحدى محال «الخمور» الشهيرة في وسط البلد، بصحبة صديقه.. يحملان زجاجة ويسكي محلي الصنع، يشعل الأول سيجارة في انتظار سيارة أجرة- تاكسي- تقلهما، تمر من خلفهما فتاة جميلة، يلتفت لها مبتسمًا ثم يستدير موجهًا حديثه لصديقه: «طالما الخمرة بتتباع علني ومش ضد القانون طيب ليه ما يخلوش الدعارة كمان برخصة وياخدوا عليهم ضرايب».
عم نزار.. 83 عامًا حارس إحدى العمارات القديمة بشارع عماد الدين بمنطقة وسط البلد، آتى إلى القاهرة من قرية طامية بمحافظة الفيوم، كان عمره حينها 10 أعوام، وفر له خال والدته فرصة معه بحراسة العقار الذي يعمل به، يذكر فترة أن كان للدعارة بيوتًا في منطقة «كلوت بك» القريبة من عمله ومحل إقامته، وكيف كان الفتوات ينظمون عمل تلك البيوت، حتى تم إلغاء الدعارة رسميًا عام 1949.
في الوقت الذي تستهدف الحكومة المصرية تحصيل 167 مليون جنيه ضريبة ملاهي، و148 مليون جنيه على الكحول المحلي، و4 ملايين جنيه على الكحول المستورد، أي 319 مليون جنيه في الموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي (2017/2018).
يأتي البعض ليطرح فرضية عودتها ضمن تقنين الملاهي الليلية، والكحوليات التي تصل نسبة الرسوم الجمركية على المستوردة منها في حدها الأقصى 200%، وهي نفس الفرضية أثيرت مؤخرا بعد مطالب منظمة العفو الدولية بعدم تجريم ممارسة الدعارة، خاصة أنها من أقدم المهن التي عرفها التاريخ الإنساني، ولم يمنعها الحكم الإسلامي على مر التاريخ، وتم تقنين أوضاعها من قبل في مصر.
لا تخلو صفحات الحوادث من أخبار القبض على شبكات دعارة بمناطق مختلفة من الجمهورية، ففي خلال عام واحد تم القبض على 240 شبكة دعارة، وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هذه الشبكات مستمرة في الانتشار، ودائمًا ما يكون اللافت للانتباه في هذه الأخبار، هو أسعار الساعات التي تثير آراء القراء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذا ما عدنا للتاريخ، فإن الدعارة أو البغاء في مصر، هي أقدم مهنة عرفها الإنسان، بعدما اهتم المصري القديم بالجنس، الأمر الذي دفعه لتوثيق هذا على جدران المعابد. ليس المصري القديم فقط من قدس الجنس، في الهند قدست ديانة الـ (Tantra) التي يعود جذورها إلى آلاف السنين «الجنس»، حتى أصبح هو الطقس الرئيسي في صلوات أتباع الديانة.
في منطقة سقارة تم العثور على غرفة داخل المعبد كانت مخصصة لممارسة الجنس مقابل أجر واسمها غرفة الإله «بس»، وهو إله الخصوبة عند قدماء المصريين، وواضح على جدرانها نقوش لعملية ممارسة الجنس عند قدماء المصريين، بصورة يبدو فيها تنوع أوضاع الممارسة والمبالغة في فحولة الرجال على ما هو واضح.
قوانين ممارسة الدعارة أو البغاء في مصر
وعندما دخل العرب مصر سنة 642، لا يوجد أحد من المؤرخين تحدث عن منع البغاء أو احترافه صراحة في مصر رغم تحريم الديانة الإسلامية للبغاء، وحكى بعض المؤرخين في العصر الفاطمي في عهد الخليفة العزيز بالله بن المعز لدين الله، الذي أصدر قرارا بتحصيل ضريبة من بيوت «الزواني»، وهو الاسم المتعارف عليه في هذه الفترة، ونص القرار على تحديد قيمة الضريبة التي زادت من بعده، وكان ذلك في مقابل توفير الحماية لهم من الشرطة، والحفاظ على حقوقهم أيضًا، ما يعني وجودهم كان ملحوظا قبل إصدار القانون.
ظل الأمر كذلك في العهد المملوكي مثلما روى ابن إياس الحنفي عن الأسعد شرف الدين بن صاعد وزير السلطان عز الدين أيبك، الذي أصدر قرارا بتحصيل ضريبة من بيوت «الخواطي»، وهو الاسم الذي اشتهرت به المهنة في هذا العصر، باسم الحقوق السلطانية، ذلك مقابل الاعتراف بهم وتوفير الحماية لهم من قبل الشرطة، فظهر نظام «ضامنات الخواطي» وهم من يدفعوا عنهم الضريبة ويشغلوهم، إلى أن أبطل هذا النظام الناصر محمد بن قلاوون ليعود مرة أخرى في عهد السلطان الأشرف شعبان في صورة تخصيص أماكن بعينها لتجمع بنات الخطأ كما يقول المقريزي عن مكان اسمه «بركة الرطلي».
وفي العصر العثماني وفرت الدولة حماية لهم عن طريق توفير عسكر مخصوص لهم من جنود الشرطة أو الأمن الداخلي يختص بملاحقة المتأخرين في دفع الضريبة، إلى جانب توفير الحماية لهم من الزبائن التي لم تدفع مقابل متعتها أو من تيار المتشددين دينيا الذين كانوا يحاربون وجود الزواني أو الخواطي، وتم تقسيم المناطق إلى «عرصات» وكل منطقة بتتبع جندي أو عسكري اسمه «شيخ العرصة»، وهو الموكول بحماية بيوت البغايا التي في حوزته وتحصيل الضريبة منهم، ومن هنا جاء الوصف الذي يقال للإنسان الديوث أو من يتواطأ على فعل الفحشاء، وكلمة «عرصة» لغويا هي الفناء أو الساحة بين الدور.
وفي أيام الحملة الفرنسية (1798- 1801) روى الجبرتي أن السلطات الفرنسية أصدرت قرارات بتخصيص بعض المساكن في منطقة اسمها «...» كمنازل للبغاء للترفيه عن عساكر الجيش، وكانت السلطات تقوم بتنظيم هذه الخدمة مقابل أجر، واستعانوا بغواني كانوا أغلبهم جواري في منازل المماليك الذين هربوا من البلاد عندما دخلوها العساكر الفرنسيين.
وفى عصر محمد علي، لم يختلف الوضع كثيرا، إلى أن لاحظ تأثير تردد عساكر الجيش المصري إلى هذه الأماكن وإصابتهم بأمراض مثل الزهري والسيلان واتخذ قرار بإبعاد هذه المنازل من القاهرة إلى أقاصي الصعيد، وفى فترة حكم والي مصر عباس الأول في أواسط القرن التاسع عشر أصدر قراره بعودة بيوت الغواني من جديد إلى القاهرة والإسكندرية وكان اسمها حينذاك «ماخور».
في عام 1855- صدرت لائحة لتنظيم العمل بالبغاء وتم تسميتها لائحة مكتب التفتيش على «النسوة العاهرات»، وتم إصدارها للسيطرة على الضرائب التي يتم تحصيلها منهم نظرا لإلزامهم بتجديد الرخصة مرتين سنويا، وفي نهاية عهد الخديوي إسماعيل وبداية عهد الخديوي توفيق توسعت مساحة القاهرة أضعاف مساحتها وجاء إليها الأوربيين للسكن والإقامة فيها بعاداتهم وتقاليدهم، ولم يعجبهم «بيوت الخواطي» وبدأ يكون لهم «مواخير» خاصة بهم في أماكن أخرى؛ فصدر قانون الضبطية في عام 1880 الذي يحدد أماكن معينة (في حي الأزبكية وباب الشعرية وشارع كلوت بيه)، وكانت بيوت الدعارة الشعبية في منطقة عرب المحمدي والعزبة السودانية وغيرها وفي إسكندرية انحصرت أماكن الدعارة في كوم بكير وجبل ناعسة وشارع طيبة ومنطقة قسم اللبان.
وفي سنة 1885- وبعد الاحتلال الإنجليزي، صدرت لائحة جديدة من مكتب التفتيش علي النسوة العاهرات وألزمتهم بالكشف الدوري عليهم كل 3 أشهر في مستشفى الأمراض الجلدية والتناسلية في منطقة الحوض المرصود بالسيدة زينب، مع استثناء (العايقات) اللواتى تعدين سن الـ 50 عاما، وكان ذلك حرصا على الصحة العامة لجنود الاحتلال.
وفي الربع الأول من القرن العشرين بدأت كازينوهات شارع عماد الدين تكون مكان جديد لاصطياد زبائن جدد وظهر نوع جديد من أنواع الدعارة وأصبح العاملين بها فنانين وراقصات في الكازينوهات والدرجة الثانية بنات وظيفتها إغراء الزبائن لفتح مشروبات وخمور مقابل أجور مبالغ فيها.
وخلال أحداث ثورة 1919- كان العاملين في هذا المجال يرفضون استضافة جمود الاحتلال وتقديم أي خدمات لهم كنوع من الوطنية مما دعى سلطات الاحتلال تستورد بنات من روسيا وأوروبا الشرقية وغيرها للترفيه عن جنودهم.
وفي فترة الثلاثينات والأربعينات إزداد رفض الدعارة المقننة، وبدأت الناس تطلب من نواب الشعب في البرلمان أن يحدوا من قانونية الدعارة في مصر وجاءت جهود النائب سيد جلال نائب باب الشعرية، التي تضم شارع «كلوت بك»، أحد معاقل الدعارة في القاهرة، وفي عام 1949 صدر مشروع قانون، للحد من الدعارة وتم إقراره في البرلمان ليصدر عام 1951 القانون النهائي للآداب العامة والمستمر حتى الآن، وبعد ثورة 1952 ورحيل الملك وبداية عصر الجمهورية أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1958 قرارا بإلغاء الدعارة في سوريا ضمن حكومة الوحدة، لتنطوي صفحة الدعارة المقننة في مصر وسوريا وتبدأ صفحة جديدة من الدعارة غير المقننة التي تطاردها الشرطة في كل مكان.
تقنين الدعارة في الدول الإسلامية
لم تكن مصر هي الدولة العربية الإسلامية الوحيدة التى قننت الدعارة، وعلى الرغم من الاتهامات التى تواجه مفجري فكرة تقنين الدعارة والهجوم يتمثل دائما تحت إطار «نحن دولة إسلامية» بينما إذا راجع أحد المهاجمين تاريخ تقنين الدعارة في الدول الإسلامية، يجد أن هناك 4 دول بخلاف مصر قررت تقنين الدعارة بها لتكون تحت مظلة القانون ويراقب عليها نظرا لوجودها شاء أم أبى حكام الدول.. وتتمثل هذه الدول في:
تركيا.. على الرغم من أن أردوغان ينتمي لتيار الإسلام السياسي، إلا أن القانون التركي يسمح رسميا بالدعارة، وتحصل العاهرات على تصريح رسمي من الحكومة، كما يخضعن لفحص طبي دوري.
تونس.. بحسب قرار وزير الداخلية التونسي عام 1943، فإنه يسمح بممارسة البغاء، حتى أن ذلك القانون فرض بعض الواجبات على العاملات في ذلك المجال، والحقوق كذلك، وأبرز تلك الواجبات، هو فحص دوري لهن للتأكيد من خلوهن من أية أمراض معدية، تحصل بعدها على ما يسمى «بطاقة بغاء».
«إندونيسيا».. رغم أن إندونيسيا هي أكبر الدول الإسلامية في العالم من حيث عدد السكان، إلا أنها مليئة بالأماكن التي تنتشر بها أوكار الدعارة في بعض مدنها، ووفقا لتصريح رسمي أعلنت اندونيسيا أنها تنوي القضاء على الدعارة في بلدها بحلول 2019، إلا أنها ما تزال موجودة في عدد من المدن الساحلية، ولا يتم مواجهتها.
«العراق».. تخصص العراق كذلك بعض التجمعات لممارسة الدعارة، حتى أن الشرطة تحمي بيوت الدعارة في بغداد، ويخضع العاهرات كذلك لفحص شهري للاطمئنان على خلوهن من أي مرض معدي، أما التصريح الرسمي الذي يحملنه، فيسمي العاهرة بحسب رخصة ممارسة البغاء «فنانة».