مغرد في بحر القراءات
السبت، 16 سبتمبر 2017 05:35 م
عندما امتهنت العمل الاعلامي وكنت اريد ان احسن من قدراتي اللغوية قال لي اساتذتي اسمعي الشيخ محمود خليل الحصري لما له من قدرات لغوية هائلة وعبقرية خالصة في علوم تجويد القرآن فكان لي ولغيري مدرسة في تعلم ضبط مخارج الالفاظ والقراءة المتقنة والحديث عن شيخ عموم المقارئ المصرية نهر لاينضب.
هوعلامة فارقة ومدرسة فريدة في تاريخ دولة التلاوة في العالم الإسلامي بأكمله أمتع خلالها الملايين من شتي انحاء العالم بأول مصحف مرتل مجود للإذاعة المصرية وأول مصحف معلم.
وقد اجتمع له مع حسن الصوت جودة التلاوة حيث استندت قراءة الشيخ الحصري علي الشكل التقريري الذي لايعتمد علي استعراض الامكانيات والطبقات الصوتية بقدر مايعتمد علي دقة احكام التجويد والتلاوة ومخارج الالفاظ فتشعر وكانه يقرأ القران كما انزل من السماء بدون زخارف صوتية فكان تلاوة الحصري الخطوة الأولى لمن اراد حفظ وتلاوة القرآن الكريم لذلك طلبت منه وزارة التربية والتعليم لاول مرة تسجيل المصحف المعلم الذي تربي عليه معظمنا حيث علق في آذان كل من سمعه .
وان كان أول من أمر بجمع القرآن الكريم الصحابي الجليل أبو بكر الصديق واول من نسخه الصحابي الجليل عثمان ابن عفان فان الشيخ الحصري أول صوت يجمع القرآن الكريم مرتلاً على أسطوانات بالقراءات العشر الصحيحة. وقد اصبحت هذه التسجيلات مرجعاً أساساً لقارئي القرآن الكريم ومستمعيه في كافة أنحاء العالم الإسلامي وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة قراءاته للقران منفردا نحو عشر سنوات حتى اسماها الناس إذاعة الحصري .
ولما لا فقد سكن بفؤاده في قلب القران فاستطاع ان ينقل لنا معاني ايات الذكر الحكيم لمعظمنا دون تفسير باسلوبه السهل الممتنع وبعذوبة صوته ووضوح مخارجه.
اسلوبه المتفرد والعبقري في التلاوة جعل دول عدة تطلب من مصر وقتها تسجيل القرآن الكريم بالقراءات التي تلون بها فسجل الحصري القرآن للمغرب برواية ورش وللسودان وإفريقيا برواية الدوري عن أبي عمر ولتونس وموريتانيا وليبيا برواية قالون عن نافع فكان مولانا الحصري هو احد ادوات القوي الناعمة للدولة المصرية وخير سفيرا لها ويكفي انه في إحدى الزيارات لماليزيا أصر المسلمون على حمل سيارته وهو يجلس بداخلها وكان القارئ المصري الوحيد الذي أم المصلين داخل الحرم المكي بعدما قدمه مقرئي وأئمة الحرم للصلاة فأبكى المصلين وقررت الحكومة السعودية السماح له بالقراءة في الحرمين كلما زار الأراضي المقدسة.
طاف الحصري العالم شرقا وغربا لتعليم علم القراءات التي برع فيها واستقبله العديد من الملوك والرؤساء من جميع دول العالم.ويعتبر أول من قرأ القرأن فى الهند فى رحلة بصحبة الرئيس جمال عبد الناصر واول و آخر قارئ رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي والبيت الابيض بعد مرافقتة الرئيس أنور السادات في زيارته التاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية كما كان اول من تلا القرآن فى الامم المتحدة بالإضافة إلى ترتيله القرآن في القاعة الملكية بلندن.
مكانته المتفردة رشحته لنيل العديد من الأوسمة أبرزها جائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1967.الحديث عن الشيخ الحصري والجمال الطاغي لروعة تلاوته التي تتسرب برفق لشغاف القلب والروح لا ينتهي .رحم الله عالما شغفه علم القراءات العشر بروايتها و أسانيدها حتى أصبح علما فيه له اثنا عشر مؤلفا فى علوم القرآن الكريم .