عمرو موسى.. الرجل الذي فقد ظله وعاش على «كأس» النسيان
السبت، 16 سبتمبر 2017 03:57 م
يبدو أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ما زال منصة عرض لهواة الشهرة والأضواء، وعواجيز الفرح لاستعراض بطولاتهم الزائفة وأكاذيبهم المفضوحة.
الزعيم الراحل رغم وفاته منذ 46 عاما ما زال مصدرا للاسترزاق للبعض و«الاستبطال» للبعض الآخر، وادعاء البطولة بأثر رجعي على حسابات زعامات وقامات سياسية، وللأسف ابتلت مصر بهذه الظاهرة منذ وفاة الزعيم الراحل في محاولة للنيل منه وتشويه سيرته العطرة وإنجازاته العظيمة من المنافقين والحاقدين والتافهين من البشر الذين حاولوا أن يبحثوا عن دور لهم على حساب عبد الناصر حتى وهو في قبره.
ثم خفتت حدة هذه الظاهرة قليلا مع رفع صور عبد الناصر، وأغاني ثورة يوليو في كل شدة تمر بها مصر والأمة العربية، لكن يبدو أن البعض من أجل حفنة دولارات وادعاء «العنترة» في آخر الزمان رأي أن كتابة سيرته لن تجد لها صدى وشهرة وانتشار إلا على قبر عبد الناصر بعد أن فقدوا كل شيئ.. دورهم وظلهم وعقولهم وبريقهم وبلغوا من العمر أرذله ويعيشون على «كأس الذكريات»، والأيام الخوالي في وزارة الخارجية وجامعة الدول العربية.
ورحم الله أديبنا الكبير فتحي غانم عندما كتب روايته الشهيرة «الرجل الذي فقد ظله» عن ذلك الشاب الذي باع روحه ومبادئه وقيمه على حساب أصدقاءه القدامى من أجل الوصول إلى السلطة والبريق.
ورغم أن الرواية منشورة عام 61 الا أن هذا الرجل الذي فقد ظله وفقد عقله وظهرت أحقاده المتأخرة، ما زال متشبثا بالرمق الأخيرة للظهور على الساحة السياسية حتى لو جاء ذلك عبر تقيحات وتفاهات لفظية في كتاب صادر عن الدار التي تحيط بها شبهات إخوانية للاستمرار في محاولا فشل فيها من سبقوه لتشويه الزعيم الراحل والادعاء عليه بعد كل هذا العمر بالأكاذيب.
للأسف.. السيد عمرو موسى لم يجد طريقا لتوزيع سيرته وبطولاته، التي يجب أن يحاسبه عليها الشعب المصري والعربي سوى سيرة عبد الناصر، وكان عليه أن يمنح للسن وقاره ويدرك أن قطار العمر قد مضى وعليه أن ينزوى بما فعله بعد أن انكشفت أدواره المتناقضة سواء فى الخارجية عندما تولى الوزارة طوال عشر سنوات منذ عام 91 حتى عام 2001 أو أمانة الجامعة العربية حتى عام 2011.
فقد راوغ الشعب بتصريحاته المدهشة المدغدغة للمشاعر السياسية لكنه فى الخفاء كان يوافق على كل شيئ لصالح إسرائيل. فقد عارض في العلن صفقة الغاز ووافق عليها كتابة سرا. وهو أول وآخر أمين عام للجامعة العربية يتم في عهده الموافقة العربية على دخول القوات الأجنبية إلى ليبيا ثم حاول التطهر من عصر مبارك رغم أنه أحد رموز تلك المرحلة على حساب ثور الشعب فى يناير وظن أن عودته مرة أخرى وتوهمه بأن له سطوة وحضور شعبي كفيل بانتخابه رئيسا لمصر، فكانت الصدمة واللطمة من الشعب المصري، الذي لا ينسى ولم يحقق سوى 10% من الأصوات واحتل المركز الخامس.
لن تشفع للسيد عمرو موسى- 81 عاما- مذكرات عبثية هدفها إظهار بطولات ينفيها الواقع وحقائق التاريخ وسوف تذهب إلى مصيرها مثل سابقتها من مذكرات البطولات الزائفة ويبقى ناصر شامخا مهيبا مخيفا لكل من صدق كذبا أنه أيضا يستحق الزعامة بكلمات جوفاء وتصريحات فارغة من المضمون.
لن يصدقه الشعب الذي مازال يعشق ناصر ويترحم عليه وعلى ما حققه للفقراء من هذا الشعب ومازالت أعماله الخالدة خير شاهد على زمن العزة والكرامة والسيادة الوطنية. لن يشفع له التنقل والترحال من نظام إلى نظام ومن حبل إلى آخر ويكفيه أن يعيش ما تبقى له من عمر مع «كؤوس الطلا» و«خيال الندامى» والنواسي عانق الخيام.
نفس الاتهامات المضحكة، التي سخر منها الشعب ودافع عن زعيمه بعد رحيله، جاء عمرو موسى ليعيد ترديدها ولكنها لم تعد تستهوى أحدا أو تخدعه نفس الاتهامات المموجة والافتراءات «بالديكتاتورية» وحب الذات والزعيم المهزوم.. إلى بحر هذه التفاهات التي رددها من سبقوه وذهبوا إلى مزبلة التاريخ وبقى ناصر مثل النخل العالي حتى وهو مسجى في قبره يرمى بالحجر فيؤتى بأطيب الثمر.
فإذا كانت تهمة الديكتاتورية لن تنفع أو تنطلي على الناس فليجرب هذه المرة قصة تافه وهى استيراد طعام عبد الناصر من سويسرا وكأنه لم يقرأ، ما كتبه أستاذة هيكل عن طعام عبد الناصر الريفي البسيط ويكفى رد السيد سامي شرف وزير رئاسة الجمهورية في عهد عبد الناصر عليه. ورد عليه بأنه «طوال فترة عمله مع الرئيس الراحل لم يحدث أبداً أن الرئيس عبد الناصر أمره بشراء طعامه من خارج مصر بل أن الرئيس عبد الناصر لم يكن يستورد دواءه من الخارج».
وكشف السيد سامي شرف دور عمرو موسى في سفارتنا فى سويسرا قائلا: «إن عمرو موسى خلال عمله بالسفارة المصرية ببرن بسويسرا كان هو الذي يستقبل سامي شرف خلال مهام عمله في سويسرا، وتحداه أن يثبت إدعاءاته الخاصة باستيراد الرئيس عبد الناصر لطعامه من الخارج».
تنكر موسى للزعيم وتنكر لأستاذه هيكل. ونسى أنه كان يعمل في مكتب السيد محمود رياض وزير الخارجية إبان هزيمة 67 ولم يصدر له صوت وقتها وهو الدبلوماسي المحنك كما يدعى وكان عليه أن يراجع الوثائق حتى في كتب أستاذه وصديقه هيكل.
هل نسى موسى أن الزعيم الراحل الذي يكيل له الاتهامات الآن هو الذي اختاره ليكون ضمن وفدا رفيع المستوى ضم عبد الناصر وحسين الشافعي وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وزكريا محيي الدين وصلاح نصر وعلى صبرى وكبار رجال الدولة عام 66 وكان عمره لا يتجاز الـ30 عاما في قمة عدم الانحياز الثلاثية بين ناصر وانديرا غاندي وتيتو في العاصمة الهندية نيودلهى.
وكانت تلك هي البداية للصعود إلى سلم المجد الدبلوماسي والعز الذي عاشه بعد ذلك وعاش يقتات به سياسيا ودبلوماسيا فقد كان يكفيه شرفا وفخرا أنه الشاب الذي جلس في حضرة الزعيم وتدرج في العمل بالسلك الدبلوماسي منذ عام 58 ثم وجد نفسه فجأة مع الزعيم في أقل من عشرة سنوات.
يبدو أن العقل قد ذهبت به ريح السنين الخوالي و تاه في «كأس الذكريات»، وأن الأضواء تنحسر عنه وكل شيئ يغادره ولا يجد أحد من حوله فيبحث متسكعا في طرقات الماضي عن بطولة متأخرة للغاية وأوهام زعامة أضاعت ما تبقى من ظل وعقل وأضغاث أحلام في سلطة غابرة.
فليكتب كل ساع للشهرة والأضواء وطامع في دور فقده بتناقضاته ومراوغاته.. مئات الكتب والمذكرات وليهاجم ألف مرة ومرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والحكم للشعب.