هيكل يُكذب عمرو موسى قبل 41 عاما: «عبد الناصر لم يكن ديكتاتورا»
السبت، 16 سبتمبر 2017 01:15 ممحمد أبو ليلة
في فبراير من عام 1976 وبينما كان الهجوم على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أوجه، بعضهم وصفه بالديكتاتور والأخر انتقد قراراته وسياساته بل وصل الأمر لاتهامه في ذمته المالية، وقتها قرر الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل أن يكتب كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»، ليست محالة للدفاع عن عبد الناصر وشخصيته وعصره وإنما رواية مختصرة لمشاهد رأها هيكل بعينه وقت أن في ظل عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
تمر السنين والأيام وتأتي موجة هجوم جديدة على «عبد الناصر»، لكن هذه المرة جاءت من دبلوماسي فريد من نوعه، فأمين جامعة الدول العربية الأسبق والمرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية عمرو موسي، احتفل منذ أيام بتوقيع الجزء الاول من مذكراته التي تحمل عنوان «كتابيه»، لكن موسى لم ينس طباعه الليبرالية في الزج بـ عبد الناصر من قريب أو من بعيد في أمور لم يكن هو ضالع بها بالشكل الكافي فلم يلتق بعبد الناصر سوى مرتين فقط حسبما أشار في مذكراته.
لكنه مع ذلك حكى واقعة لم يكن شاهد عليها أحد غيره عندما قال في الحلقة الأولى من مذكراته نصاً «أذكر خلال فترة عملى فى سفارتنا فى برن- عاصمة سويسرا- أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يهتم بنظام غذائه، ولذلك كان من يخدمونه يرسلون من وقت لآخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بـ«الرجيم» من سويسرا.
تلك الرواية اللتي كذبها سامي شرف مدير مكتب جمال عبد الناصر، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «حقائق وأسرار»، الذي يقدمه الكاتب مصطفى بكرى. قائلا: «لم يحدث مطلقاً أن استورد عبد الناصر طعامه من سويسرا، الدواء فقط كان يستورده من الخارج. وأتحدى أن يُثبت ادعاءاته.
«ليس دكتاتورا»
عمرو موسى استمر في انتقاد عبد الناصر وسياساته خلال الحلقة الثانية والثالثة من مذكراته ووصفه بالدكتاتور حيث قال نصاً في الحلقة الرابعة من «كتابيه»، عندما كان يتحدث عن الرئيس الراحل أنور السادت والحق به عبد الناصر: كان السادات رجلا جريئا يقال له فى العامية «باجس» أى لا يهتز بسهولة، لكنه كان فرعونا مثل عبدالناصر، ويستبد برأيه مهما حذره المحيطون منه. ويرى فى أطروحات القريبين منه «مجرد كلام يقولوه ويعيدوه».. أما رأيه فهو الأصوب.. باختصار كان عبدالناصر والسادات دكتاتورين لا يأبهان بالرأى الآخر.
ما قاله موسى يرد عليه هيكل في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر» في الصفحة رقم 60 :أقول أولا إن جمال عبد الناصر لم يتدخل في حياته في حكم من أحكام القضاء، وكان لديه ذلك الإحساس العميق بقدسية العدل وهو إحساس له جذوره البعيدة في المجتمع المصري بحكم التكوين الحضاري لشعب استقرت حياته في بيئة زراعية ترسخت فيها فكرة الإحتكام إلى قانون القضاء.
وحكى هيكل واقعة حينما عرض عليه عبد الناصر خطاب من الملك سعود ذات مرة يطلب منه التدخل في حكم قضائي، وقال عبد الناصر لهيكل «إنني أريد ان أجامل الرجل في أي شيئ يطلبه مني.. ولكنه قصدني حيث لا أستطيع أن أجيب طلبه، ولا أعرف كيف أرد، وهل يصدقني إذ قلت له أنني لا أستطيع أن أتدخل في أعمال محكمة؟ وكيف أتدخل؟».
نكسة يونيو
وفي حلقته الثالثة من مذكراته هاجم عمرو موسي نكسة يونيو بشدة ووصفها بالهزيمة محملاً عبد الناصر مسؤليتها الكاملة، حيث قال نصاً «رحت أفكر.. كيف لهذه الهالة وهذه الأحلام البازغة أن تتحول إلى سراب؟!. كانت الهزيمة ثقيلة جدا، مهما حاول البعض من التخفيف منها بتسميتها «نكسة»؛ لأنها كانت هزيمة بكل معنى الكلمة، وكان من مقتضى هذه الهزيمة أن عددا كبيرا من الشباب ــ وأنا منهم ــ راح يتساءل من هول الصدمة: هل كنت مخطئا فى هذا التأييد العارم للنظام؟.
وتابع موسى: هل اهتمام عبدالناصر بوضعه الخارجى على حساب الأوضاع الداخلية والبنية التحتية بمعناها المادى ومعناها المرتبط بالإنسان هو الذى قادنا إلى هذه الهزيمة؟. هل اعتبر الرئيس أنه أكبر من مصر؟ أم اختلط عليه الأمر فاختصر مصر فى شخصه.. ما هو جيد له جيد لمصر وربما ليس العكس؟. كان رأيى أن عبدالناصر مسئول كلية عما حدث، لقد كان 5 يونيو بداية طريق طويل انتهى بثورة 25 يناير 2011، ولا يقدح فى ذلك دور الرئيس السادات ونجاحه فى حرب أكتوبر؛ لأن ذلك لم يقترن بإصلاح واعٍ وشامل لأمور مصر.
وفي الصفحة 149 من كتابه «لمصر لا لعبد الناصر» يقول هيكل محللاً ظروف النكسة ومسؤلية عبد الناصر بها: جمال عبد الناصر مسؤول عن النكسة ولا يمكن لأحد أن يعفيه من مسؤليته بل ولم يقبل هو بديلاً عن الاعتراف بها كاملة ولم يتمسح بشيئ ولا توارى خلف أحد وعندما يجيئ وقت الحكم التاريخي عليه في مسألة الهزيمة فلابد أن توضع في الاعتبار عوامل كثيرة أهمها ظروف الأزمة وتداعياتها وهل كان في وسعه أن يتقاعس عن نجاة سوريا؟
واستطرد هيكل كلامه قائلا: ولابد أن يوضع في الاعتبار قيادة عبد الناصر للحركة السياسية في الأزمة والطريقة التي حاول بها تفادي الإنفجار وتمثيله للإرادة العربية في الصمود بعد الهزيمة وهذا في حد ذاته من أمجد مواقفه فالهزيمة الحقيقة هي هزيمة الإرادة وليست الهزيمة هي التراجع عن أ{ض خصوصاً وأن الصراع طويل ومستمر، ولابد أن نضع في الاعتبار نجاح عبد الناصر في إعادة بناء القوات المسلحة في ظرف ستة شهور من الهزيمة، وعودته إلى ميدان القتال طبقاً لسياسة الدفاع والردع والتحرير، وقد بلغت عودته إلى ميدان القتال قمتها في حرب الإستنزاف التي هي الجولة الرابعة في الحرب العربية الإسرائيلية.
وتابع: ثم أن نضع في الاعتبار استعداده وتخطيطه لمعركة التحرير ثم إن الهزيمة بكل مسوؤلياتها يجب أن توضع في إطار من كفاحه كله فلم تكن معركة 5 يونيو هي معركته الوحيدة وإنما كانت واحدة من معاكره نجح في بعضها ولم ينجح في البعض الأخر، وبعد مئات السنين وحينما يكنب التاريخ بشرف وأمانة وبغير أحقاد وعقد فإن التاريخ سوف ينصف جمال عبد الناصر حتى في هزيمة سنة 1967.. أبسط ما سوف يُقال عنه: أنه كان رجلاً تحمل مسوؤليته بشجاعة وتقبل الحساب عنها في كبرياء ومثل كرامة وإرادة أمة بأسرها في يوم من أحلط أيامها وكان وسط الظلام والعواصف والمؤامرات الدولية إنساناً أمن بوطنه وأمته وبمثلها العليا، وأعطى حياته لخدمة هذه المثل بشرف، وأصاب مرات وأخطأ مرات، لكنه حارب طول الوقت بإيمان ويقين، ولم يستسلم حتى النفس الأخير.. وكذلك يفعل الرجال.