عبد الفتاح على يكتب:
وبعد انتصار الأسد.. يكمن الشيطان فى إعادة الإعمار
الأحد، 10 سبتمبر 2017 02:26 م
سبع مواجهات أساسية على النظام أن يخوضها شاء أم أبى
كان من الممكن أن ينتصر المال الخليجى إذا لم يتدفق نحو فتح اعتمادات مفتوحة لتسليح الثورة، أو إذا ما فرمل عملية تدويل القضية، وجعل كل دويلة تدلوا بدلوها فى مستقبل سوريا والسوريين، وتنصب نفسها متحدثا رسميا باسم الشعب السورى الذى ذاق ويلات «العتة» السياسى، و«السفه» المالى، و«الجنون» الدموى.
على النقيض تماما، ذهب النظام نفسه إلى دعم غير مباشر، وتأييد خفى، لكل الأفعال الحمقاء التى ينفق عليها المليارات الخليجية، وتحظى بمباركة أمريكية وأوربية منقطعة النظير.
فقد حدد النظام أهدافه بدقة، وقبل الخسارة المؤقتة، ولم يبك على اللبن المسكوب، وبنى ببطء تحالفات، وجدد علاقات كانت شبه ميتة، وغرس بنفسه بذرتها، عندما صمد فى السنوات الثلاث الأولى، وجعل الساحل السورى وجزءا كبيرا من دمشق صامدا أمام المد الداعشى من جهة، والمعارض من جهة أخرى.
لم يتمسك النظام بالبادية، ولا بشرق الفرات، وركز تفكيره وإمكاناته المحدودة على العاصمة والمنافذ البحرية، وبعد وقت قصير، غرس فى عقول حلفائه قدرته على الصمود لعشر سنوات مقبلة، ثم منح الحلفاء امتيازات تجعل دخولهم الحلبة مكسبا واستثمارا بعيد الأجل، مضمون الربح.
تراجع النظام وقت ضعفه وجعل تنظيم الدولة فى الواجهة، أمام الأكراد من ناحية، وأمام الأتراك من ناحية ثانية، وأمام فصائل المعارضة من ناحية ثالثة، فخارت قوى الجميع، من المناطحة، والاقتتال البينى، وبمنتهى الغباء السياسى والتكتيكى، سقط الجميع فى الكمين بقوة الجهل تارة، وبقوة الاندفاع الأعمى تارات أخرى.
فشل الممولون فى السيطرة على ميليشياتهم، وسقط جهاز التحكم فى بشاعة الوحشية الداعشية، فتغيرت بوصلة الرأى العام العالمى، 180 درجة، وبات قبول النظام بكل سلبياته، أفضل الخيارات المتاحة، وكان الوضع الليبى النموذج الذى ظل يخشى الجميع تكراره شمال جزيرة البترول، وشرق بحر العالم القديم.
وسقطت حلب، وسقط معها أى احتمال لتنفيذ أى مخطط، وباتت فكرة انتصار النظام احتمالاً ممكناً، بل احتمالا محببا فى مواجهة احتمال سيطرة المجموعات المتطرفة التى تتبنى الإرهاب عقيدة، والقتل وسيلة للتقرب إلى الله.
بعد سقوط حلب، كفرت المعارضة، بكل الثوابت الوطنية، والقومية، وهرولت ليس إلى واشنطن أو الرياض أو الدوحة، بل ذهبت مرتدية قميص النوم الأحمر، نحو تل أبيب، ومدت يدها لتنظيم القاعدة الذى ذاق العالم ويلات تطرفه وإرهابه، ليكون حليفا وسندا، اعتقدت المعارضة «الغبية» أن مبدأ «عدو عدوى صديقى» سوف يبرر الخيانة، ويجمل القبح، ويحسن المشوه.
فى المقابل، ثبت النظام على مبدأ المقاومة، فكسب الرأى العام العربى، ثم رفع شعار مواجهة الإرهاب عمليا على الأرض، فكسب الرأى العام العالمى، وراهن على أن النسيان مسألة إنسانية، كثيرا ما راهن عليها كل الأنظمة العربية على مر العصور، وفى كل مرة تنجح نجاحا مبهرا، فذاكرة العشوب العربية أقصر من ذاكرة السمك.
بقى النظام مثابراً على نهجه وخطابه طيلة سنوات الحرب الأهلية «متعددة الجنسيات» التى كانت قبل سبع سنوات «ثورة»، إلى أن قام تنظيم الدولة بهجمات باريس التى أوجعت أوروبا بقوة، وأجبرته على تعديل استراتيجيته، من الاكتفاء بمواجهة تنظيم الدولة إلى حتمية التخلص منه.
تحول الغضب المصبوب على التدخل الروسى فى سوريا، إلى اعتقاد بأنه الحل السحرى الأمثل للأوربيين الذين يتأففون من مد أيديهم فى قاذوراتهم، فشجعوا «المنظف» الروسى بنصف قلب، غير عابئين بقضم القرم، وتهديد السلم والأمن الأوكرانى، مرجئين الأزمة مع كييف حتى انتهاء الأزمة مع داعش.
ولأن النظام السورى يجيد قراءة الاستراتيجيات الغربية، وبخبرته فى التعامل الدولى، جعل مواجهة تنظيم الدولة فى الفصل قبل الأخير، بعد أن حاصر كل القوى المعارضة بين قبضة حديدية، سيظل يقضم فيها رويدا رويدا، وفى الوقت نفسه سيكون الجيش السورى قد استعاد كل عافيته، وحول كل خساراته، إلى خبرات تدفعه لانتصاراته.
لم يكن ينقص الجيش العربى السورى، سوى غطاء جوى، يجعله لا يقهر على أرضه، وهو ما تم بفعل سلاح الجو الروسى، فالتهم تنظيم الدولة، بنهم شديد، وحوله إلى وليمة لوحش جائع.
تراجع الموقف الدولى، ورفع يده من دعم المعارضة، وباتت عيونه مفتوحة أكثر على الجماعات المتطرفة التى كانت مغضوضة من قبل، طالما كان يواجه النظام السورى، فخرج قرار مجلس الأمن 2254 الذى تم إقراره بالإجماع، والذى لم يتطرق لا من بعيد ولا من قريب إلى منصب رئيس الجمهورية، وحل محله فى بؤرة الاهتمام التخلص من تنظيم الدولة وجبهة النصرة، باعتبارهما الخطر الكبير.
لكن السؤال الذى لا بد أن تكون القيادة السورية قد وضعت إجابته قبل فترة ليست بالقصيرة، ماذا بعد الانتصار، وأى المواجهات التى ستخوضها الدولة السورية، بعد أن تضع الحرب أوزارها، ولم تندلع شرارة حرب كونية جديدة.
أعتقد أن هناك سبع مواجهات أساسية على النظام أن يخوضها شاء أم أبى.
أولا ضريبة الانتصار التى على السوريين جميعا أن يدفعوها، للروس والإيرانيين، والميليشيات الطائفية المساندة للنظام، فالروس سيسعون لنفوذ عسكرى فى المقام الأول بالقاعدة العسكرية ونفوذ سياسى فى البحر المتوسط والجزيرة العربية، واقتصادى فى إعادة الإعمار، والإيرانيون يسعون لنفس النفوذ السياسى والاقتصادى، إضافة للدينى، فكلفة مؤازرة النظام كانت مرتفعة للغاية.
ثانيا أمراء الحرب من مدعى الوطنية، والمتأسلمين، الذين حملوا السلاح ضد المواطنين فى غياب الدولة، وامتلأت خزاناتهم من ذهب الخليج وفضة الغرب، على النظام أن يفصل بين بلطجية الشوارع، وزعماء القبائل والعائلات، فيحارب الشبيحة، ويستميل الزعماء، ويلجم جماح الرغبة فى الانتقام التى قد تعيد سوريا للمربع الأول 2011.
ثالثا مواجهة الطائفية، وتعديل طريقة وأسلوب الحكم فى دولة كان يحكمها أقلية علوية لا يتجاوز نسبتهم من الشعب السورى أكثر من 10% ومنح مساحات أكبر لبقية الطوائف، وخاصة السنة، والقفز على محاولات تحويلهم إلى قرابين للاستقرار المقبل، بجعلهم جزءا من النسيج الوطنى، فقد حصدوا هم أيضا (وقد يكون أكثر) ويلات الحرب الشرسة.
رابعا النفوذ الدولى، الذى سيكون له بقايا فى الداخل، قد يتحولون إلى أحزاب، وحركات سياسية، تحول دون إعادة إعمار البلاد، ويجعلون فترة ما بعد «السكرة» أشد إيلاما على الشعب السورى، فعلى النظام وضع قواعد جديدة للعبة السياسية، شريطة أن يلتزم هو بها أولا، وأن تكون الثوابت الوطنية أمرا غير قابل للمساومة.
خامسا العلاقة مع دول المواجهة السعودية والإمارات وتركيا، يجب أن تكون أشبه بالموقف الألمانى من الاتحاد السوفيتى والأمريكان عقب الحرب العالمية الثانية، وتوجيه الطاقة نحو الإعمار عوضا عن توجيهها نحو الانتقام والتشفى، لكن فى المرحلة الأولى يجب أن يسود الهدوء تلك العلاقات، لفترة زمنية تقترب من السنوات الثلاث، قبل إعادة الدفة، أما مع قطر، فهى الآن ترسم، ويجرى تبادل أوراق اللعبة، بين الجانبين.
سادسا العلاقة مع الأمريكان يجب أن تكون بحنكة مساوية لحنكة حافظ الأسد فى نسج شبكة علاقات بين كل المتناقضات، والإبقاء على سوريا، دولة تمد جسورها مع أعدائها قبل أصدقائها، وألا يعتبر النظام انتصاره فى الحرب هزيمة للولايات المتحدة، لأن السياسة الخارجية الأمريكية، قد تعرقل كل عمليات إعادة الإعمار.
سابعا الإبقاء على وضع المواجهة مع إسرائيل عند النقطة التى كانت فى 2011، واستعادة مبدأ «الاحتفاظ بحق الرد» حتى تستعيد الدولة السورية عافيتها، وجعل المواجهة عند نقطة الجنوب اللبنانى، والإبقاء على حزب الله اليد التى تصفع وتهين وتزلزل تل أبيب.