المسيح..الناطق فى المهد.. النافخ فى الطين.. محيى الموتى بإذن الله
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م عبد الفتاح على
لم تكن أمه سوى ورعة تقية، عابدة ناسكة، اصطفاها الله على نساء العالمين ليبشرها الملاك جبريل بأن الله سيهب لها ولداً يخلقه بكلمة كن فيكون هو المسيح عيسى ابن مريم، الطفل الصالح الناطق فى المهد والكهل، الوجيه فى الدنيا والآخرة، والرسول إلى بنى إسرائيل، والمعلم للحكمة والتوراة والإنجيل.
كيف لمريم أن تلد، ولم يمسسها بشر، ولم تكن عاهرة، فقال لها جبريل، هكذا أراد الله، لكن الإجابة رغم كونها من الروح القدس، إلا أنها لم تكن تمنع كلام الناس، ولم تكن قاطعة لألسنتهم الحادة التى ستمطرها بالسوء.
لم تجد مريم مفرا سوى أن ابتعدت عن العالمين، وحدها دون بشر، خائفة مرعوبة من مواجهة عيون الشامتين الحاقدين المشككين، حتى وضعت سيد العالمين حينها، وكلمة الله فى كل زمان ومكان.
اختلفت الروايات عن المكان الذى ولدت السيدة العذراء فيه سيدنا المسيح، فالأولى تقول فى بيت لحم بجوار بيت المقدس، والثانية تقول فى كربلاء، والثالثة تقول برثا فى العراق، وإن كانت الرواية الأولى أقرب للدقة والمنطق.
حملته بين ذراعيها، قاصدة بلدتها، وهى تدعو الله أن يخطف روحها، كى لا تقف فى هذا الموقف أمام الناهشين فى عرضها وشرفها، وهى فى قمة الخشية والرعب؟ جاءها هاتف يطالبها بالصوم عن الكلام.
وحدث ما كانت تخشاه، ما أن رأى الناس وليدها، حتى رموها بالفجر، والبغاء، فصمتت وأصرت على عدم الكلام، لكن الطعن فى شرفها لم ينته، والألسنة تأكل روحها، وتمتص شرفها، حتى حدثت المعجزة الثانية.
ما إن أشارت إليه، حتى نطق الوليد وقال: «إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبياً، وجعلنى مباركاً أين ما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتى ولم يجعلنى جباراً شقياً، والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً».
انصرف الناس، نادمين خاضعين لمشيئة الخالق العظيم، وظل المسيح فى كنف أمه يكبر ويشتد عوده، حتى أتم عامه الثلاثين، فصار طويل القامة، نحيفاً.. حافى القدمين، لا يرتدى سوى الصوف، مقيما فى معبده فى البرية، ولا يفكّر سوى فى مصير شعبه.
وفى يوم غادر المعبد، واتجه نحو التلال فرأى رعاة يسوقون أغنامهم عائدين قبل مغيب الشمس بقليل، ظل فكّر المسيح فى شعبه كيف يسوقهم نحو النور، وما هى إلا سويعات حتى عاد الرعاة إلى منازلهم، والأغنام إلى حظائرها، والطيور إلى أوكارها، والأطفال إلى أحضان أمهاتهم.
لكن الشاب الزاهد ظل فى البرية، حرّاً زاهداً لا يخاف إلاّ الله، ولا يطمع إلا برضاه، لم تغفل عيناه تلك الليلة، وظلت شاخصة نحو السماء، عله يأته منها بخبر، وإذا الملاك يظهر نوره، فيبدد الظلام، ويجدد الأمل.
كان الأمر واضحا «إبلاغ الرسالة».
ولم يتردد للحظة، واتجه فى الصباح الباكر نحو السوق، وأمام جمع كبير من الناس، أعلن نبأ السماء.
كان فونتيوس فلاتوس فى ذلك الوقت، حاكماً على فلسطين ممثلا للقيصر، يراقب بحرص شديد، ذلك الشاب الذى يُدعى عيسى ويقول إنه رسول من الله، وهو يدعو الناس إلى العودة إلى فطرة الله والابتعاد عما يلوّث النفس.
وقف كهنة اليهود ضد المسيح بعد أن اتهمهم بتحريف التوراة، وخداع الفقراء، ونهب العامة تحت مسمى النذور، فضلا عن أن بعضهم كانوا ينكرون القيامة، والحياة الآخرة.
تعارضت مصالح الكهنة، مع دعوة المسيح، فقرروا شن الحرب عليه، وعلى أتباعه، فاتهموه بالكفر ليقلبوا عليه العامة، واتهموه بالسعى نحو السلطة، ليثيروا ضده ممثل القيصر.
حتى الطاهرة مريم العذراء، لم تسلم من ألسنتهم، والتى أخذت تجرح فى شرفها، وتمزق عرضها، لكن المسيح، بادلهم الحقد بالحب، والكراهية بالتسامح، والشائعات بالدعاء.
كان المسيح نموذجا لدعوته التى علت من شأن الروح، وحجمت من قدر المادة، وجعلت عبادة الله الواحد الأحد، هى الطريق الوحيد للسعادة الأبدية، والنيل غفران الخالق.
حاول اليهود مجادلة المسيح فى قضية الروح، فقد كانوا يعتبرون الروح هى الدماء التى تجرى فى العروق، لكنه كان يؤكد لهم كل مرة أن الروح هى كلمة الله الباقية.
أمسك المسيح قبضة من الطين، وقال لليهود، هذا طين، لا روح فيه، أما وقد شكلتها على هيئة طير ونفخت فيها بإذن الله، أتصير طيرا؟ فقالوا بالطبع لا، فقال لهم انظروا لمشيئة الله، ثم نفخ فى الطين، فإذا بها تكون طيرا بإذن الله، تحولت إلى حمامة بيضاء، صفقت بجناحيها، ثم طارت فى الفضاء الأزرق.
فجن جنون اليهود قبل العامة، وأوشك الناس على أن يروه إلها، فقال لهم، أو تعتقدون أنى من جعلت الطين طيرا، لا، إنه الله هو واهب الحياة، الذى هو على كل شىء قدير، من يقول للشىء: «كن» فيكون، وخر المسيح خاشعاً لله القادر الخالق البارئ المصوّر.
كان سيدنا المسيح يحب صديقاً له اسمه عازر، وكان عازر شابّاً مؤمناً، وذات يوم ذهب المسيح إلى منزل صديقه عازر وسأل عنه، فخرجت أمّه تبكى وقالت: لقد مات، ودفناه قبل ثلاثة أيام، وعلى وجهها الحزن الشديد.
لكن المسيح، رغم حبه لصديقه، لم يحزن، بل ابتسم، ونظر للمرأة وقال لها أتحبين أن تريه مرة أخرى؟
تعجبت من كلام المسيح، وقالت له كيف وقد مات وجسده واراه التراب، واحتضنه القبر قبل ثلاثة أيام، وتركنا وترك الدنيا خلفه، وصرنا حزانى على فراقه؟!
فعاود المسيح سؤالها، يا أم، أتحبين أن ترين ولدك مرة أخرى، فنظرت إليه، مترددة، تمسك اللهفة والفرح فى كلامها، فهى تعلم أنه رسول الله، وتؤمن بمعجزاته، لكنها لم تتخيل يوما أن تكون معجزاته تصل لدرجة إحياء الموتى، لكنها تمالكت نفسها وقالت له: نعم.. نعم يا روح الله !
قال لها المسيح وعلى وجهه ابتسامة الواثق فى الله، المؤمن بخالقه، الخاشع لمشيئته: غداً آتيك به، إن شاء الله.
فى الصباح الباكر، جاء عيسى وطلب من المرأة أن تصحبه لناحية المقابر، حيث يسكن صديقه هناك منذ أربعة أيام.
أمام قبر عازر، وقف المسيح واتجه ببصره إلى السماء، وراح يتضرع إلى الله واهب الحياة، ويقول: اللهم واهب الحياة، إن شئت أخذتها وإن شئت تركتها، اللهم يا واهب الحياة، أما وقد أخذت الحياة من عبدك عازر، فأنت وحدك القادر على أن تهبها له مرة أخرى.
ثم نظر إلى قبر عازر وقال والإيمان يحف المكان: انهض من نومتك يا عازر !
نظرت المرأة بلهفة وشوق، والفرحة تكاد تنفجر من قلبها، وهى ترى التراب يتحرك، والقبر ينشق، ومنه يخرج ابنها عازر من قلب التراب.
خرت الأم فوق رأس ابنها تعانقه ودموع الفرح تنفجر من عينيها، فقال له المسيح أتحب أن تبقى مع أمّك؟ فرد عازر: نعم يا رسول الله.
فقال المسيح: إن الله قد كتب لك عمراً جديداً، وكتب لك أن تتزوج، وكتب لك ذرية صالحة، فاعمل على شكره وحمده وحسن عبادته، وكن عبدا شكورا، فقال عازر، والله أفعل، والله على ما أقول شهيد.
خشع المسيح لله، لكن بنى إسرائيل، لا يخشعون سوى للمال، والسلطة والدنيا الزائلة، فراحوا يتآمرون لقتله، وهموا بذلك، حتى وقف نبى الله ونادى بصوت هادئ: مَن أنصارى إلى الله؟
فاستجاب له اثنا عشر رجلاً وقالوا: نحن أنصار الله وأحباؤه، آمنا بالله فاشهد بأنّا مسلمون، ثم اتهجوا بأبصارهم نحو السماء وقالوا: ربّنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول، فاكتبنا من الشاهدين.
التف الحواريون حول المسيح يصدقونه، ويدافعون عنه، صحيح أنهم كانوا قلة، لكنها قلة ناجية، واثقة من إيمانها بالله.
كان المسيح مثل راع طيّب، حريص على خرافه أن تشذّ فتخطفها الذئاب، وكان الفقراء من بنى إسرائيل، كالخراف الضالّة، وكان الكهنة المنافقون مثل الذئاب، يختطفون الفقراء، ويقتلون فى نفوسهم الإيمان برسالة المسيح (عليه السلام).
وفى يوم كان المسيح ومعه الحواريون بالقرب من البرية يجلسون قرب نبع من الماء، فراح المسيح يغسل أقدامهم، فتعجبوا مما فعل، وقالوا له: كيف تفعل هذا وأنت رسول الله؟!
وبمنتهى التواضع والإيمان، قال لهم: أريدكم أن تفعلوا مع الناس كما أفعل، أريدكم أن تخدموهم كما أخدمكم، تحبونهم كما أحبكم، تخلصون لهم كما أخلص لكم، فقالوا: والله نفعل.
عندما كان المسيح يجوع، كان يقتطف بعض النباتات البرّية ويسدّ بها جوعه، علّم نفسه كيف يكون سيّداً لمعدته، زاهداً فى متع الحياة.
حاول الحواريون أن يفعلوا مثله، لكن شق عليهم، أن يكونوا على نفس الدرجة من الزهد والورع، فإذا ببعضهم يتهامسون ويقولون: لو أن المسيح دعا الله أن ينزل علينا طعاما، لاستجاب له، مثلما استجاب له فى إحياء الموتى، وخلق الطير.
فتبسم المسيح من همسهم، فقال لهم: اسألونى ما يدور فى همسكم، فقالوا يا روح الله،
هل يستطيع ربك أن ينزّل علينا مائدة من السماء، فقال لهم المسيح: هل تشكون بقدرة الله؟ فقالوا: حاشا لله، نحن فقط، نريد أن نأكل منها، ونعلم أن قد صدقْتنا، ونكون عليها من الشاهدين، فقط من أجل أن تطمئن قلوبنا، ولسوف نشهد بهذه المعجزة أمام الناس جميعاً، فتكون دليلاً آخر على صدق رسالتك، ونريد أن نتبرك بمائدة من الله.
صمت المسيح لبرهة، ثم ولى وجهه للسماء، ثم رفع يده وهتف من أعماق نفسه الطاهرة: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ».
لم تمض ثوان، حتى استجاب الله، لرسوله الكريم، وسمع الحواريون صوت الله يسكن الأرجاء يقول لهم: «إنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّى أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ».
وهبطت مائدة سماوية فيها رزق كريم، حافلة بالخبز واللحم، وملأت رائحة الطعام المكان، وجاء الجياع من كل مكان، وجاء الفقراء من كل حدب وصوب، وجاء من لا يجدون قوت يومهم، وظلوا يأكلون حتى شبعوا، دون أن ينقص منها شىء.
ومرت الأيام، ومضى المسيح يتفقد الناس، حتى رآه الصيادون فهتفوا: جاء المعلم، وقتها كان الحزن يخيم على البحر كله، فالشباك ترمى فى الماء، فلا تخرج بسمكة، وأخذ التعب منهم مأخذه، فجلس بعضهم على الشاطئ، والبعض الآخر على سطح مراكبهم الصغيرة، وسيطر اليأس على الجميع.
لكن المسيح الواثق فالله، طلب منهم العودة لمراكبهم، فهلل الصيادون لطلبه، فارتفعت الأشرعةُ من جديد، ورجت القوارب خَلف قارب المسيح، وعند نقطة بعينها توقف الجميع.
فى تلك اللحظة أشار المسيح للصيادين بأن ألقوا شباككم، وما هى إلا لحظات، حتى اهتزت الشباك، واهتزت معها قلوب الصيادين، فقد عادت كل الشِباك مليئة بالسمك ثم ألقيت مرة أخرى وأخرى حتى امتلأت القوارب بخير البحر.
عاد الصيادون يصدحون بأناشيد الفرح ويشكرون الله على ما رزقهم.
وذات مرّة دعا أحد الحواريين سيدنا المسيح إلى منزله ولبّى المسيح الدعوة فمضى معه، وفى الطريق رأى المسيح شابّاً يسير والناس يسخرون منه، فقد كان الشاب أبكم، لا يسمع ولا يتكلم، وفى كل مرة يتعجب من ضحك الناس كلما مر عليهم.
فذهب إليه روح الله، ووضع كفّيه على أذنيه، ومسح على رأسه، وإذا بالمعجزة الجديدة تحدث، فسمع الشاب لأول مرّة فى حياته، وتحولت سخريات الناس إلى دهشة، ثم تحولت الدهشة إلى تصديق، وتحول التصديق إلى إيمان.
فى صباح اليوم التالى سمع المسيح أصوات طَرْق قوية على الباب، حيث كانت الحجارة تنهال بشدّة، فخرج ليرى ما يجرى، ورأى رجلاً أبرص والناس يقذفونه بالحجارة لكى يجبروه على مغادرة القرية.
وبسرعة نهرهم المسيح، بعد أن أشار لهم بالتوقف، عن هذا الفعل، ثم مسح بيده على وجه الرجل، فإذا بالبرص يختفى، وكأنه لم يمرض من قبل، وعادت الفرحة إلى وجه الرجل.
فإذا الذى كان يلقيه بالحجارة، يطلب من الله القدير الرحيم، أن يغفر له فعلته، وآمن بالمسيح فى ذلك اليوم عدد كبير.
هكذا عاش المسيح من أجل الفقراء، من أجل البؤساء، من أجل المساكين، كان يُرشدُ الناس إلى النور ويبشرّهم: «وأمّا المعزّى الروح القدس الذى سيرسله الأب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكّركم بكل ما قلته لكم».
وكان يقرأ لهم ما ورد فى التوراة مما قاله الله سبحانه لموسى: «أقيم لهم نبيا من وسط إخوانهم مثلك وأجعل كلامى فى فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به»
من أجل هذا، حقد كهنة اليهود، وراحوا يحرّضون على قتل المسيح،راحوا يشيعون عليه أنه ساحر تارة، وتارة أنه مرتدّ عن شريعة موسى، وذات يوم اندفعوا نحو المعبد، وكان المسيح مع حوّارييه، وهموا بقتله.
وتدخل العسكر وقتها، واعتقلوا المسيح، حتى يتخلصوا، من الفتنة التى كادت أن تشتعل، وذهبوا بالمسيح إلى قصر الحاكم، فحرض الكهنة أتباعهم بالتجمهر حول قصر الحاكم، وأخذوا يهتفون: كافر، كافر.
أغلق الحرسُ باب القصر فى وجوههم، فسأله الحاكم: هناك من يقول أإنك تدعو الناس ضد القيصر، فقال له المسيح: أنا فقط أدعو الناس للمحبة، أدعوهم أن يحبوا بعضهم بعضا، وأن يعبدوا الله الواحد الأحد.
فصدقه الحاكم، وأمر بالإفراج عنه، لكن اليهود راحوا يُشِيعُون أن الحاكم قد آمن بالمسيح، وأنه يريد خيانة القيصر، ولم يكتفوا بهذا بل أرسلوا للقيصر، بهذا الأمر، وهنا، حدثت الفوضى، وخشى الحاكم من أن تنقلب الأمور ضدّه، ويفسدوا ثقة القيصر فيه، فقرر أن يترك أن يطيع اليهود.
كان اليهود فى ذروة حقدهم، وكان الكهنة مثل الذئاب يبحثون عن المسيح، ليمزّقوه بأسنانهم، لا لذنب إلاّ لإنسانيته، إلاّ لأنه جاء بالشريعة الحقيقية، كما أنزلها الله على سيدنا موسى.
كان كهنة اليهود فى اجتماع صاخب، يبحثون فى كيفية الانتقام من المسيح، وإفشال دعوته، فرصدوا مكافأة كبيره لمن يعثر عليه أو يقدّم لهم معلومات تساعد فى القبض عليه!
أثناء ذلك نجح اليهود فى الحصول على الضوء الأخضر لقتله، كان المسيح وقتها يتنقل فى الخفاء من مكان إلى آخر، وكان يمضى كل ليلة فى مكان ومعه بعض أتباعه، وذات ليلة، اختبأ المسيح فى بستان مع بعض الحوّاريين.
وفى تلك الليلة قارسة البرد، قال المسيح وقد شعر الغدر، أخبركم أن الراعى سيذهب، وستبقى الغنم وحدها وسيكفر بى أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرّات.
تبادل الحوّاريون النظرات، وكانت عينا يهوذا الإسخربوطى تبرقان بالغدر، حتى نام الجميع فتسلّل يهوذا خارجاً.
كان كل ما يفكر فيه هو ذهب المكافأة التى سيحصل عليها، لهذا اتجه إلى المعبد حيث كهنة اليهود يترقّبون الأخبار، وهمس يهوذا فى أذن الكاهن الأكبر، وتسلّم حفنة من النقود الذهبية.
وصاح الديك ثلاث مرّات، وأصدر الكهنة أوامرهم إلى مجموعة من الجنودِ الرومان بمرافقة يهوذا الإسخربوطى، الذى كان متلثماً حتى لا يعرفه أحد، وهو يشير إلى البستان الذى كان يبيت فيه المسيح وحواريوه.
وما أن اقتحم الجنود البستان، حتى فرّ الحوّاريون فى جميع الاتجاهات.
لم يعثر الجنود الرومان على المسيح لأنهم لم يكونوا ليعرفونه، لأنهم لم يروه من قبل، وفى غمرة الفوضى وقعت أعينهم على رجل يشبه المسيح تمامًا، لكنه ليس هو، فألقى القبض عليه وسيق إلى الحبس.
أراد اليهود التخلّص من المسيح بأسرع وقت، فأخذوه فوراً إلى تلّ الجلجلة، وهناك صُلب المقبوض عليه، ليسدلُ الستار على قصّة المسيح.
ولكن هل انتهت قصته حقاً ؟
كلاّ، سيعود المسيح ذات يوم، وسينصر الله الحق على الباطل، ويسودُ الأرضَ الربيعُ والسلام.