هارون..شقيق كليم الله محبوب بنى إسرائيل
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م صابر عزت - محمد الشرقاوى
نحو 88 عامًا- كنت تلك هى فترة الشقاء واستعباد بنى إسرائيل من جديد من قبل «فرعون» ورجاله، فبعد وفاة «يوسف» عليه السلام، بدأت العنصرية تتجسد ضد «بنى إسرائيل»، والاضهاد العرقى ضد آل كنعان الوافدين على أرض مصر تابعين لنبى الله يوسف.
«أنا ربكم الأعلى».. تلك هى كلمات «فرعون» الذى اعتقد نفسه إلها «يحى ويميت»، إلى أن رأى حلمًا وجد خلاله أرض مصر تحترق على يد أحد أطفال «اليهود»، وهو ما فسره كهنته أن بنى إسرائيل يستعدون لاستقبال طفلً تتحطم على يده مملكة «فرعون» -كان ذلك بعد وفاة يوسف بـ64 عامًا- فنصحه الكهنة بقتل جميع أطفال اليهود الذين يولدون فى هذا العام.
«دماءً سفكت.. أواصل قطعت.. رقابًا تطايرت.. رجالا هتكوا أعرض النساء.. وذكورا استضعفوا» كان هذا هو حال بنى إسرائيل خلال عام القتل، فما بين جنح الظلام، والخيط الرفيع لبزوغ الفجر، استل جنود فرعون سيوفهم باحثين عن موسى بن عمران -عليه السلام- بين أطفال اليهود حتى لا تتحطم مملكة «فرعون» على يديه.. إلا أنهم لم يعوا أن نبى الله ينتظر اللحظة المناسبة خلف جدران قصر فرعون، حتى يوجه ضربته القاضية إلى أعداء الله.
1439 ق.م- وقبل مولد «موسى»، بثلاث سنوات، شهدت «يوكابد»، والدة رسول الله حامل رسالة اليهودية، مولد شقيقه هارون بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليه السلام- نبى الله ووزير موسى.
ولد هارون فى السنة التى لا يذبحون فيها الذكور، وموسى فى السنة المقرر فيها الذبح وقد نجاهما الله بقدرته لحكمة تتجلى فى سياق الأحداث.
122 عامًا- هى الفترة التى عاشها «هارون»، وكان خلالها مساعدًا ووزيرًا لرسول الله وحامل كتاب «التوراة»، موسى بن عمران، الذى طلب من الله أن يدعمه بـ«هارون»، كونه صاحب لسان ذهبى وقادرا على أن يساعده فى إيصال رسالته.
وبالرغم من مساعدة «هارون»، لأخيه فى إيصال رسالته، دون شرط أو طلب، إلا أن الله كرمه بالنبوة، ومشاركة موسى رسالته، التى حملها إلى «فرعون»، وجنوده، الذين نشروا الفساد فى أرض مصر، واضطهدوا اليهود بعد وفاة، يوسف بن يعقوب عليه السلام.
رسالة هارون، كانت رحمة لموسى، وكانت الأحداث بمثابة صدفة لم يكن يتوقعها هارون، أن تكون سببًا لتسوق له الرسالة، فقد سأل الكليم ربه وشفع عنده ليهب أخاه هارون النبوة؛ ويكون وزيرًا له، ومعينًا على أداء الرسالة، كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53]، إذا كان مساندًا لنبى رسالته هى رسالة أخاه.
يقول ابن الجوزى فى كتابه «زاد المسير»، أي: «من نعمتنا عليه إِذ أجبنا دعاءه حين سأل أن نجعل معه أخاه وزيرًا له».
ويقول ابن كثير: «وأجبنا سؤاله وشفاعته فى أخيه، فجعلناه نبيًا»، كما قال فى الآية الأخرى: «وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون» -القصص: 34-، وقال: «قد أوتيت سؤلك يا موسى» -طه: 36-، وقال: «فأرسل إلى هارون. ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون» -الشعراء: 13، 14- ؛ ولهذا قال بعض السلف: ما شفع أحد فى أحد شفاعة فى الدنيا أعظم من شفاعة موسى فى هارون أن يكون نبيًا.
وقال الشنقيطى فى أضواء البيان: معنى الآية الكريمة: أن الله وهب لموسى نبوة هارون، والمعنى أنه سأله ذلك فآتاه سؤله، وهذا المعنى أوضحه تعالى فى آيات أخر فذكر بعضها ثم قال : فهذه الآيات تبين أنه سأل ربه أن يرسل معه أخاه، فأجاب ربه جل وعلا سؤاله فى ذلك، وذلك يبين أن الهبة فى قوله: {ووهبنا} هى فى الحقيقة واقعة على رسالته لا على نفس هارون؛ لأن هارون أكبر من موسى، كما قاله أهل التاريخ.
لما قال جل وعلا: «فقولا إنا رسول رب العالمين»، كان الأصل المخاطب به النبوة هو موسى، وهو أشد سكينة وحزما من أخيه وأعلم وأفضل، لأن الله فضل النبيين بعضهم على بعض وموسى من أولى العزم من الرسل وكان هارون محببًا فى قومه بنى إسرائيل، وقد جاء فى رواية الإسراء والمعراج: «فوجدت رجلَا تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا يا جبريل، قال، هذا المحبب فى قومه هارون بن عمران».
من بين الأسباب التى طلب موسى الرسالة لهارون، أنه كان محببًا فى قومه، فوجوده داعمًا لموسى سيكون ذا وقع أبلغ فى نفوس بنى إسرائيل، ووجودهما سويًا أمام فرعون ومناظرته يعطى بعض الثقة لموسى أن وراءه محبين لهارون وزيره.
قال تعالى (وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا)، ورد فى بعض السير أن تلك الآية لم تكن دلالة على كمال فى «هارون» كان مفقودًا فى موسى عليه السلام، خاصة أن فصاحة البيان واللسان أمر ضرورى ولازم فى الرسول، فكيف يرسل الله سبحانه وتعالى من يكون منقوصًا أو معيوبًا فيما له دخل فى تبليغ شريعة رب العباد؟
وبحسب ذات المرجع، يحتمل أن لا يكون المقصود فصاحة هارون بنفسه من جهة خصلة خاصة فيها، وإنما من جهة قبول أولئك القوم لكلام هارون أكثر من كلامه لمأخذ لهم على موسى عليه السلام، والقرينة على ذلك هى سياق الآيات أيضاً من سورة القصص:
قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ( 33 ) وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ( 34 ) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ( 35 ).
فإن جملته مسبوقة بخوفه مما يمكن أن يلاقيه على أيدى القوم، وطلبه لهارون لكى يصدقه مع خوفه من تكذيبهم، فيكون المعنى قريباً مما يحتمل فى الآية السابقة.
الحديث عن هارون عليه السلام لم يكن كثيرًا، لكن الكل أجمع أن وجوده كان دعمًا لموسى وليس له رسالة وحده، بل آمن برسالة موسى، وأن النبوة آتت إليه رغبة فى طلب موسى لما اقتضاه سياق الحدث.
ولما حانت ساعة نبى الله هارون، أوحى الله إلى موسى: أنى متوفى هارون، فآت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو الجبل، فإذا هما بشجرة لم ير مثلها من قبل، وإذا ببيت أسفل الشجرة، فيه سرير عليه فرش، وإذا فيه ريح طيبة فلمّا نظر هارون إلى ذلك أعجبه، وقال: يا موسى إنّى أحب أن أنام على هذا السرير، قال: نم عليه، فقال: إنّى أخاف أن يأتى رب (صاحب) البيت فيغضب عليّ، قال له موسى: لا، أنا أكفيك رب البيت، فنم، قال: يا موسى بل نم معى فإن جاء رب البيت غضب علينا جميعًا.
فلما ناما أخذ الموت هارون وقبض روحه، ورفعه الله إليه، فذهبت تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بنى إسرائيل دون هارون، قالوا: إنّ موسى قتل هارون، فقال موسى: ويحكم إنه أخى فكيف أقتله، فلما أحاطوا به، قام فصلى ثم دعا اللّه فأنزل السرير حتى ينظروا إليه بين السماء والأرض، فوجدوا هارون عليه نائما معافى، فصدقوه.
وفى نفس المكان الذى أنزل الله السرير على بنى إسرائيل، أقيم مقام النبى هارون فى أعلى قمة جبل سمى «جبل هارون» يقع بالقرب من مدينة البتراء فى بادية الأردن.