ذو الكفل واليسع وإلياس..سلام على أنبياء الله الأخيار
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
كنا نختلف فى عدد وأسماء الأنبياء والمرسلين، فكان شيخنا يبتسم ثم يقول: خذوا عنى هذين البيتين للناظم الحكيم
« فى تلك حجتنا منهم ثمانية *من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو
إدريس هود شعيب صالح * وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد خُتموا»
ثم يقول الشيخ : الناظم يشير إلى آيات سورة الأنعام، التى ورد فيها ذكر ثمانية عشر رسولًا ونبًيا : «وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإلياس ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ»، ثم هنا سبعة من المرسلين والأنبياء ذكورًا فى غير تلك الآيات، وهم إدريس وهود وشعيب وصالح وذو الكفل وآدم وسيد الكائنات علوية كانت أم سفلية سيدنا محمد بن عبد الله.
فهؤلاء هم الخمسة وعشرون نبيًا ورسولًا الواجب على المسلم الإيمان بهم وتعظيمهم وتوقيرهم والصلاة والسلام عليهم.
ولأن الأنبياء والرسل هم بشر ، فحظهم من الشهرة والذيوع كحظ البشر، فسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، ذكر القرآن قصته كاملة فى عشر مرات تامة، وذكر القرآن اسمه مائة وستًا وثلاثين مرة، بينما هناك أنبياء ورسل مثل إلياس واليسع وذى الكفل لم يذكروا سوى مرتين، وهناك طائفة ذكروا بالتلميح لا بالتصريح، فلا نعرف عنهم شيئًا، انظر إلى قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ».
ثم الله عز وجل حسم الأمر بقوله : « وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ».
وعندما نتحدث عن نبى الله إلياس، نجد أن الإجماع معقود على كونه من أنبياء بنى إسرائيل، وهو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخى موسى عليهم السلام. ويعرف فى كتب الإسرائيليين باسم «إيليا».
وقد نلاحظ عروبة الاسم، مع أنه ليس عربيًا، وهذا الأمر يقع كثيرًا فى كتابات المؤرخين والمفسرين، ومرده إلى أن هذا هو نطقهم للاسم العبرى.
ذُكر النبى إلياس عليه السلام فى القرآن الكريم فى موضعين:
الأول: قوله سبحانه: (وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين)
الثاني: (وإن إلياس لمن المرسلين* إذ قال لقومه ألا تتقون* أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين* الله ربكم ورب آبائكم الأولين* فكذبوه فإنهم لمحضرون* إلا عباد الله المخلصين* وتركنا عليه فى الآخرين* سلام على إل ياسين).
ومختصر ما قاله الإمامان الطبرى وابن كثير عن نبى الله إلياس، هو أن الله عز وجل، قد بعث إلياس فى بنى إسرائيل بعد حزقيل، وكانوا قد عبدوا صنمًا يقال له: (بعل)، فدعاهم إلى الله، ونهاهم عن عبادة ما سواه. وكان قد آمن به ملكهم، ثم ارتد، واستمروا على ضلالتهم، ولم يؤمن به منهم أحد، فدعا الله عليهم. فحبس عنهم المطر ثلاث سنين، ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم، ووعدوه أن يؤمنوا به، إن أصابهم المطر، فدعا الله لهم، فجاءهم الغيث، فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر، فسأل الله أن يقبضه إليه، وكان قد نشأ على يديه «اليسع بن أخطوب».
أما اليسع عليه السلام فقد ورد اسمه فى قوله تعالى: «وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ».
وقال جل جلاله : «وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلا فضلنا على العالمين».
وعنه يقول الإمام الطبرى إنه (اليسع بن أخطوب)، ويقال إنه ابن عم إلياس النبى عليهما السلام، واسمه أسباط بن عدى بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام، وهو من أنبياء بنى إسرائيل، وقد أوجز القرآن الكريم عن حياته، فلم يذكر عنها شيئًا، وإنما اكتفى بذكره ضمن مجموعة الرسل الكرام، الذين يجب الإيمان بهم تفصيلاً.
بلغ اليسع الدعوة بعد انتقال إلياس إلى جوار الله، فقام يدعو إلى الله مستمسكًا بمنهاج نبى الله إلياس وشريعته، وقد كثرت فى زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم (اليسع) وخوفهم من عذاب الله، ولكنهم لم يأبهوا بدعوته ثم توفاه الله وسلط على بنى إسرائيل من يسومهم سوء العذاب، كما قص علينا القرآن الكريم.
أرجح الأقوال أن اليسع هو اليشع الذى تتحدث عنه التوراة.
أما ذو الكفل عليه السلام، فهو من الأنبياء الصالحين، وكان يصلى كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبنى قومه أن يقضى بينهم بالعدل، ويكفيهم أمرهم، ففعل فسمى بذى الكفل.
وقال أهل التاريخ أن ذا الكفل هو ابن أيوب عليه السلام، واسمه فى الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب وسماه ذا الكفل، لأنه تكفل ببعض الطاعات.
أقيم لذى الكفل مقامه فى الشام، كما تناقل أهل دمشق الأمر، أن له قبرًا فى جبل هناك، يشرف على دمشق يسمى قاسيون، إلا أن بعض العلماء، يرون أنه ليس بنبى، وإنما هو رجل من الصالحين من بنى إسرائيل، وقد رجح ابن كثير نبوته، لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء، فقال عز وجل:(وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) (الأنبياء).
قال ابن كثير : فالظاهر من ذكره فى القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونًا مع هؤلاء السادة الأنبياء، أنه نبى عليه من ربه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور.
والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه فى عداد الأنبياء، أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم، فلم يتعرض لشىء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل.
حتى المؤرخين لم يوردوا عنه إلا الشىء اليسير، ومما ينبغى التنبه له أن (ذا الكفل)، الذى ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذى ذكر فى الحديث الشريف، ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال: (كان الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته، أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ (أى أجبرتك)، قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملتنى عليه الحاجة، فقال: فتفعلين هذا، ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبى بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصى الله الكفل أبدا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبًا على بابه: قد غفر الله للكفل، رواه الترمذى، وقال: حديث حسن وروى موقوفًا على ابن عمر، وفى إسناده نظر، فإن كان محفوظًا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور فى القرآن.