يحيى..النبى الذى لا شبيه له
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
نبى الله يحيى ابن نبى الله زكريا، ولد استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا وحصورا ومن الصالحين، كما كان بارا تقيا ورعا منذ صباه
هذا هو يحيي، نبى الله الذى شهد الحق عز وجل له أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا، وهو النبى الذى قال الحق عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا)..
ومثلما أوتى الخضر علما من لدن الله، أوتى يحيى حنانا من لدن الله، والعلم مفهوم، والحنان هو العلم الشمولى الذى يشيع فى نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها، كأن الحنان درجة من درجات الحب الذى ينبع من العلم.
لقد كان يحيى فى الأنبياء نموذجا لا مثيل له فى النسك والزهد والحب الإلهــى.. هو النبى الناسك. كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحارى والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها فى بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
يذكر العلماء فضل يحيى ويوردون لذلك أمثلة كثيرة. كان يحيى معاصرا لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه.
وتروى السنة أن يحيى وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيي: استغفر لى يا يحيي.. أنت خير منى.
قال يحيى: استغفر لى يا عيسى، أنت خير منى .
قال عيسى: بل أنت خير منى.. سلمت على نفسى وسلم الله عليك.
تشير القصة إلى فضل يحيى حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيى بن زكريا؟
ولد يحيى عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبى زكريا.
ولد يحيى عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيى يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيى فى السن زاد النور فى وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام، وكان يحيى يحب القراءة، وكان يقرأ فى العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:
«يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»
صدر الأمر ليحيى وهو صبى أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبى.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة فى زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبى.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
وكبر يحيى فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيى أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيى على ذلك بالتنسك.
وكان يحيى إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر فى قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..
وجاء صباح خرج فيه يحيى على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيى بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال: أن الله عز وجل أمرنى بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدى ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر، وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.
كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبى القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا فى بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيى فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد.
وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهى أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام فى دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثنى الملك.
لم يكن لدى الفتاة أى حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط فى يده، فامتنع عن الزواج.
لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة فى الملك، وفى إحدى الليالى الفاجرة أخذت البنت تغنى وترقص فأرادها الملك لنفسه فأبت وقالت: إلا أن تتزوجنى، قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى؟ قالت: ائتنى برأس يحيى مهرا لى، وأغرته إغراء شديدا فأمر فى حينه بإحضار رأس يحيى له.
فذهب الجنود ودخلوا على يحيى وهو يصلى فى المحراب. وقتلوه، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدّم الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام٫