صالح..صاحب الناقة الذى تآمر عليه كبار قومه
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 ممصطفى الجمل
لم يُصدق قومه دعوته، اعتقدوا أنه ساحر أو مسحور، فطالبوه بمعجزة لإثبات صدق نبوته، فاستجاب الله تعالى لذلك، فكانت آيته الناقة، التى قال عنها المولى عز وجل: (وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ).
هو نبى الله صالح، قيل عن نسبه صالح بن عبيد بن أسف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر، أو صالح بن جابر بن ثمود بن عامر بن أرم بن سام بن نوح، عرف قومه بنحتهم لبيوت عظيمة من الجبال، فكانوا يستعملون الصخر للبناء، وكانوا أشداء، وأقوياء، ورزقهم الله من كل شىء، حيث إنهم أتوا بعد قوم عاد، وسكنوا الأرض التى استعمروها.
أرسل «صالح» إلى قوم ثمود، وهى قبيلة عربية مُتفرعة من أولاد سام بن نوح، وسميت بذلك نسبة إلى أحد أجدادها، وهو، ثمود بن عامر بن أرم بن سام بن نوح، وكانوا قوماً جاحدين، فعلى الرغم مما منحهم الله من نعمه ورزق، إلا أنهم عصوه، وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نبيه صالح ليهديهم إلى عبادته.
لأن الحق لا يتبدل ولا يتغير، قال صالح كما قال كل نبى لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ)، فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله، إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده، فأحدثت دعوته هزة كبيرة فى القوم.
قبل أن يوحى الله إليه، كان قومه يحبونه ويجلونه، وكان معروفاً عندهم بالحكمة والنقاء والخير، فقالوا له: (يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِى شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، حاولوا بكل جهد استمالته من باب شخصى بحت، ففى الآية السابقة يقولون له، لقد كان لنا رجاء فيك، لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا، ومن هنا كان واضحاً أن دعوة صالح عليه السلام، لن يصدقها قومه، فمالوا إلى مطالبته بمعجزة نبوية، تثبت أنه رسول الله إليهم، ولأنهم كانوا قوماً ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة، نزلت فيهم معجزة الناقة، التى قيل أنها خرجت من صخرة بالجبل، لم تقف مظاهر المعجزة، لأنها كانت تشرب المياه الموجودة فى الآبار فى يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه فى هذا اليوم، و كانت تدر لبنا يكفى لشرب الناس جميعا فى هذا اليوم، الذى تشرب فيه الماء فلا يبقى شىء للناس.
أضافها الله سبحانه وتعالى لنفسه فقال «ناقة الله»، بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هى معجزة من الله، وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة، أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل فى أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
فى البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل، كانت ناقة مباركة.
كان لبنها يكفى آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا أنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هى آية من الله، وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقى أغلبهم على العناد والكفر.
استمر صالح عليه الصلاة والسلام، يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هى الناقة، دليلاً على صدقه وبينة على دعوته، وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل فى أرض الله، وكل الأرض أرض الله، وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم، كما ذكرهم بإنعام الله عليهم، بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد، وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة، لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.
تحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة، تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة، كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا فى أنفسهم أمراً.
وفى إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، وأصبح من المألوف أن نرى أن فى قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبى أو معجزاته أو دعوته تأتى من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده، أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح، فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه، لكن أحدهم قال: «حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب»، فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: «أعرف من يجرأ على قتل الناقة»، إذ خرج أشقى القوم وشرب الخمر وقتل الناقة، كما أبلغنا المولى عز وجل: «إذ انبعث أشقاها فكذبوه فعقروها». وبقتلهم الناقة حق عليهم عذاب الله فأهلكهم.