«الشيخ الشاذلي».. بركة الجنوب ومقصد الحجاج (صور)
الإثنين، 28 أغسطس 2017 10:05 م
كلما كان تاريخ المجتمع ضارب في القدم، كلما زادت الأساطير التي يذكرها التاريخ حول الأماكن، والأشخاص، وكلما قل العلم، وانتشر الجهل، زادت أعداد المؤمنين بهذه الأساطير مهما كانت غريبة.
وإذا كانت هذه القاعدة تنطبق على شعوب الدنيا قاطبة، فإنها تزيد لدى المصريين عمقا، ورسوخا، لاسيما إذا كانت هذه الأساطير مرتبطة برجال الدين، أو من يفضل الناس وصفهم بأولياء الله الصالحين.
وعلى طريق «أسوان ـ البرانيس»، يقف جبل عرفات المصري، شامخا مطلا على مقام الشيخ الشاذلي، ليشهدان سويا على أسطورة لا تموت، وهي حكاية رغم صعوبة تصديقها في القرن الـ21، إلا أنها واقع سنتعرف على تفاصيله في السطور التالية.
قصة «فأس المرسي»
عندما تقترب من جبل «حميثرة»، بصحراء عيذاب، في ذلك الركن القصي من الجنوب المصري، تشعر أن الطبيعة اختصت مقام الشيخ الشاذلي، بمكانة خاصة، فهو موجود في حضن الجبل، حيث المكان الذي فاضت فيه روح الشيخ إلى الرفيق الأعلى، في أثناء ذهابه للحج قادما من منطقة الإسكندرية، وبرفقته تلميذه الشيخ الشهير أبو العباس المرسى.
ومن الأمور المثيرة في قصة الشيخ الشاذلي، ذلك الحوار الذي دار بينه وبين تلميذه، المرسي أبو العباس، كما يحلو لأهل الإسكندرية أن يطلقوا عليه، حين طلب الشاذلي من تلميذه أن يصطحب معه فأسا خلال رحلتهما للحج، وحينما سأل التلميذ شيخه عن السبب وراء ذلك الطلب العجيب، قال له الشاذلي: «في حميثرة سوف ترى»، وفي حميثرة، مات الشيخ الشاذلي، واحتاج تلميذه المرسي الفأس؛ لكي يحفر له قبرا، لدفنه هناك!!.
وعندما أذاع المرسي، هذه القصة عن شيخه، بين الحجاج، تحول قبر الشيخ الشاذلي إلى مزار ومقصد، لكل من وقع في قلبه حب الرجل، وشعر أن السماء تفيض عليه من أنوارها، حتى أنه حدد مكان موته.
وبمرور الزمان، ولتمسك المصريين بقدسية أولياء الله الصالحينن وولعهم بالعلاقة بين السماء والأرض، أصبح قبر الشاذلي، في حميثرة، مكانا مقدسا لدى مريجيه؛ ولأنهم في الأغلب الأعم من البسطاء، الفقراء، فإن الأمور تطورت بينهم، حتى صار الناس يتسلقون الجبل الذي يحتضن المقام، بالتزامن مع وقفة عرفات كل عام، ويذبحون الذبائح، ثم يعودون مع تكبيرات العيد، معتبرين ذلك بديلا عن الحج، الذي لا يقدرون على تكاليفه، معتقدين أن الشيخ سيشفع لهم، لوقوفهم على «جبل عرفات المصري»، وتبركهم بالشيخ.
الحاجة ذكية الشيخة النورانية
ومع موعد المولد النبوي كل عام، يشد المريدون الرحال، إلى المنطقة ذاتها؛ لكن هذه المرة لزيارة الحاجة زكية، وهي سيدة يزعم الأهالي أنها مدفونة في مقام مجاور لمقام الشاذلي، ذلك لأن موعد المولد النبوي، هو ذاته موعد مولد الحاجة زكية.
والشيخة زكية هي إحدى خادمات الشيخ الشاذلي، وحينما ماتت أنشئ لها مقام، وساحة بجوار الشيخ الشاذلي، ويحتفل الأهالي بها في ليلة كبيرة، تأتى إليها الوفود من كل حدب وصوب.
وعندما تتجول في ساحة المقامين، اللذان أنشئا على شكل قباب، تشبه المباني الأثرية، وتشاهد كيف أن الشيوخ والعجائز، يتسلقون الجبال بكل إصرار وعزيمة، وكأنهم يؤدون طقسا، أو شعيرة من الشعائر، التي يلفها الخشوع، لا تملك سوى الشعور بالتعجب؛ مما تفعله العقيدة في البشر، حتى ولو كانت خاطئة.
30 سنة من النفحات
وبجوار مقام الحاجة زكية، المجاور لمقام «قطب الصحراء»، حسن الشاذلي، تبدو الفرصة سانحة للاستماع لأول أساطير تلك الرحلة، والتي كان من الواضح أنها أيضا لن تكون الأخيرة.
الشيخ الشاذلي راجل بركة، ومن يزوره 7 مرات كأنه أدى عمرة، وهو ذو مكانة كبيرة في قلوب أهالي حلايب والشلاتين، هكذا يردد الزوار من أهالى الجنوب، الذين يؤكد بعضهم أنهم يحضرون لنيل البركات منذ أكثر من 30 عاما.
أفواج الحجيج
عندما وصلنا بالسيارات إلى مكان ضريح الشيخ الشاذلي، وجدنا العشرات من السيارات الأخرى، التي تقل المئات من الزائرين تصطف على جانبي الطريق، وكأنهم أفواج خرجت للحج، ووجدنا سيدات يتناولن الطعام داخل الضريح، ويطلقن زغاريد الفرحة؛ ابتهاجا بالزيارة، فمنهن من حضرت لتفي بنذر، أو لترجو الشفاء، أو الإنجاب، أو الهروب من جحيم العنوسة.
نداء الشاذلي
أم أحمد.. سيدة ارتسمت على وجهها تجاعيد السنيين، وحفر الزمن على قسماتها آيات البساطة والفطرة، حضرت هي وأسرتها وجيرانها؛ لتلبية نداء الشيخ الشاذلي، وقالت: «الشاذلي نادني، وقبل أن أحضر أنا وعائلتي خرجت السيارات النقل لتجوب أرجاء البلدة، حاملة مكبرات الصوت؛ لتعلن عن نيتنا زيارة الشاذلي وكانت تبث أغاني أم كلثوم، والمديح بصوت الشيخ ياسين التهامي؛ ليعلم من يريد الذهاب معنا، ويستعد للرحلة».
وأضافت: «مثل رحلة الحج، يتم تلوين البيوت عند العودة؛ ليعرف الجميع أننا قمنا بالزيارة، وتأخذ كل أسرة الذبائح، معها في ثلاث زيارات أساسية، قبل العيد، وفى عاشوراء، وقبل المولد النبوي؛ لزيارة الشيخ الشاذلي، والحاجة زكية فمكانتها من مكانة الشيخ». هذا ما أكدته أم أحمد، مشيرة إلى أن الزوار يقيمون ثلاث ليال في خيام حول الساحة، التي تضم المقام، وهذا من شروط إتمام الزيارة.
العباءة السماوية
وتروى الأساطير عن كرامات الشاذلي، الذي رأى أنه سيدفن في هذه المنطقة، أنه كان يطير إلى المغرب، ويخاطب الجن، ويسيطر عليهم، ومن ذلك حكاية الطفل الذي نجا بعباءة الشيخ الشاذلي، في قصة تقول تفاصيلها إنه كانت هناك رحلة متجهة لزيارة الشاذلي، وانقلبت السيارة، ولم ينج منها سوى طفل أخذه الأهالي، واعتبروه مبروكا، وأخذوا يهللون؛ لأنه نجا ببركات الشاذلي بعد أن لفه بعباءته السماوية، التي كان يطير بها.
قصة أخرى يرويها الأهالي عن صورة تتوسط الجبل الذي يضم المقام، وتحيطها أعلام خضراء، وعلم مصر، ومكتوب عليها شهيد الشيخ الشاذلي.
وعندما تسلقت الجبل للوصول إلى هذه الصورة، وجدت مكتوبا عليها «كرم زيتونة شهيد رحلة الشيخ الشاذلي 6/12/2008، وعرفت من قصته أنه كان ضمن وفد جاء لزيارة الشاذلي من إحدى محافظات الجنوب، وانقلبت السيارة به فمات، واعتبره أهل المنطقة (شهيد الشيخ)».
تحدثنا إلى الشيخ عبد الحميد عباس، كبير أئمة مقام الشاذلي، فأرجع نسب تقي الدين على حسن الشاذلي، إلى أحد أحفاد رسول الله، وهو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، الزاهد الصوفي، والذي إليه تنتسب الطائفة الشاذلية.
وأوضح أنه سكن الإسكندرية، وتوفي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب، خلال رحلته إلى بيت الله الحرام، في أوائل ذي القعدة من عام 656 هجريا، بحسب ما أكده الشيخ عبد الحميد.
وعن دوره كإمام للمسجد في توعية الناس بالعادات التي تحمل في طياتها شرك بالله تعالى، قال: "نحن نتصدى لذلك بالقرآن والسنة، لكن هناك عادات متأصلة في ثقافة وعقيدة وعقول الناس والشيخ بريء منها، وأنا أحاول إقامة ندوات للتوعية لزوار الأمام".
ليشهدوا منافع لهم
وعلى غرار الحج حيث البيع والشراء، يصطف على جانبي مقام الشاذلي، باعة من النوبة، والسودان، ومن حلايب والشلاتين أيضا، كل منهم يبيع منتجات منطقته التي اشتهرت بها، فهناك من يبيع الحناء السودانية والصابون السوداني، والأعشاب والعطور الخاصة بأهل الشلاتين.
فالباعة من حلايب يبيعون أدوات الجبنة «مشروبهم الخاص»، والسجاد والحصير وبعض المأكولات السودانية، وذلك كله نظير مبالغ زهيدة، أما الذبائح فتذبح وتوزع على كل الموجودين حول ضريح الشاذلي.