الشمول المالي والنزاهة المالية
الأربعاء، 23 أغسطس 2017 05:05 م
لقد أدرك قادة مجموعة الـG20 خلال عام ۲۰۱۰ أهمية الشمول المالي Financial Inclusion وقاموا بتأييده كدعامة أساسية في جدول أعمال التنمية العالمية، حيث تم تأسيس رابطة باسم Global Partnership for Financial Inclusion وذلك لوضع خطة عمل متعددة السنوات لتطبيق الشمول المالي من خلال دعوة مجموعة من خبراء الشمول المالي وخمس هيئات دولية قائمة للعمل على وضع المعايير الدولية للبدء في تكثيف العمل على تطبيق الشمول المالى؛ لأنه يعزز من الاستقرار المالي كما يساهم في النمو الاقتصادي، والكفاءة المالية، وذلك بخلاف الجانب الاجتماعي فيما يتعلق بتحسين الحالة المعيشية للعملاء وخاصة الفقراء منهم.
ويقصد بالشمول المالي إتاحة واستخدام كافة الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع من خلال القنوات الرسمية بما في ذلك الحسابات المصرفية والتوفير، خدمات الدفع والتحويل، خدمات التأمين، وخدمات التمويل والائتمان لتفادي لجوء البعض إلى القنوات والوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لحد أدنى من الرقابة والإشراف ومرتفعة الأسعار نسبيا مما يؤدي إلى سوء استغلال احتياجات هؤلاء من الخدمات المالية والمصرفية.
وقد قامت العديد من الدول بإدراج الشمول المالي كهدف من أهداف استراتيجيتها القومي، ولنظر في كيفية المواءمة بين الشمول المالي كهدف استراتيجي جديد وبين الأهداف الثلاثة الأخرى المتعارف عليها وهي: الاستقرار المالي Stability ، والنزاهة المالية Integrity ،والحماية المالية للمستهلك.Consumer Protection .. حيث يفضل العديد من الخبراء تحقيق الارتباط الأمثل بين الأهداف الأربعة أعلاه عن طريق الوصول لأعلى قدر من التوليفات Synergy وأقل قدر من المفاضلات Tradeoffs بينها بما يعرف بالإطار المتكامل للشمول المالي ويطلق عليه "نظرية الI-SIP(INCLUSION, STABILITY, INTEGRITY, AND PROTECTION.).
ومع ادراك العديد من المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية بأن الاستبعاد المالي يُعتبر من أهم المخاطر التي تواجه الجهود المبذولة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كان لابد من الربط بين النزاهة المالية والشمول المالي المؤيد للاستقرار؛ حيث تشجع المعايير الدولية للنزاهة المالية على مكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب وتساند مكافحة الجرائم المالية.
ويعتبر التنفيذ غير الصحيح لتلك المعايير في الأسواق الناشئة عامل أساسي في استبعاد ملايين من أصحاب الدخول المنخفضة من الخدمات المالية الرسمية نتيجة امتناع البنوك عن التعامل معهم في حالة عدم اكتمال بياناتهم، وبالتالي اللجوء إلى الخدمات المالية غير الرسمية، مما يؤثر على التقدم الاجتماعي والاقتصادي ويعوق الجهات الرقابية القائمة على تنفيذ هذه القوانين من تعزيز النزاهة المالية نظرا لتعذر القدرة على تتبع حركة الأموال؛ حيث تشجع المعايير الدولية للنزاهة المالية على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحة الفساد وتساند مكافحة الجرائم المالية.كما أن أوجه القصور في البنية الأساسية لتحديد هوية العملاء والتحقق منها ومراعاة التطبيق السليم لمبادئ "اعرف عميلك KYC".
لذا يتعين على صانعي السياسات فهم الأسباب الرئيسية للاستبعاد المالي، والشرائح الرئيسية المتأثرة، ومن ثم تبنى سياسة واضحة وشاملة تلزم كافة الجهات بأدوات رقابة فعالة، على أن تشمل هذه السياسة تحقيق الأهداف التالية:
1- التشاور بين كافة الأطراف ذات العلاقة وخاصة القطاع الخاص لتحقيق التوازن السليم.
2- تقييم المخاطر المحددة للجرائم المالية والفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب في الدولة لتحديد نقاط الضعف في أدوات الرقابة الحالية وبالتالي تصميمها بشكل ملائم يتناسب مع حجم المخاطر.
3- تقييم الموارد المتاحة لتنفيذ أدوات الرقابة الخاصة بمكافحة الجرائم المالية والفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ مما يساعدها على تصميم أدوات رقابة فعالة.
4- إعداد أدوات رقابة خاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتناسب مع المعاملات ومقدمي الخدمة؛ ففي حالة تدني مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب يمكن للدول تطبيق إجراءات مبسطة للفحص النافي للجهالة واستخدام أدوات لا تعوق الشمول المالي؛ مثل: تعديل الشروط الخاصة بالمستندات التي يقدمها العميل والتحقق منها، وتبسيط شروط حفظ السجلات، إلى جانب إطلاق قنوات خدمة جديدة باستخدام وسائل التكنولوجيا والتطبيقات الحديثة.. مع التدرج في تنفيذ إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع وضع خطة زمنية محددة التواريخ لمراحل التطبيق متى تطلبت الضرورة ذلك.
5- تطوير الأسواق لتشجيع الأفراد على الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية، وتشجيع التدابير التي تسمح بتقنين وضع مقدمي الخدمات في القطاع غير الرسمي؛ من خلال مثلا تيسير إجراءات التسجيل أو الترخيص لمقدمي الخدمات المالية في القطاع غير الرسمي، والحد من المميزات المتاحة لاستخدام القنوات غير الرسمية، على سبيل المثال السوق الموازي لأسعار الصرف التي قد تؤثر على سلوكيات العميل، وكذلك تشجيع مقدمي الخدمات المالية الجدد، خاصة ذوي التكلفة الأقل والمتطلبات الأيسر مثل الخدمات المصرفية باستخدام الهاتف المحمول..الخ.
6- كما أن وجود قواعد حماية مالية ضروري لتوعية العملاء لفهم حقوقه والتزاماته من خلال الإفصاح عن المعلومات في التوقيت المناسب خاصة عن طريق المراحل المختلفة من العلاقة المالية التعاقدية (قبل العقد، خلال العقد، ونهاية العقد).
7- العاء حكم القانون مع وجود قواعد قانونية تنظم تضارب المصالح.. للحد من الخلط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
8- الصرامة فى تطبيق قواعد المنافسة والشفافية والافصاح حيث تؤدي المنافسة بين مقدمي الخدمات المالية إلى تخفيف مشكلة تباين المعلومات، خاصة مع وجود قدر من الإفصاح للعملاء عن المعلومات التي يمكن استخدامها، مما يساعد على التثقيف المالي وبالتالي إدخال عملاء جدد في السوق، مع أهمية وجود رقابة صارمه وادارات نظم مخاطر فعالة.