«ناس برة الدنيا».. قصة العلاج بالبرسيم في قرى العرب ومنيل موسى ببني سويف
الإثنين، 14 أغسطس 2017 02:09 م
"ناس برة الدنيا".. يكشف الفيديو، وكذلك الصور المرفقة بهذا التقرير، عن وجودهم، في القرن الـ21، بمركز ببا في محافظة بني سويف، فهم يعيشون على هامش الحياة، لا علاقة لهم بالدنيا الحديثة من أي نوع، بل وربما لا علاقة لهم بالعيش الآدمي، إلا من خلال أنفاس تتردد فقط.
المشاهد مرعبة، والأزمات لا تقتصر على مكان، ولا تتوقف على لون واحد، وإنما تمتد إلى أبعد من الخيال لا سيما في قرى "الفقيرة"، و"العرب"، و"منيل موسى"، و"قمبش"، التي تعد نموذجا حيا للناس الذين يعيشون برّة الدنيا.
تقع قرية "الفقيرة" شرق النيل، وتتبع رسميا مركز ببا، ويعانى سكانها من الفقر المدقع، حتى أنه من اليسير جدا فهم السر وراء إطلاق هذا الاسم عليها، بل إن التأمل فى حال أهلها، يمنح الإنسان يقينا، بأنه لا يمكن تسمية هذه القرية باسم آخر، فهم كمن بعث من أزمنة سحيقة؛ فلا إذاعة، ولا تلفاز، ولا سياسة، ولا أحد يعلم من مظاهر الدولة المركزية شيئا، بداية من اسم رئيس الجمهورية، وحتى اسم رئيس الحى، أو حتى المحافظة التى ينتمون إليها.
وتعانى هذه القرى مجتمعة، من انتشار أنواع متوحشة، وشديدة السمية، من الثعابين، التى يسقط ضحايا هجماتها يوميا، وبخاصة خلال فصل الصيف، ورغم ذلك تخلو القرى تماما، من أى مركز طبى، لعلاج السموم، وحتى المركز الطبى الذى تحتويه قرية قمبش، فإنه يخلو من ترياق السموم، بحسب رواية الأهالى، الذين أكدوا أن أكثر موتاهم بسبب تلك الأزمة التى تهدد حياتهم، وحياة أطفالهم على مدار الـ24 ساعة يوميا.
وتخلو قرى مراكز بنى سويف فى أغلب الأحيان، من المواصلات، كما لا توجد أى وسيلة لربط شطرى القرى المطلة على نهر النيل، ويعتمد الأهالى فى التنقل على الجهود الذاتية، بالمعديات على مياه النيل، وبالدراجات النارية، و"التريسكل"، على البر.
خرافات بدائية
الصورة السابقة كانت ضرورية لنعيش في الأجواء التي أدت لانتشار الخرافات البدائية بين الأهالي، من أول علاج الرمد بالبرسيم، وحتى سيطرة وصفات الأجداد على الحياة، بديلا للأدوية، والعقاقير الطبية التي باتت معروفة من أكثر من 100 عام.
ويعيش أهالى قرى بنى سويف، على عدد من الخرافات البدائية، منها فتاة لا يتجاوز عمرها السنوات الـ8، والتى وجدناها تربط عقدا من نبات البرسيم حول عنقها، وعندما سألناها عن السبب، أجابت جدتها، إنها وصفة لعلاج الطفلة من آلام العينين، واحمرارها؛ مؤكدة أنهم يلجأون لهذه الوصفات البدائية، لعدم امتلاكهم الأموال اللازمة للعلاج على أيدى الأطباء.
وتقول "أم سليمان"، وهى سيدة مسنة، من عزبة العرب، التابعة لقرية قمبش: "نعانى أزمات كثيرة جدا، فنحن ليس لنا علاقة بأى شىء فى البلد، بخلاف حياتنا اليومية"، مضيفة: "إحنا عايشين اليوم بيومه، المرض والفقر موتونا بالحيا، ومش عارفين نعيش".
وتعتبر الطفلة سلمى، ذات الـ9 سنوات، حالة خاصة التقيناها فى طريقنا، فهى مثل أقرانها من الأولاد، والبنات، لا تحظى بأى قدر من التعليم، لكنها ترفض الاختلاط بمن فى سنها، واللعب معهم، لأنها ترفض أن تكون مثلهم غير نظيفة، وتكره منظر الذباب المنتشر على كل شىء داخل القرية، وتقول: "أنا زعلانة، لأننا فقرا؛ عشان أبويا ماقدرش يعلمنى، وكان نفسى أروح المدرسة".
واختنقت الطفلة بالبكاء وهى تقول: "أنا بأعلم نفسى، وبروح الكتّاب، وحفظت جزء عمّ بالكامل، وكمان علمت نفسى القراءة، والكتابة، ونفسى يفتحوا لنا فصل نتعلم فيه، زى المدرسة".
حالة سلمى تبدو فريدة من نوعها، فى تلك القرى، التى اعتاد الكبار، والصغار فيها ابتعاد الدولة عنهم، وغياب خدماتها؛ حتى أن السواد الأعظم من الأطفال هناك بلا شهادات ميلاد، وبالتالى هم بلا تطعيمات، أو أى خدمات أخرى تقدمها الدولة بالأماكن الأكثر تحضرا.
نفسي في دولاب
ويعيش الأهالى فى هذه القرى داخل منازل، تخلو تماما من أى مظهر للتقدم، فالجدران عبارة عن طوب لبن، والأسقف من جذوع، وجريد النخيل، أما الأثاث، فلا شىء، سوى ملابس ملقاة فى أحد أركان المنزل، وأخرى أقل عددا، وقديمة تتدلى من أحبال غسيل مهترئة، أما أماكن النوم فلا تتخطى حصائر مفروشة على الأرض، لدرجة أن أقصى أمانى "فتحية"، وهى شابة لم تتجاوز الـ18 عاما، مقبلة على الزواج، بعد عيد الأضحى مباشرة، هو الحصول على دولاب
"تلم فيه هلاهيل الفرح" بحسب وصفها.
المياه التى يشربها الأهالى، الذين أنهك المرض ملامحهم، ونظرات أعينهم، تأتيهم من الطلمبات الحبشية، والارتوازية، وهو ما يجعل فرصة العيش فى بيئة نظيفة، معدومة تماما.
وأوضح إبراهيم أن الأهالى يعانون من الأمراض، وبخاصة الفشل الكلوى، الذى أصبح صديقا لهم؛ بسبب سقى المحاصيل بمياه الصرف الصحى، التى يضطرون لإلقائها بالترع، والمصارف التى يسقى منها الزرع؛ لعدم وجود شبكة صرف بقراهم على امتداد المراكز.